أعرب موالون من المنيعة عن قلقهم المتزايد بسبب نفوق رؤوس الإبل التي يملكونها بعد أن أضحت عرضة للتسمم، وحسب الموال "بن الشيخ شيخ" فإن المئات من الإبل والأغنام التي يعمد أصحابها لتركها ترعى في الصحراء تلقى حتفها عند وصولها لمنطقة "ضاية الشعالة" التي تتوسط عدة مدن مثل البيض والمنيعة ومتليلي وأدرار مضيفا أنه هوشخصيا فقد 25 رأسا من الإبل بعد أن دخلت محيط المنطقة السابقة، والتي للعلم فإنها ذات طابع صحراوي يخترقها أحد الأنهار الذي ينبع من مدينة الأبيض سيد الشيخ، وهوما يجعلها عامل جذب لرؤوس الماشية المختلفة لكنها سرعان ما تتعرض للهلاك، ولا يعرف إن كان الأمر يتعلق بأعشاب سامة تتواجد بالمكان أم بالتربة أم العلة تكمن في الماء. ما سبق دفع بأصحاب الإبل لمناشدة الجهات المهتمة بالحفاظ على الغطاء النباتي والسلامة الحيوانية للتدخل قصد إجراء تحاليل مخبرية على مكونات المنطقة من تربة وماء وهواء لفك اللغز المحير لهم، ثم العمل بعد ذلك على عزل المنطقة المتضررة عن طريق إحاطتها بخندق كبير يحول دون اقتراب الحيوانات منها. تجدر الإشارة أن منطقة المنيعة تمتلك ثروة من الإبل تتجاوز العشرة آلاف رأس، وتعد مصدر قوت لعشرات الأسر خصوصا تلك التي يكون الحل والترحال سمتها الرئيسية . الغزلان بالمنيعة تتعرض للإبادة تحت ذرائع واهية في وقت ينشغل فيه العالم بالتفسخ الاجتماعي، والانحباس الحراري، وأنفلونزا الخنازير يسجل التاريخ منذ فجر البشرية وعبر كل العصور وفي كل الحضارات البشرية أعمال إرهاب وتقتيل وتنكيل، ولا أدل على ذلك من الإبادات الجماعية للجماعات والشعوب ؛ فالدراسات تفيد أن الانحباس الحراري كان السبب في تشكل البترول والغاز، وقد أدى هذا الانحباس في العصور الأولى للبشرية إلى انقراض جماعات بشرية وحلت محلها جماعات بشرية أخرى ونزوح قبائل من أماكن نحو أماكن أخرى، كما كان الانحباس الحراري السبب الأساسي في ظهور الزراعة وبداية طليعة التاريخ ثم ظهور أولى التجمعات البشرية في المدن وظهور الحضارات القديمة، ومجمل القول أن الانحباس الحراري والزلازل وغيرهما من الأمور هي مسائل طبيعية تخضع إلى القوانين الطبيعية في وتيرة منتظمة حسب التغيرات في مجرى دوران الأجرام السماوية، وأما أنفلونزا الخنازير أوالطيور فهي حسب الأستاذ الباحث "أحمد صيقع" الذي يرجع له الفضل في إنشاء متحف الكائنات الحية بالمتحف البلدي بالمنيعة من صنع الإنسان للهيمنة على خيرات الشعوب وإلهائهم عن مصيرهم الحقيقي، فهناك أوبئة ظهرت في أزمنة سابقة أدت إلى وفاة أكثر من 20 مليون شخص ثم اختفت من تلقاء نفسها، والتاريخ الطبي يحكي عبر الأزمنة والحضارات وفي ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي عن موت الملايين من الجزائريين بسبب الأوبئة المختلفة. لكن في عصرنا الحالي ظهر نوع من الإرهاب الفظيع يتمثل في تلوث الأرواح، وتصحر العقول والذي يعمل بدون هوادة ليس في قتل الأفراد وإنما الأكثر فظاعة هواغتيال الحاضر والمستقبل، هذا الإرهاب يعمل كذلك على تبديل مصادر المياه والموارد الوراثية والحيوانية وبتر مصدر الغذاء وظهور أمراض مخيفة تفتك ببطء وبدون إثارة الشبهات. أما اغتيال مستقبل الأجيال القادمة وجرها للمجاعة والأمراض والحروب الضروس فمن أجل الماء والغذاء الذي هوملوث ويؤدي إلى طفرات خلقية فهوإرهاب هادئ صامت وشديد التدمير، وحتى نفهم أكثر ماذا ينتظرنا نقارن أنفسنا وإنجازاتنا في الفلاحة والتحكم في المياه والموارد الوراثية والنباتية والحيوانية مع إنجازات في نفس الميادين مع جيراننا الأقربين في تونس والمغرب، فيظهر لنا جليا أننا بعيدون كل البعد عما حققوه ولنضرب مثلا مصغرا كعينة فقط مما يحدث في ولايتي غرداية والأغواط فرغم الأمطار المنهمرة خلال العام الماضي بقي الغطاء النباتي في تدهور، ورغم ظهور أعشاب تغطي مساحات شاسعة تسر الناظرين إلا أنه عند دراستها وتصنيفها نجدها تشكل 15 نوعا من أصل 273 نوع مسجل، وهذه الأنواع لا تشكل أبدا قيمة بيئية لأنها نباتات ظرفية لا تثبت الرمال ولا تغذي الحيوانات. وأما النباتات المستديمة ذات القيمة البيئية الغذائية والمثبتة للرمال فقد انقرضت بسبب المبيدات الحشرية، وكذلك الصيد المفرط، لقد تلوثت مياه الآبار والمجاري المائية وانقرض سكانها من مختلف الحيوانات، ومهما سقطت من أمطار لا يمكن أن تعيد الحياة إلى سابق عهدها لانعدام السلسلة التي تربط ما بين الحيوان والنبات فالحيوانات البرية من ثدييات وطيور والتي كانت تتغذى على النباتات وتنقل بذورها وتعالجها بعصارتها الهاضمة وتهيئتها للإنتاش لم تعد موجودة. والدراسات التي قام بها الأستاذ الباحث "أحمد صيقع" تؤكد انقراض حيوانات مثل النعام والفهد والبقر الوحشي والضبع والقائمة طويلة، وأخيرا يتم القضاء على آخر ما تبقى من أسراب الغزلان من نوع الصوين والريم وكذلك لروي تحت ذريعة البحث عن الترفاس أوالبحث عن الجمال السائمة علما أن عناصر الدرك والجيش الوطنيين والجمارك الجزائرية تعمل على مراقبة عمليات الصيد لكن العصابات تستخدم كل مرة طرقا جديدة للإفلات من الرقابة المضروبة بسبب اتساع المكان ووعورته، وهم لا يكتفون بالتقاط الترفاس بل ينزعون الأعشاب المضيفة للترفاس وقطع الأشجار وبيع خشبها. فالأبحاث الميدانية لمنشئ متحف الكائنات الحية في الفترة الممتدة ما بين سنتي 2006 و2008 حول الحيوانات البرية عامة والظفريات خاصة دلت على مقتل المئات من الحيوانات إلى حد الانقراض فحيوان اللادمي والمهور انعدما تماما، كما أن لروي انعدم في الكثير من الأماكن وأخيرا يتم القضاء على الأسراب المتبقية من الريم والصوين ولروي وقتل الإناث ورمي الأجنة التي تعد بالعشرات وذلك في "واد مية" الواقع بين مدينتي المنيعة وعين صالح وكذلك الجبال الكائنة بين المنيعة وتميمون وفي الصحاري في العرق الغربي بين المنيعة ومتليلي في المشفر ومنطقة "حواسي عبازة"، وتباع جثة الصوين ب 2000 دينار وجلودها ب 1000 دينار كما يستخدم قرنيه للسحر ويعلقان كالتمائم في عتبات المنازل وفي السيارات أوقلادة أوتزيين حزمة المفاتيح، كما تباع جثة لروي ب 20 ألف دينار وجلده ب 10 آلاف دينار هذا ناهيك عن قرنيه. من جهة أخرى أدى تبديد المياه وتلوثها وتلوث النباتات البرية بالمواد الكيماوية المختلفة طويلة أمد المفعول إلى نفوق الكثير من الحيوانات الأليفة وتلوث ألبانها وإلا كيف يفسر ظهور أمراض عند الأطفال لم تكن في الماضي مثل أنواع السرطان، وتخرب الجهاز العصبي والضمور العضلي وغير ذلك. والدولة الجزائرية عملت على حماية البيئة من مياه وتربة ونباتات وحيوانات بمختلف أنواعها كما منعت الصيد باستصدار قوانين ولوائح تضبط وتمنع، لكن كل هذه التدابير لم تحد من الخطر الزاحف لتعمد بعد ذلك إلى إنشاء حظيرة لتربية الغزلان والظفريات الطيور شمال مدينة المنيعة، وقد لاقت المبادرة استحسان وقبول المختصين الدوليين لكن المشروع ظل يراوح مكانه منذ سنة 2007 وإلى حد الساعة، والمؤسف أنه حتى السياج المعدني الذي كان يحد هذه الحظيرة اختفى لسبب ما مما يتطلب تدخلا عاجلا للجهات المعنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.