الحمد لله الّذي خلق الإنسان، و أمدّه بالفضل و الإحسان، و جعل له طريق طلب الأدب و العلم حظّا للتّقدير و التّبجيل، و لو كان بقدر الإمكان، و من ترك هذا السّبيل بالكُلّيّة كان محلًّا للإهمال و النِّسيان. و الصّلاة و السّلام الأتمّان الأكملان على سيّدنا و مولانا مُحمّد سيّد ولد عدنان، الّذي دعانا إلى طلب العلم و العِرفان، على ممرّ الأحوال و الأزمان، و على آله و أصحابه و من تبعهم إلى يوم العرض أمام الملك الدَّيَّان. و بعد : لقد عاش في فترة الخمسينيات، و حتّى إلى بداية السّتّنيات، و هُو في ريعان شبابه، بعدما كرع في مشارب الحركة الوطنيّة، و آمن بمبادئها و مقاصدها، مُنضويّا تحت (إلى) لواء جيش التّحرير الوطني(1)، و مُتنقّلاً ضمن فَيالقه، بين عدّة مُدن و مناطق، مُختلفًا بين سَاكنيها و آهليها ؛ من الجهة الغربيّة لتُراب ولايتي المسيلة و بسكرة، إلى الجهة الوسطى و الجنوبيّة لولاية الجلفة، و كان ظَعَنه و قِيامه بها أكبر قِسطًا، و لا تزال له بها و بأهلها و قَاطنيها علاقة مُتجذِّرة و مُتوطِّدة، و بخاصّة بأولاد سيدي نايل منهم، إلى تُخوم تُراب ولايتي تيارت و الأغواط. و قد تعرّف إلى جِبالها بأسمائها، من جِبال الشّعيبة، و جبل ثامر، إلى جِبال كَردادة و عمران و لخناق و مساعد (امساعد)، إلى جِبال لَصباع(2) و الزّريقة و الجلال و المحاقن، إلى جبل بُوكحيل (جبل أولاد سيدي نايل) الشّامخ. و من جِبال تَامسة و زَمرة، إلى جِبال مَنّاعة و طَاسطارة (تَاسطارة) و قعيقع (اقعيقع) و الجَعيمة و بَسطامة و الشَّبيكة و بَحرارة و الضّريوة، إلى جِبال وادي سي سليمان و الزّينة و حوّاص و الغيشة و قطيّة (اقطيّة) و تُقرسان و الفايجة، إلى تُخوم جبل قَعدة القمامتة... و إلى مُختلف قَبائلها و عُروشها و فِرقها (رفقها)، بأصولها و أفخاذها، بداية من عرشه و موئله الأصليّ الخوالد (الخواليد). إلى أولاد حَركات و أولاد سَاسي و أولاد رَحمة و أولاد خالد و أولاد رابح و أولاد أحمد و أولاد سيدي زيّان و أولاد محمّد (بالفتح) لمبارك و أولاد عيفة و الوطاية(3) و أولاد ملخوة و أولاد لعور و السّعادات (سعد بن سالم) و أولاد يحيى بن سالم و أولاد أمّ الهانئ (أمّ هاني) و أولاد سي أحمد و أولاد الأغويني (لقويني) و أولاد عبد القادر و أولاد بُوعبد الله و أولاد فرج و أولاد عمارة (اعمارة) و أولاد قرونة و أولاد عامر ؛ و جميعهم من أرومة أولاد سيدي نايل. إلى أولاد السّائح (السّايح) و البَوازيد و أولاد سيدي سليمان(4) و لحمالات و أولاد سيدي إبراهيم و أولاد ثامر و الجوابر. إلى أولاد زيد و العبازيز و أولاد بخيتة(5)و بني مايدة و لَحداب و أولاد بن علية و سحاري المنطقة جميعًا. إلى الحرازليّة و المخاليف و لرباع و أولاد زيّان و رحمان و المقان و العُمور و أولاد خُليف و أولاد درّاج و السّلميّة..... و هو يحفظ أسماء هذه الجبال و المناطق، و أسماء هذه القبائل و العُروش، و غيرها، كما يحفظ أحدنا فاتحة الكتاب.. ذلكم هو الأديب اللّمّاحة النّسّابة الرّاوية الإخباريّ المُجاهد الكريم أحمد بن المداني عليّات الخالدي(6) الرّحماني(7) الخلفي(8) الإدريسي الحَسني الشّريف، المعروف بأحمد الخالدي. المولود خلال سنة 1930 م، بمدينة سيدي خالد التّاريخيّة الزّاخرة، الواقعة بالجنوب الغربي لمقرّ ولاية بسكرة، بالجنوب الشّرقيّ الجزائري، من أُسرة مُحافظة و مُلتزمة و مُتوسّطة المَعاش ؛ فأبوه و جدّاه لأبيه و لأمّه كانوا من أحلاس المساجد و تِلاوة القُرآن و سرد الأحاديث النّبويّة و الذِّكر، و كان أحد جدّيه قد غشي التّأذين لأحد مساجد المدينة المذكورة، مدّة أربعين عامًا إلّا قليلاً. نشأ و تربّى و تعلّم وسط هذه البيئة الطّيّبة العَفّة، ثمّ التحق بمجلس الشّيخ المُقرئ عبد الله السّبع الخالدي، أين تلقّى تعلّم القراءة و الكتابة، و حفظ تسعة أجزاء (18 حزبًا) من القُرآن الكريم. و لمّا كانت الظّروف الّتي تُحيطه حرجة و غير مُسعفة، انكفأ عن الدّراسة و لم يُواصل، و يمّن وجهه شطر فَلح الأرض و غِراستها، و عُني بالتّنخيل، و كان له حظٌّ في ذلك، و قام بجولات إلى أولاد جلّال و الجزائر العاصمة، و عَالج بهما عدّة مهن شاقّة و مُتعبة و مُبتذلة، و زار فرنسا، و تعرّف هُناك إلى عدّة رجالات نضاليّة. و في سنة 1956 م تحرّق إلى المُشاركة في الثّورة التّحريريّة ؛ لطرد المُستعمر الفرنسي، و كفّ ظُلماته و شُروره و مُوبقاته عن وجه الجزائر الشّارق الباسم، و كان له ذلك بإذن الله تعالى ؛ فقد شارك بسلاحه الخاصّ، و خاض عدّة معارك و حُروب، ضمن قيادة الولاية السّادسة التّاريخيّة، و بمعيّة الكثيرين من المُجاهدين و المُناضلين و أبناء الحركة الوطنيّة، و كُلّف بالكتابة و التّنظيم ؛ لما كان يمتلكه من حكمة و علم و ثقافة و اطّلاع. و قد أُلقي عليه القبض، في أُخريات الثّورة، و زُجّ به في غياهب السّجون الفرنسيّة، و ظلّ فيها إلى بُزوغ شمس الاستقلال، على أرض الوطن الحبيب الجزائر..... و أنا إذْ أكتب عنه و أخصّه بهذه المقال، لا لأنّه شارك في ثورة الجزائر العظيمة (1954 م 1962 م)، و إن كانت مُشاركته فيها تُعدّ في حدّ ذاتها إنجازا و مشروعًا، حُقّ له أن يتغنى و يطرب لذلك في كُلّ محفل، و حُقّ لنا ككَتبة و باحثين أن نخصّه بشيء من التّدوين و التّنويه. و لا بدافع التّحرّف و التّحيّز. إنّما خَصصته بذلك لما رأيته على مخائل وجهه و أسارير مُحيّاه، و قد بدت لي منه خِصال العلم و المعرفة ؛ من ذكاء و فطنة و حفظ و قوّة استحضار و بداهة ردّ و جواب، و قد زيّنها بالحِلم و الصّبر، و شفّعها بالشّهامة و الشّجاعة و الكَرم و العَطاء. و لو أنّه استكمل مشواره الدّارسي، و انتسب إلى مَناور العلم، على غرار القرويين و الزّيتونة و الأزهر، لكان له شأن و مكانة، و أخالها تُداني مرتبة أهل العلم و لا فخرًا... و لو أنّه دوّن ما في جعبته لأفاد، و كان في يعلمه و يُحسنه و يحفظه نسّابة مُؤرّخا جغرافيّا. فهو رغم زاده العلمي اليسير، يحفظ أو يكاد أشتاتا، من الأنساب و الألقاب و الأسماء و الكُنى، العربيّة و غير العربيّة، و الشّريفة منها و غير الشّريفة، و له دراية واسعة بالقبائل العربيّة، سيما منها أولاد سيدي نايل و الهلاليون و بنو سُليم (السّلميّة) و البَوَازيد و أولاد السّائح (السّايح)... و أماكن تواجد كلّ واحدة منها، و كذا بالمناطق و الجهات الوسطى السّهبيّة و الصّحراويّة ، و يستوعبها استيعابا، و إن شئت عدّدها لك رأسًا، و شنّف أسماعَك بذكر جِبالها و سُهولها و سُهوبها و تِلالها و مُرُوجها و وديانها، و بما تشتهر به كُلّ جهة أو منطقة منها، و حتّى ما ينبت فيها من زُروع و أعشاب و بُقول و أشجار، و ما يدبّ على ظَهرها من أنعام و زواحف و حشرات و طيور، و في مَأكل و مَشرب و مَلبس و عادات أهلها و قاطنيها. و أملى عليك تنفّلاً من محفوظاته و ما أوسعَها أسماء بعض شُيوخها و أعلامها و شُخُوصها و شُعرائها، و ما أكثرَهم... و له معرفة أدقّ و أشمل بالجهة الجنوبيّة لتُراب ولاية الجلفة(9) غربًا و شرقًا، تُرابًا و سُكّانًا ؛ من حُدود منطقة عين الشُّهداء و بن حامد و الدّويس و الحَاجب (حاجب الجمل) و الهيوهي و عَامرة و تَعظميت و مقيطع الوسط و الزّرزور و النّثيلة و عين الإبل و الدّزيرة و زكّار، إلى دلدول و سدّ رحّال، إلى المعلبة و المُجبارة و مسعد و سَلمانة و قطّارة، إلى أمّ العظام و عبد المجيد و أُوزينة و قزران و عُمورة و الفيض و عين أولاد زيد، إلى المليليحة و المويلح و القدّيد(10)... و هُو أشدّ احتكاكًا و التصاقًا بأهلها أثناء و بعد الثّورة التّحريريّة(11)، و إذا تحدّث عنها أَطرب و سَحّ لسانه بذكر أخبارها و أخبار رِجالاتها و أسمعتهم سَحًّا، بعدما بَلاها و اختبرها. و يصلح أن يكون مرجِعا صادقا في هذا المَهيع. بالإضافة إلى معرفته الشّاملة لبعض المناطق و المُدن بتراب ولاية الأغواط ؛ كسيدي بُوزيد، و آفلو، و عين ماضي، و الحطيبة، و وادي مُرّة، و الأغواط (لَغواط) مقرّ الولاية، و العسّافيّة، و النّاصر بن شُهرة، و قصير الحيران، و حاسي الدّلاعة. و بتراب ولايتي المسيلة و بسكرة الغربي ؛ كالزّرزور ، و أولاد سليمان (الجبّ)، و الحوامد، و بن سرور، و مُحمّد بوضياف و وادي الشّعير و الحطبة، و بوسعادة، و المعاريف، و الدّيس (أولاد سيدي إبراهيم)، و بن زوة، و عين الحجل (الحجيلة)، و سيدي عامر، و مجدّل (امجدّل)، و منّاعة، و تَامسة، و الهامل، و أولتام، و مساعد (امساعد)، و عين قراب (غراب)، و سليم (اسليم)، و القَصعة (بئر الفَضّة)، و عين الملح، و عين الرّيش، و سيدي محمّد (فتحًا)، و عين فارس، و عين العلق، و أمّ القراد، و البيّض، و الشّعيبة، و رأس (راس) الميعاد، و البَسباس، و سيدي خالد، و أولاد جلّال، و لِيوة، و الدّوسن، و بير (بئر) النّعام، و الغروس (لغروس)، و فُوغالة، و بُرج بن عزّوز، و لِيشانة، و بُوشقرون، و مخادمة (امخادمة)، و أُورلال، و طُولقة... الخ . هذه كلمات لَهج بها قَلبي قبل لِساني، أعتبرها من صَنائع المعروف ؛ فيها حقائق و آثار، لا أكعّ في قولها، و لا أسلو عنها، و لا أُداجي مَن أنكرها، أسديها إلى القُرّاء و البَحثة و الكَتبة، خدمة للموروث التّاريخي و الثّقافي و الحضاري، لمِنطقتنا الجلفة الواسعة الشّاسعة، و خَصصتها ذكرا لأديبنا الحافظة الرّاوية الإخباريّ أحمد الخالدي (عليّات) ؛ إكراما له و تنويها بفضله و أفضاله، لعلّه يهنأ و تقرّ عينه بها إن شاء الله. و رُبّما تكون لي في قَابل الزّمان عودة عليها بالإفاضة و الإطالة. و الله من وراء القصد. و الصّلاة و السّلام على رسول الله، و على آله الطّيّبين، و صحابته أجمع المرضيين. هوامش 1 انضمّ إلى صُفوف الثّورة التّحريريّة المُباركة سنة 1956 م، بسلاحه الخاصّ، و كان تحت إمرة و قيادة الهاني مُحمّد بن الهادي الحركاتي، ثُمّ النّايلي، كاتبًا و مُنظّمًا، ثمّ سُجّن و عُذّب و لاقى و عانى و قاسى الويلات من طرف سُلطات المُستدمر الفرنسي الغاشم، و ظلّ على هذه الحال صابرًا مُحتسبًا، إلى غاية فجر الاستقلال (1962 م). 2 هُنالك بمنطقة الجلفة جبلان، كُلٌّ منهما يُدعى لَصباع ؛ الأوّل يقع بالجهة الشّمالية الغربيّة لزاقز (واغز) الشّرقي، و هو في حيازة عرش لَحداب. و الثّاني يقع غير بعيدٍ من بلدة المليليحة، و هو المقصود في مقالنا، و هو في حيازة عرش أولاد عيفة النّوايل كما لا يخفى. 3 نسبة إلى وَطية. و أكثرُ نسّابي مِنطقتنا يجعلونهم من نَسل أولاد عيفة. و الله أعلى و أعلم. 4 أكثرُ النّسّابين بالجزائر يقولون أنّ أولاد سيدي سليمان هُم من نَسل البَوازيد (سيدي بُوزيد بن عليّ الشّريف). و آخرون يقولون أنّهم من ذُرّية زِكري بن سيدي نايل الشّريف الإدريسي. و الله أعلى و أعلم. 5 يرى بعض النّسّابة أنّ أولاد بخيتة أصلهم من أولاد سعد بن سالم من أولاد سيدي نايل. و أغلبهم ينسبهم إلى سحاري الخُبيزات الهلاليين . و الله أعلى و أعلم. 6 نسبة إلى عرش الخوالد، أو الخواليد. و سُكّان مدينة سيدي خالد ينطقونها بخفض (جرّ) أوّلها.. خِوالد، و بالمُناسبة فهُم يجرّون أوائل مُعظم كلماتهم ؛ عِمر، التِّمر، المِطر، الطِّبيب، الطِّبق، اللِّبن، اللِّحم، الصِّوارد (النُّقود)، الحِوايج (الحوائج)، الغِداء (القِدا)، العِشاء، الظِّهارة، القِبالة، الشِّراقة، الغِرابة..... و هكذا. و على غِرارهم أيضًا يأتون بذلك.. أولاد فرج، و بعضٌ من أولاد عمارة (اعمارة)، و أولاد عامر، و سَحاري أولاد إبراهيم القاطنين بمدينتي العُقلة و الحدّ . و الله أعلى و أعلم. 7 نسبة إلى الوليّ الصّالح عبد الرّحمان بن خليفة، دفين مقام خالد بن سنان العبسي. 8 نسبة إلى الشّيخ الشّريف خليفة بن أحمد بن عبد الله الإدريسي الحَسني. 9 له أيضًا معرفة لا يُستهان بها بالجهة الشّماليّة لتُراب الولاية غربًا و شرقًا، تُرابًا و قاطنين ؛ على غرار القدّيد و الشّارف و الزّعفران و عين معبد و حاسي بحبح و حاسي العشّ و بويرة لَحداب و حدّ السّحاري (الصّحاري) و العُقلة و سيدي بايزيد و دار الشّيوخ. بالإضافة إلى معرفته بالإدريسيّة و بن يعقوب. و للعلم لا غير أنّ المنطقة المُمتدّة غربي الجلفة ؛ من الزّعفران إلى القدّيد إلى الشّارف إلى بن يعقوب إلى بن حامد إلى الدّويس إلى الهيوهي إلى عَامرة، تُسمّى الزّبّاش. و الله أعلى و أعلم. 10 هنالك بمنطقة الجلفة قدّيدان ؛ قدّيد أولاد أمّ الهانئ (أمّ هاني)، بزاغز (زاقز) الغربي، و قدّيد أولاد عيفة بالمحاقن. 11 كُلّما تذكّر هاته المناطق و ناسَها أجهش باكيًا، و وَكفت دُموعه على وجنتيه و خدّيه، و بدأ يُعدّد أعمالَهم و أفضالَهم و مكارمَهم و ماضيهم التّليد و جهادَهم العظيم. قال الشّيخ الفاضل الفقيه عبد القادر بن إبراهيم الطُّعبي السّعداوي النّايلي، المعروف بالمِسعدي (ت 1956 م) : بني نائل سُدتم و شُدتم ... صُروح الفضل و النّسب التّلاد فلو أنّ القبائل من لُجين... لكنتم عسجدًا عند النّقاد