كان مسجد "التوفيق" بحي قناني مُلتقانا ، لم أنتظر طويلا لتحل علينا من قرية أولا عبيد الله رفقة صبي لا يتجاوز سن الخامسة ، ألقت التحية و سلمت على الجمع الذي كنت برفقته و بجانبي جلست و أنا أركز على عيناها التي تبصر الظلام فقط ، و بكل ترحيب و أريحية وافقت على مقابلتي الصحفية دون ان تطلب موعدا آخر ، أو تتعذر بأعذار واهية . إذا هي "ربيعة صيلع" أو كما تلقبها عائلتها و زميلاتها بأسماء من وليدات 1975 ، امرأة أفقدها الله البصر في سن مبكرة عندما كانت ترتاد على المدرسة في أولى سنوات دراستها اذ كان ضعفها الشديد في البصر آنذاك قد ساهم في عرقلة مسيرتها التعليمية و لم يكن ارتدائها لنظارات مساعدة عاملا على المواصلة حين قصم أترابها عن دون قصد بذرة حب العلم فيها فكان منهم ان قال " مبروك عليك العمى " ، جملة كصعقة نزلت على نفس أسماء لتعتزل المدرسة برمتها و ترمي بتلك النظارات عرض الحائط رغم الجهود الفاشلة التي قامت بها أسرتها في عودتها الى مقاعد الدراسة لتتواصل معاناتها و تفقد بصرها بالكامل و تختار البيت ملاذها الوحيد . كبرت أسماء و تزوجت ليثمر زواجها بابنها محمد الذي تعيش من اجله بعد طلاقها منذ أربع سنوات الا ان ذلك لم يمنعها من أن تفكر و تخرج من جديد لترتاد على المسجد مُصلية فيه و تقابل أهل الذكر و القرآن و ببصيرتها تعيش في عالم غير العالم الذي كانت فيه عندما طرحت عليها السيدة "مقدي فريحة" مرشدة مسجد " التوفيق " منذ سنتين فكرة حفظ القرآن ، ترددت في البداية الى أن حباها الله برؤيا شجعتها على الانطلاق عندما رأت نفسها في مسجد مع نساء سألنها : " ماذا تفعلين في المسجد يا اسماء ؟؟ لترد أنا خادمة هنا في بيت الله " و بدا حينها نور الارادة يشع لتبدأ مسيرة الحفظ مع معلمتها "نادية غيبش" التي حفظت على يديها أربع أحزاب و تواصل ربيعة صيلع ( اسماء) المسيرة مع معلمتها الثانية "سعيدة غيبش" التي امتدحت في تلميذتها حين قالت عنها " تلميذة نجيبة وصاحبة إرادة قوية رغم معاناتها مع المرض " ، استحضرت المعلمة ذاكرتها في موقف أثار إعجابها من ربيعة صيلع ( اسماء) عندما أتتها مبللة في يوم شتاء ممطر من قرية أولاد عبيد الله حيث تسكن حين سقطت في حفرة فلم يزدها ذلك الا اصرارا على المواصلة و الجهاد في الحفظ لتصل الى 14 حزبا بأحكام التجويد المُجازة فيها و تتجاوز عقبات المسافات التي تتنقلها يوميا من القرية الى مسجد " التوفيق " بالجلفة ...كيف لا ؟؟.....مادامت قد تجاوزت عجز البصر الذي لا يعاني منه أغلب الناس. السيدة صيلع ربيعة ( اسماء ) رفقة ابنها محمد الى هذا الحد لم تكتفي صاحبة البصيرة ، فقد شرعت في تعلم " البراي " على يد معلمتها "كيدار مسعودة" التي قدمت مساعدات مجانية لها بعد أن سمعت بارادتها القوية ، كما كانت مشجعتها السيدة "بديار مباركة" دور آخر في تركيبة إرادتها اذ كانت تقول لها :" أنت مثلنا الأعلى يا أسماء " ، و تقول أسماء ان السيدة مباركة تعلمت البراي من أجلي لكي تقدم مساعداتها في حين غياب معلمة البراي . زميلاتها في المسجد يرونها قدوة حسنة لهن ، والداها و أخوتها يشجعونها و يقفون الى جانبها في المسيرة العطرة التي تود تحقيقها بأن تصل الى حفظ القرآن باكمله بل و تعلمه و تنقل تعاليمه الى غيرها ، تحلم ان يكون ابنها من حفظة القرآن و العاملين به أيضا ... ربيعة صيلع (أسماء ) تنادي من يساعدها في استأجار بيت بالقرب من المسجد حتى تقرب المسافات و يسهل عليها التنقل و تحقيق الطموح بأن تكون من أهل الله و خاصته.