إن الوحدة الحقيقية لكل الجهود الخيّرة في الوطن لا تكون بمناسبة انتخابات عابرة ومقاعد شاغرة، وإنما هي ثمرة عمل دؤوب تذوب ضمنه كل الجهود في بوتقة واحدة، وتتآزر فيه كافة العهود وفاء بعهد الوطن، على غرار جهود علماء الجزائر وعهود رموزها منذ تجربة جمعية العلماء، ووصولا إلى تأسيس رابطة الدعوة الإسلامية، التي فككتها نزعات الولاء الخارجي واستثمرت في غيابها نعرات حزبية مقيتة، لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة ومؤقتة، حرمت الجزائر من التمتّع بطاقاتها المتنوعة، وضيّعت فرصة تاريخية وطنية هامة، لا تقل أهمية عن فرصة استغلال جذوة الثورة التحريرية المباركة غداة الاستقلال المجيد. فقد أثبتت التجارب ولا تزال تثبت بأنّ أواصر التآخي الصادقة بين أبناء الوطن الواحد هي من حافظ على وحدة الأوطان وسلامتها من العدوان، مثلما حدث في الجزائر منذ الفتح الإسلامي بين أبنائها، أين اتحد الفؤاد واللسان لدى أبناء الوطن الأبي، عرباً وبربراً طيباً من طيبٍ. ومثلما حدث في مصر أين جسّد أبناء المحروسة الوفاق التام طيلة العهود السابقة بين مختلف تركيبات المجتمع مسلمين وأقباط، شافعيين وأحناف، شيعة فاطميين وسنة عثمانيين، نوبة وصعايدة وأبناء ساحل، قبل أن تنخر سوسة (العالمية) جسدها المنيع، وتُشرذم شعبها نصرة لذلك التنظيم أو ذاك. ومثلما حدث في سوريا حيث جسّد الوحدة ملياً توافق أهل الشام بمختلف أطيافهم، وتعانقت في هدوء مبصر أجراس المشرق مع مآذنه العنقاء، قبل أن يتسلّل إليها شبح التفرقة الطائفية ويؤثر فيها الإذعان لأوامر خارجية. لقد فات دعاة الولاءات الخارجية أثناء تلقين حلقات تكوين أتباعهم (للقلّة المتبقية التي لا تزال تؤمن بالتكوين والتربية في موجة تقاسم المكاسب السياسية) أن يركزوا في محور السيرة على وثيقة المدينة التي عقدها النبي صلى الله عليه وسلم مع مختلف الشركاء وأن يحضوها بنفس الاهتمام الذي خصّصه منظروهم ومشائخهم للحروب والغزوات !! فلقد ركّزت تلك الوثيقة ناصحة الوضوح (المعروفة بصحيفة المدينة في السير) على الحقوق والحريات وأدخل فيها النبي صلى الله عليه وسلم غير المسلمين في الحلف، بل وأدخل غير المحاربين لشريعته من غير المسلمين في أمة الإسلام لتشكيل وحدة وطنية ودفاع مشترك ضد كل من يتربص بأمن المدينة واستقرارها. أما عندنا في الجزائر فقد أصبح للأخوّة معنى جديدا لعبت فيه النَّسب المئوية دورا مضحكا في مشهد مشوش مُبكٍ، فبعدما انقسم إخوة (الحلقة الواحدة) على أنفسهم في كل الأحزاب حتى تلك التي تدعي الانفراد بالإسلامية بسبب نِسب التمثيل بين الجهات أو نِسب الحصة (الكوطة) الممنوحة لحزبهم في البرلمان أو الحكومة، أو نِسب شغل المناصب (مستشارين، مدراء تنفيذيين، أعوان مقرّبين، ...) عندما يتعلق الأمر بالمفاضلة بين أبناء نفس التنظيم، والأدهى والأمرّ أن يتم التنافر بينهم بسبب نِسب ال 10٪ التي كرّستها ثقافة الفساد لإشراك المسؤولين في الصفقات والمشاريع، التي لم يسلم منها كثير من إطاراتهم في قطاعات البيئة والسياحة والأشغال العمومية وأينما استوزروا أو حكموا، ولم يتورعوا عن التورّط فيها مثل غيرهم من المسؤولين !! وبعد كل تلك الانقسامات والانشطارات التي وُصف بعدها أصحاب التصريحات النارية ضد بعضهم ب (الإخوة الأعداء) وبقدرة قادر تحوّل أولئك المنقسمون إلى (أعداء إخوة) وكأن شيئا لم يكن، وزالت الرغبة في (التغيير) لدى دعاة التعدّد، وانمحى الإيمان بمبدأ (الإختلاف الرحمة) وأصبحت النتائج الطبيعية للديمقراطية (التي برروا بها الانقسام آنذاك) عليهم نقمة، ودفعت رغبة الترشّح لديهم بالتي هي أحسن (في هذه المرحلة) فإذا الذي بينهم وبينه عداوة (النِسب السابقة) كأنه ولي حميم (حميمية الفوز بمقعد نيابي) حتى وإن كان من تنظيم منافس أو موازي على وزن نهضة – بناء ؟!! ففعلت النسبة هنا (4٪) فعلتها السحرية، ووحّدت ما عجزت (حلقات التكوين) عن توحيده، فهم اليوم أحوج إلى إخوانهم أكثر من أي وقت مضى، لأن حيلتهم الآن هو تجميع 4٪ مُلفقة من نتائج الانتخابات السابقة، ليصير من حقهم الترشح من جديد، وكأن الناس لا يرون ولا يسمعون ولا يقول أضعفهم فطنة: أليس فيهم رجل رشيد ؟!