راجعوا الكثير من الوثائق ، تراسلوا وأكثر المراكز الطبية البحثية في العالم بلا جدوى، هذا ما كان، أما الآن ،فالجميع متصل مع بعض لحظة بلحظة لربما بارقة أمل إن فاتت أحد العلماء التقطها الآخر· بدأت الحالة بالظهور في إفريقيا في البلدان التي تتعرض للحروب والمجاعات، فمنذ ثلاثين سنة، لوحظت أولى الحالات، رغم أن هناك شبهة أكيدة أن حالات أخرى قد ظهرت ولم يتم التعرف عليها؛ ولحق إفريقيا بالمركز الثاني بعض دول آسيا وخاصة أفغانستان والعراق وفلسطين ثم عم المرض بلدان العالم · وقفوا حائرين ،فلاشيء يجدي ، وطريقة العدوى غير معروفة، فعلى الرغم من الاحتياطات التي اتخذوها في تجاربهم ،كان المرض ينتشر لا يوقفه أي شيء، فلا التعقيم الكامل ولا صغر أعمار من تم إخضاعهم للتجربة سواء فوق الأرض أو تحتها،فالعدوى حاصلة بالضرورة · الرعب عمّ العالم، حشود ضخمة تقاطرت نحو الأماكن المقدسة ، بعد أن فشل العلم في مقاومة المرض ، بلايين من الدولارات كانت تدفع من أجل ساعة حياة واحدة؛ ولكن المرض أصاب نسبة عالية تجاوزت الخمسين بالمائة · المرض يصيب النساء الحاملات حصرا ويقتلهن في الشهر الخامس · امتلأت الأرض بالقبور والنواح وانقسم العالم ،منهم من قال :لتكن مشيئة الآلهة، فلم يمتنعوا عن الزواج ومحاولة إنجاب الأولاد وهذا لم يغير شيئا، فالحوامل كن يمتن في الشهر الخامس حتى صارت الدول تعاقب من يثبت أنه حاول أن يجعل زوجه حاملا واستخدمت الأحكام العرفية والكشف المبكر لإجراء عمليات الإجهاض ، والقسم الثاني امتنع على أمل أن يجد العلم حلا، لاعنين العالم الثالث وأمراضه· توافقت المعاجم العلمية على تسمية المرض بمرض الأجنة الإرهابيين· بلدان العالم الثالث خسرت ثلثي عدد سكانها على مدى ثلاثين سنة وسرت مقولة :إن العالم الأول هو من صنع هذا المرض للقضاء عليهم، فاستحكم العداء وبنيت الجدران بين الشمال والجنوب والغرب والشرق ،في حين العالم الأول وبالجملة العالم الثاني أصبح عالما تفاقمت لديه الشيخوخة، فوفق إحصاءات تداولوها سرا فيما بينهم ،فالعمر الباقي لهذه الدول وشعوبها لا يتجاوز الخمسين عاما وبدا الأمر مستحكما ،فالكثير من العلماء ماتوا والأجيال الجديدة شارفت على سن الشيخوخة والعلم لم يقدم حلا بعد· في أحد مختبرات العالم الأول كان العالم العجوز يكاد يلفظ أنفاسه وهو يرى كيف تعمق الجنين بجسد أمه لافا حبل مشيمته حول رقبتها في حين تنغرز يداه في بطانة رحمها مادها نحو قلبها يعتصره كذلك رجلاه تدفع حبلها الشوكي حتى يكاد ينقطع في حين شرايينه وأوردته تنتشر في داخلها إلى أن يختلط الدم والفضلات ، فيقتل أمه ويموت· تابع حالة المريضة التي خطفت من العالم الثالث وتم تلقيحها صناعيا ثانية بثانية ساعة بساعة يوما بيوم شهرا بشهر وهي مشدودة إلى سريرها بقيود، لم تعط مسكنات رغم الآلام المبرحة التي عانتها ونوبات الإغماء وإجبارها على تناول الطعام عن طريق فتحة في صدرها إلى المري· الأم التجربة ماتت بعد ثلاثة شهور ونصف بشكل مختلف عن كل الحالات السابقة مع تعدادها الكبير فجميع النساء ماتت في نهاية الشهر الخامس والطفل تطور بشكل سريع كأنه جنين الشهر الخامس· قرأ ملاحظاته الكثيرة وأومأ لأحد مساعديه أن يقترب، فقد القدرة على الكلام منذ ثلاث سنوات إثر إصابته بشلل كامل لم يبق منه غير عينيه تتحرك وكان يعيش على منتجات العلم المساعدة، فكان سريره أشبه بمعمل يزوده بالحياة· خط عبر حركة رموشه التي زودت بآلة تقرأها كأنها إشارات مورس ويترجمها الكمبيوتر فوريا على شاشته ثلاث كلمات: السلام والآمان والحرية· دوت إشارات الإنذار في مصنعه والأضواء الحمراء، لقد مات العالم العجوز ، لم يكترث المساعد بموت أستاذه بل ركز عينيه على شاشة الكومبيوتر، لربما ملاحظة جديدة وقرأ: السلام الآمان الحرية ، دارت الكلمات في عقله وهو ينظر إلى العجوز ذي اللون الباهت وهمس في داخله : العجوز الأحمق يطلب السلام لراحة نفسه، فليذهب للجحيم·