منذ هوميروس وأوديسة، كان السفر "ذريعة "لمسافرين أو رحالة تحديدا لصياغة أدب من نوع خالص له جمهور وفيّ ومازالت مدينة سان مالو الفرنسية الواقعة شمال فرنسا والقريبة من نانت تثبت صحة توهجه وتميزه منذ مطلع التسعينيات. الكتاب والسينمائيون الذين قطعوا البحار والمحيطات والوديان والجبال والصحاري الوعرة متحدين كل الأحوال الجوية المتنافرة ضربوا موعدا جديدا في المدينة الوديعة في الفترة الممتدة ما بين السابع والتاسع من الشهر الجاري وعرضوا كتبهم الرائعة التي تضمنت يومياتهم مع شعوب ضاربة في عمق التاريخ الإنساني. من أهم الكتاب الذين حضروا من خلال كتبهم أو بتواجدهم ككتاب محاضرين ألكسندرا دافيد نيل، التي كشفت عن حياة بوذيي الهملايا و«ولفرد تيزينغر الذي ذهب إلى أدغال القارة السمراء وإلى آسيا ونيكولا بوفييه الذي قطع الأناضول والبلقان وإيران وأفغانستان مدة ستة أشهر وبروس ويليس محقق "سنداي تايمز"، الذي عاشر شعوب أمريكا اللاتينية وكلوديو ماغريس صاحب كتاب الدانوب وبيتر ماتيسن، الذي رحل مؤخرا تاركا تحفته المتمثلة في كتاب "فهد الثلوج" الذي ألفه بعد جولة إلى النيبال والتيبت وأخيرا وليس آخرا الروائي الصاعد سيلفان تيسون، صاحب كتاب "في غابات سيبيريا ". وقبل هؤلاء جميعا، كتاب كبار جعلوا من السفر أولى هواياتهم المفضلة، ومن أشهرهم على الإطلاق رديار كيبلينغ وجاك لندن وبليز سندرارس وجوزيف كيسيل، الذي عرف برحلاته على متن قطار "الأورينت إكسبرس" الخرافي، وكل هؤلاء اجتمعوا في كتاب "كتاب مسافرون... صعاليك يتحدثون عن العالم" للوران مارشال المدعو في المهرجان من بين 250 كاتب وصحفي وسينمائي جاءوا من أربعين بلدا. كما سبق وأن حدث في تظاهرات ثقافية فرنسية سابقة، خرج مهرجان كتاب السفر "عن دائرة تخصصه من منطلق مواكبة حدث الربيع العربي الذي مازال يلقي بظلاله على المشهد الثقافي الفرنسي والعالمي بوجه عام وذلك باستضافته مجموعة من الكتاب والسينمائيين العرب، ومن بينهم يحيا بلعسكري وكوليت فلوس وجورجيا مخلوف وخالد الخميسي وصلاح الحمداني وهند مدب إبنة الروائي التونسي عبد الوهاب واسكندر العمراني وفؤاد العروي وكنزة سفريوي وكبير عمي وطه عدنان ومينا سيف علاوة على الباحث المستعرب جان إيف غونزاليس المتخصص في العالم العربي، والملاحظ عن الأسماء المذكورة طغيان حضور كتاب المغرب الذين استضافوا بدورهم في مارس من العام الماضي مهرجان سان مالو في مدينة الرباط. إلى جانب معرض الكتاب، الذي ضم مؤلفات الضيوف العرب المذكورين وآخرين حضروا بكتبهم التي تناولت الثورات العربية، كان لجمهور التظاهرة مواعيد سينمائية عرضت خلالها عدة أفلام وأشرطة عالجت الربيع العربي بمختلف الأوجه، ومن بينها أفلام "يوميات التاريخ الجاري" الذي تناول من خلاله فريق أبو نضارة السينمائي المأساة السورية من جوانب عدة و«الحي يروح" للتونسي أمين بوخريس، الذي عرض لأول مرة و«إلكترو شعبي" لهند مدب التي صورت كيفية انعكاس الثورات العربية في موسيقى وغناء الشباب المتعطش للحرية والكرامة، الذي كان وراء سقوط حكم الطغاة، وكان لحضور المخرج خالد الخميسي إلى جانب المخرج الأوكراني أندرييه كوركوف والبوسني فليبور كوليك الوقع الطيب عل جمهور أضحى متلهفا لمثل هكذا لقاءات. البرازيل البلد الذي يستقطب أنظار العالم باحتضانه تصفيات كأس العالم لكرة القدم حضر أدبيا وفكريا وأدبيا وحضاريا في مهرجان سان مالو من خلال الكتاب والسينمائيين والفنانين التشكيليين والرسامين والصحفيين والمصورين كالنجمة الصاعدة باتريسيا ميلو وإيدير أوغستو ولويز روفاتو وجان بول دلفينو وأنريا سنتانا وريموندو كاريرو ومارسيلينو فرير وجوا أليمنو ومورسيو هورا وكافي بورجس وأنا بولا مالا وبرناردو كارفالو وجاوو بولو كونكا، واستطاع هؤلاء وآخرون كثر من تغيير وجهة اهتمام وانشغال الإعلام بالبرازيل كبلد مرادف للسامبا وكرة القدم والعنف والمخدرات فقط. الصين القوة العالمية الصاعدة كرمت هي الأخرى أدبيا وفنيا ومثل إبداعها اللافت عدد من الكتاب المتميزين من أمثال مورنغ كسيونغ وشان كوشنج وكيوكسيالونغ ولي ير وكسو كسنغ وشان زي هنغ وآخرين. الذكرى السبعون لدخول الحلفاء فرنسا لتحريرها من الغازي النازي كان لها الحيز المنتظر فكريا في التظاهرة إلى جانب ندوة أزمة الصحافة في زمن الأنترنت والإعلام الرقمي التي ناقشها عدد كبير من الإخصائيين الفرنسيين والأوروبيين الأجانب.