تساءلت في الفترة الأخيرة عن أهمية ملحق ثقافي في سياق غير ثقافي، أو في مرحلة لا توجد فيها رؤية واضحة للمسألة الثقافية، ما دوره في النقاش؟ ما أهميته في طرح الأسئلة؟ بأي شكل سيعمل؟ وهل وظيفته أن ينصع الواجهة أم يسأل ويجادل ويعمق المعاني المتراجعة والمفاهيم المنتقص من فعاليتها؟ لم اشك في أي يوم من الأيام في أهمية الإعلام الثقافي الذي عانينا من غيابه منذ نهاية السبعينيات تقريباً حينما كان النظام حين ذاك يحرص على تدعيم صورته الثقافية من خلال مجلات كثيرة نتحسر على غيابها الآن مثل /آمال /و/الثقافة/ و/الأصالة/ و/ألوان/ وغيرها، لقد كانت تلك المجلات رغم سلبياتها الكثيرة حضنا للإبداعات والنقاشات المختلفة، أتذكر كيف أن النقاش الذي فتحته /الجزائر الأحداث/ بالفرنسية حول دور المثقف وهل نملك أنتلجنسيا بالفعل؟ قد وجد صداه من خلال مجلة /آمال/ التي تبنت من خلال المرحوم عمار بلحسن ذلك النقاش الثري الذي لن نعرفه اليوم طبعا، ونشرت ترجمات ومداخلات بالعربية، كان الجدل والسؤال هو أهم ما تنتجه النخبة المثقفة باللغتين أيامها وكان الهدف واضح هو تأسيس لغة حوار نقدية بين المثقفين فيما بينهم وبينهم وبين المجتمع والسلطة، حوار عقلاني وديمقراطي حقيقي وفيه صدق وهّم واحترافية كبيرة· اليوم نعاني من غياب الحوار، ومن صوم المثقفين على الكتابة، وضجيجهم في الكواليس وجريهم المؤسف وراء المكاسب والمنافع التي لا تخلوا من ولاءات مخزية في أغلب الأحيان· أتساءل بكل براءة هل تشكل الكتابة بالفعل خطرا على أي أحد حتى تهمش بهذه الصورة؟ هل الكتابة هي المشكلة أم هو تقليد جرينا عليه في كافة أنحاء العالم العربي وهو إغلاق الباب حتى لا تقدر على أن تصل ولو لقارئ واحد يتشكل بطريقة سوّية وفاعلة· ما هو دور الإعلام الثقافي؟ أليس النقاش وطرح الأسئلة؟ أليس الحوار وخلق تقاليد في النقاش والتحليل؟ أليس التأكيد على نسبية الحقيقة بحيث لا يمكن لأي أحد أن يدعي امتلاكها والسيطرة عليها؟ إذن أين المشكلة؟ وكيف يمكن أن يكون خطرا على أي جهة خاصة إذا تحلى بموضوعية الكتابة واحترافيتها كيف؟ ولماذا؟ هي مجرد أسئلة عن مرحلة تريد أن تضعنا في سلة الوهم بأننا نقوم بدور شكلي في لحظة تزيد من ضغط الدم والتأسيس للهباء· أخاف، ولكن أتحدى، أقول لنفسي: الاستمرار أولى، لأن ما يجب الدفاع عنه هو صورة بسيطة من الضوء، كمشة قليلة من النور حتى لا يسحقنا الظلام نهائيا·