يخرج الزائر للمعرض الحدث، الذي ينظمه معهد العالم العربي لأول مرة من الثالث والعشرين أفريل إلى غاية العاشر أوت القادم، سكيرا بما شاهده من حلال ديني وفني وحضاري ينطق بآيات إبداعية ساحرة تضمن فوز الباحثين عن جمال روحي خالد أرخ له حج الله الذي انطلق قبل حوالي ما يقارب أربعة آلاف عام في مكة أيام عهد إبراهيم عليه السلام. المعرض الأول من نوعه في تاريخ معهد العالم العربي يفند الأفكار المسبقة التي أصبحت لصيقة في أذهان الكثير من الغربيين بدين مرادف للترغيب وليس للترهيب، ويكرس ولادة غير مسبوقة للمؤسسة التي يترأسها جاك لانغ وزير الثقافة السابق الخارج من معطف مثله الأعلى الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، وهي الولادة التي وقفت عندها "الجزائر نيوز" من خلال تغطيتها لمعرض "قطار الشرق السريع" الأدبي والثقافي الخرافي، الذي يستقطب جمهورا كبيرا هذه الأيام بالتزامن مع انطلاق معرض الحج. دشن المعرض الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في اول زيارة له لمعهد العالم العربي بحضور شخصيات سعودية بارزة تقدمها سمو الأمير عبد العزيز بن عبد الله آل سعود نائب وزير الخارجية ورئيس مجلس إدراة مكتبة الملك عبد العزيز ومستشار خادم الحرمين الشريفين والمشرف العام على مكتبة عبد العزيز فيصل بن عبد الرحمان بن عمر وسعادة سفير خادم الحرمين الشريفين الدكتور محمد آل شيخ والملحق الثقافي للسفارة السعودية بباريس الدكتور إبراهيم البلوي. تحف ومخطوطات غير مسبوقة يأتي معرض الحج الحدث الذي يضم 230 تحفة تقدم للجمهور العربي والفرنسي والأجنبي لأول مرة، في الوقت الذي يتوجه فيه سنويا نحو البقاع المقدسة حوالي 25 ألف فرنسي، ويملك الكثير من التحف المعروضة ناصر دافيد خليلي المجمع الخاص الأكبر لتحف الفن الإسلامي، في حين تعود أخرى غير مسبوقة أيضا للباقات العمومية السعودية علاوة على أخرى تتمثل في مخطوطات آتية من تومبكتو ويتراوح تاريخها بين القرن السادس عشر وبداية القرن العشرين وتحكي هذه المخطوطات التي خرجت لأول مرة من مكتبة ماما حيدرة سفر الحجاج الماليين. القطع النادرة الخارجة من الأرشيف الديبلوماسي الفرنسي تكشف أيضا عن الدور الذي لعبته فرنسا في الحج منذ القرن التاسع عشر من خلال تسهيل سفر المسلمين المغاربيين إلى البقاع المقدسة خلال الفترة الاستعمارية. تشمل المقاربة العامة للمعرض الذي ينظم بالاشتراك مع المكتبة العمومية للملك عبد العزيز والمتحف البريطاني تحت إشراف المحافظين عمر الصاغي وفهد العبد الكريم مسارا يعكس رحلة الحاج من البداية حتى النهاية اعتمادا على خاصيتي القيام بالشعائر فرديا وجماعيا تجسيدا للصورة الدينية العامة من جهة، ولوسائل ومعروضات قديمة وحديثة تزاوج بين الإسهام الإسلامي والشرقي الخالص اللصيق بماهية الحج تاريخا ودينا وثقافة اجتماعية ومثيله الغربي متمثلا في لوحات زيتية رائعة وتكنولوجيا حديثة لعبت دورا أساسيا في تحديث مختلف البنى والمرافق التي أحدثت نقلة نوعية في تجديد وتحديث المعمار العام في البقاع المقدسة. إمتداد فني وتبادل ثقافي عبر التاريخ يهدف معرض الحج إلى تقديم الحج إلى بيت الله في مكة في مختلف أبعاده ومن خلال تطوره التاريخي وباعتباره تجربة فردية وجماعية عميقة وتأملا دينيا ومصدر إلهام فني وتبادل ثقافي يتم تقديمه للجمهور من خلال قطع فنية تعود إلى القرون الوسطى ومخطوطات وزخرفات وأقمشة فاخرة شهدت بهرت الجمهور العربي والفرنسي والأجنبي في اليوم الأول من المعرض. المتمعن في معروضات الطابق الأرضي والأول يقف عند تزاوج المقاربتين الإسلامية الشرقية والغربية بفضل إسهام فنانين ومبدعين سعوديين في العديد من المشاريع المعمارية لتأهيل الأماكن المقدسة التي تظهرها مختلف المجسمات وتصور فنانين غربيين ورحالة ومؤرخين إخباريين درسوا الحج كمرجعية إسلامية تميزه دون الأديان الأخرى. ومكنت السينوغرافيا التي أضحت وظيفية بامتياز السماح للجمهور من تتبع خطى الحجيج خلال سفرهم إلى مكة ومصاحبتهم أثناء خمسة أيام مقدسة من شهر ذي الحجة أثناء أدائهم شعائر الحج: الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة ورمي الجمرة والتضحية. الجمهور الذي يدخل المعرض على إيقاع الآذان والتلبية في جو من الهيبة المطلقة زادتها إضاءة خافتة مدروسة لا يلبث أن يرتمي في أحضان روحية وجمالية مطلقتين من خلال كسوة الكعبة المطرزة بخيوط من الحرير والفضة والذهب وعدة مصاحف مدهشة ومؤشر القبلة لبيرم بن إيلياس وخارطة شبه الجزيرة المأخوذة من كتاب المسالك والممالك لابن حوقل ومجسم الأراضي المقدسة ولوحة سيدنا إبراهيم يضحي بابنه لبيار بول روس ومجسم جمال الحجاز قبل فترة الإسلام ومخطوط لحساب أوقات الصلاة ولوحة بيلي الضخمة لحجاج يتوجهون نحو مكة وخرائط وشروحات طرق الحج وراية شمال إفريقيا الحريرية وقناع حاجة من البنين والمحمل الذي استعمله الملك بيبرس الذي يعد أول من أخرجه عند توجهه إلى الحج منطلقا من القاهرة ودرع أنف الجمل والحصان وصورة الحرم المكي والكعبة المشرفة موقعة باللغة الصينية باسم ماتشاو وقميص طلاسم ومقتطفات من القرآن الكريم ووثيقة التصديق على معاهدة التفاهم والصداقة بين الجمهورية الفرنسية ومملكة الحجاز ونجد ملحاقاتها ولوحة حجاج من جدة لشارل فوركورية ومخطط لميناء جدة، إلى غير ذلك من التحف الكثيرة البديعة التي أبهرت الجمهور في مرحلة ثانية بالطابق الأول. إنتشى مجددا أكثر من أي وقت مضى لحظة توقفه عند لباس الإحرام المصنوع من القطن الحلبي وصور وشروحات مناسك الحج ولوحة حمزة في طريقه إلى مكة برفقة الحجيج ولوحة المسجد الحرام المزخرفة وكسوة بديعة أخرى للكعبة المشرفة المنقوشة بسورة الإخلاص وحزامها الموقع باسم السلطان سليم الثاني فضلا عن جزء من مقام إبراهيم وباب ورتاج حجرة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وحقيبة لمفتاحها. وكما كانت بداية رحلة الجمهور مع معرض غير مسبوق بكل المعايير غير عادية، كانت النهاية بالزخم والوطأة والأبعاد نفسها من خلال فيديو شامل لمعاني الحج ورموزه ومختلف تجلياته وتم ذلك من خلال شاشة كبيرة مكنت الجمهور من الاستراحة ومن بينه كانت مصممة الأزياء الجزائرية سعيدة زياني، التي لاحظتها "الجزائر نيوز" وهي تتجول عبر أرجاء المعرض تلتقط صورا أعادتها لطفولتها ولذكريات ماضيها في قسنطينة الحضارة والإبداع. كان لقاء "الجزائر نيوز" بالسيدة زياني فرصة ذهبية لكي تؤكد لنا عظمة التنفيذ الفني لكسوة مكةالمكرمة، التي أبت أن تخلدها بصورة قالت إنها أفضل ما التقط لها من صور في حياتها.