كنت واقفا أتشمس أنتظر صديقي بالقرب من عمارات حي شتوح عيساوي (حي 400 مسكن بالبساتين) و إذا بموكب من اثني عشر سيارة أو يزيدون تتوقف أمامي فجأة بالقرب من ورشة مديرية ال PME... نزلوا من سياراتهم الفخمة و شرعوا يتبادلون القبل و التهاني و التبريكات ... بعضهم يرتدي "قشاشيب الوبري" و بعضهم يظهر داخل بذلات أنيقة جدا و آخرون نزلوا من سياراتهم "مشنفين" و كأنه قد سيق بهم كرها على كره رفقة الداي ... أعتقد أن هناك ما يجمعهم في هذا الموكب، فهم على ما يبدو قد تركوا قطاعاتهم و أشغالهم و مهامهم مُحيَّنة "à jour" ... "updated" كما يقول الأمريكيون ... "مريڤلة ڤد ڤد" كما نقول نحن، و يبدو أن لقاءات الأحبة و تبادل القبل في رابع أيام عيد الأضحى هي ما جعلتهم يهرولون بسياراتهم (أو سيارات الخدمة) من اجل الظهور بالقرب من الداي الذي قرر أن لا يلبث الوفد أكثر من دقيقتين في هاته النقطة من زيارته الميدانية ... ليغادر الساحة أصحاب البذلات الأنيقة جدا ، و كأنهم كانوا يختلسون القبلات بين النقطة و الأخرى أو بين الركن و الآخر كما يقول عميد الأدب العربي طه حسين. جاءني صديقي فجلسنا القرفصاء وراء العمارة و ناولني فنجان القهوة قائلا "أنت محظوظ لأنه يوجد قليل من الماء حضرت به "العزوج أنتاعنا" هذا "الفنيجيل" من القهوة". "و هل أزمة المياه عندكم حادة إلى هذه الدرجة؟" "حادة إلى درجة نحمد الله فيها على أن الدين يسر و ليس عسر و أن هناك الإستجمار إذا تعذر الاستنجاء". ارتشفت القهوة من فنجاني و قلت لصاحبي "حقا أنا محظوظ بهذا "الفنيجيل" لأنه يقال عن الماء '' أرخص موجود و أعز مفقود"... ترى ماهي أزمة المياه هاته التي جعلتك فقيها بأحكام الطهارة؟ لقد ودع الماء حنفياتنا ثلاث أيام قبيل العيد و اليوم أربع فتلك إذا سبع كاملة ... و لقد صرت فقيها بأحكام الطهارة منذ اليوم الثاني للعيد ... فالمعاناة هنا لا تكمن فقط مع الكبار و لكن الخطب أعظم و أجل مع الأطفال الصغار و الرضع الذين ملؤوا البيت يوم العيد فرحا و حبورا و في الثاني ملؤوه فرحا و حبورا و (...) ، تصور بنفسك حجم المعاناة في غياب الماء و قد شبعوا من لحم الضأن ... و الله مهما احكي لك لن أوفي المعاناة التي نعيشها حقها من الوصف و حسبي الله و نعم الوكيل في مسؤولي المياه بالجلفة ... لأنه يقال أن سكان الأحياء المجاورة لا يعرفون هذا المشكل كون العون المسؤول عن التوزيع يقطن بتلك المنطقة أما نحن فلنا الله. قلت لصاحبي " لقد أوحت معاناة أطفالك إلي بفكرة سوف تدر مداخيل إضافية على مصالح البلدية ... أولا كان عليك أن تذهب بأضحيتك إلى المذبح البلدي في جبل "حواص" و تدفع رسوم الذبح و في نفس الوقت يتمتع أطفالك بمنظر الجبل فتوفر قليلا من الماء و بالتالي "تتفقه في أحكام الطهارة" في اليوم الثالث أو الرابع من عيد الأضحى ... أما مشكلة نظافة أطفالك الصغار فلا تقلق لأنني أعتقد أن وزارة الداخلية قد وجدت لها حلا في قانون "موظفي الإدارة الإقليمية" الجديد في مادته رقم 348 التي نصت على مهام مساعدة الأمومة للإدارة الإقليمية و من بينها "ضمان النظافة الغذائية والجسدية والهندامية والمحيطية للرضيع والطفل" و سوف أقترح على معالي وزير الداخلية بأن يتم تخصيص أجنحة في المذابح البلدية لحالات الطوارئ عند فقدان المياه في المناطق الحضرية كي تذهبوا بأبنائكم إلى "جبل حواص" و تدفعوا رسوم تنظيفهم هناك في "الباتوار" ... طبعا سيحدث هذا في حالة ما إذا انشغل مسؤولو المياه بأمور أهم منكم و رحم الله من قال "شر البلية ما يضحك".