لا ريب أن الأمة الإسلامية مصابة بأمراض خطيرة وكثيرة ، وهي أمراض تكاد أن تصنف عضالا، فمن الوهن والخيانة و الحسد والحقد الدفين إلى الضغينة والغل ونكران الجميل ، وعلى رأس كل هذه الأمراض ، يوجد الاختلاف إلى حد النزاع ، وبذلك تتجسد التفرقة وتسود الفتن مثلما هو الحال عليه اليوم ، حيث أننا نفتقد إلى أهم مقومات ديننا الحنيف و أساس الدين ألا وهي المعاملة ، وبدونها يبقى كل شيء مؤجل إلى حين ، وبدونها فإن أمة الإسلام لا تساوي شيئا . ونعود إلى النزاع الذي قال فيه عز وجل : وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ. الآية . إن ما تمر به الأمة الإسلامية اليوم لشيء يثير الشفقة والإحباط ، فالخالق عز وجل نهانا ونبهنا وأمرنا في كمّ من آية في كتابه العزيز، على تجنب النزاع ، والولوج إلى الإتحاد والتماسك والتعاون لما فيهم من خير ونفع للأمة وهو ما نفتقر له مع كل الأسف، وكل هذا موجود عند الغير وأقصد بهم النصارى واليهود، فإذا نضرنا إلى حالهم وتمعنّا في ما يقومون به، رغم اختلاف الألسن والعقيدة والحروب التي كانت بينهم، نجد أن التعاون والاتحاد والمصالح المشتركة، هي من أوصلهم إلى هذا التقدم الذي نقتات من قشوره اليوم ، حيث نصنف نحن الأمة الإسلامية بالمستهلكين بدرجة سيء ، وهنا يحضرني قول المستشرق الذي أسلم ، وقال : الحمد لله أنني عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين، إنه عنصر محظوظ ، فلو عرف هذا الأخير أمة التشدق بالإسلام وهي المسيئة إليه بالأمس واليوم إلى حين ، لرجع من حيث أتى، لكن الله أراد به خيرا ، فدرس الإسلام واقتنع به كدين ومعتقد صالح لكل زمان ومكان ، والحمد لله أنه لم يتعرف على أغلبيتنا إلا ما رحم ربنا من خلقه لكي لا أعمم ، وكتب الله له معرفتنا والإطلاع على أحوالنا المتأسف عليها فيما بعد . إن من الدوافع التي دفعتني للتطرق لهذا الموضوع أولا، هو الحال المزري للمسلمين وأنا منهم، فهذه الفتنة التي نعيشها والتي أبعدتنا عن القضية الجوهر ، وهي قضية القدس الشريف وما يتعرض له كل يوم من تدنيس و بتواطؤ من أغلب حكام العرب والمسلمين . ولتشريح الوضع بشيء من الحسرة والألم على ما وصلنا إليه من هوان ونفاق وابتعاد عن ديننا الحنيف الذي لا نملك منه إلا الاسم ، يجدر بنا الحديث عن قواعد الإسلام ، فما عدا الشهادة بوحدانية الله وأن محمد (صلى الله عليه وسلم)، هو رسوله الكريم ، فإن بقية القواعد قد أفرغناها من محتواها، فالصلاة التي هي عماد الدين ، وهي أول عمل نسأل عليه يوم الحساب ، أصبحت حركات رياضية جوفاء خالية من شروط صحتها، وخاصة الخشوع وهو روح الصلاة ، فأصبحنا نركز على القبض والسدل ، والسرعة في الانتهاء منها غير مبالين بما تتوجّبه ،دون أن يعلم الكثير كيفية ترقيعها ، إلا أن أصبحت عادة لا تنهانا عن الفحشاء والمنكر، بل أصبحت محل تباهي وتنافس في تجميع الناس وبناء المساجد وعدم المحافظة على أبسط شيء وهي النظافة (أو الطهور) التي هي نصف الإيمان. أما عن الصوم ، فقد أصبحنا نصوم عن الأكل وشرب الماء فقط ، فلا صوم للجوارح لتنقية النفس من الأدران ، ولا تأخذنا رحمة في الشهر الكريم ، فيكثر التبذير، والمضاربة ، والاحتكار ، والتحايل، وعلى سبيل المثال: كل صائم يتعامل مع التجار ، وأغلبهم يُصلون في المساجد ويستمعون يوميا إلى دروس الإمام ، ولكن بمجرد ذهابهم إلى متاجرهم ، يتصرفون بكل أنواع الخداع والكذب ولا تأخذهم رحمة بالفقير ، ويغتنمون ذلك الشهر لكسب المال بالأضعاف، ضاربين قِيم الإسلام عرض الحائط ، دون نسيان بعض المسؤولين الذين يضاعفون في أكل الرشوة والمال الحرام ويكذبون بشكل ملفت وهم صيام ، فأين نحن من الصيام وقواعده؟؟ وعن الزكاة ، نعطي مثالا واحدا ، وهو التحايل قبل بلوغ النصاب ، حيث يلجأ بعض الأغنياء إلى التجارة بالمال قبل بلوغه الحول وخاصة إذا كانت مبالغ مالية معتبرة ، وبذلك يتحايلون على صاحب المال وهو الله عز وجل، ويتهربون من إعطاء حق الفقراء والمساكين؟ هذا يجرنا للحديث عن الحج ، وهو الركن الذي جعله الله لمن استطاع إليه سبيلا ، ولكن الكثير منا يحجون بمال البنوك والربا ، ومال اليتيم ، ومال الرشوة والنهب ، ولا يبالي ، بل يتباهى ويدفع أموالا طائلة للحج أكثر من مرة ، مع أن فئام كثير منهم لا يفقهون ترقيع الحج؟ هي أمثلة بسيطة للتذكر، فكل التجاوزات المعروفة عندنا، لا تخفى على أحد، ولكننا نحب أن نتصرف بتجاهلها، كمن يكذب كذبة ويصدقها. هذا هو حال قواعد ديننا الحنيف، في هذا الزمن العجيب، فما بالك بالدين كله ما يمليه علينا تجاه بعضنا، وحتى تجاه من هو من ديانة أخرى. إن المتتبع لحال المسلمين، يبقى حائرا وعاجزا عن تفسير ما يحصل، دول سباقة إلى زرع الفتن وتُموّل الجماعات المسلحة للإطاحة بأنظمة معينة وإضعاف حكامها (مثل ما موّلت الجماعات المسلحة والمذهب الوهابي عندنا إبان العشرية السوداء)، ودول تتلذذ بالتفرج على معاناة دول فقيرة، وتقدم مساعدات شحيحة بالمناسبة وبتغطية إعلامية كبيرة، لإيهام الناس بأنهم يقفون إلى جانب إخوانهم. في حين نرى المبشرون المسيحيون، يسافرون إلى الأدغال ، حيث الأمراض الخطيرة المعدية، وحيث المجاعة والصراعات القبلية، ويأخذون معهم الأدوية والألبسة والهدايا ومعها نسخ من الإنجيل، ويوزعونها على تلك الشعوب ومنها المسلمة ، لإعطاء صورة عن ديانتهم ، فهي دين رحمة وتعاطف وتآزر، وبالمقابل عندنا تصرف الأموال في تمويل قاعات اللّهو والمجون في أوروبا وأمريكا ، والتكفل بخسائرهم في الحروب التي تشن على الأمة الإسلامية، أي أننا نُموّل بُؤسنا بأموالنا، بل ونتسابق لفعل ذلك ، هذا هو الواقع الذي لا نريد أن نبصره. بيد أن من يعنيه الأمر بالدرجة الأولى والأخيرة ، هم المسلمون الذين هم خالدون إلى النوم ويركنون للتمتع بأحلام اليقظة ولا يحركون ساكنا ، وإن حصل واستفاقوا من سباتهم ونزعوا ذلهم ، فإنهم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها ببياناتهم المحررة بشتى العبارات ، مستعملين البلاغة تارة والهجاء تارة أخرى، ورغم كثرتهم وتواجدهم في أصقاع العالم وامتلاكهم للثروات تحت و فوق الأرض، إلا أنهم يتفرجون عبر القنوات الفضائية التي يموّلونها ، ويستمتعون بما يشاهدون ، وعلى رأسها دولة تموّن الفتنة في سوريا الصامدة ، بعد أن ساهمت مع أمريكا في تحطيم العراق وإرجاعه للقرون الوسطي ، لمجرد أنه طالب بتسديد ديونه ، لصد المدّ الشيعي إلى الدول الخليجية كما زعمت في ذلك الوقت ، وهي التي تمتلكها عائلة دخيلة ، دولة تفتقر لقنوات صرف المياه ، وفي كل سنة يموت مواطنوها بسبب الفيضانات ، وتُصنف أول دولة مصدرة للبترول؟؟ وليس مثال معاناة النيجر ومالي ببعيد علينا ، فلولا تضامن الجزائر ، لضربت المجاعة عندهما ، ونفس المثال يمكن قوله عن ما عانته موريتانيا في السابق ، حيث تخلى عنها العرب والمسلمون ، فتعرضت لضغوط غربية وكلفها ذلك الاعتراف بإسرائيل ، ثم تراجعت بعد عدة سنوات . هذه أمثلة فقط على سبيل الذكر ليس الحصر. وإذا حصل وأن كان هناك من يملك الغيرة ، فتراه متألما متحسرا على الوضع وقلبه يعتصر دما ، وهو يكتم آلامه متأسفا لما آل إليه حال المسلمين الذين هم غثاء ، كغثاء السيل مصداقا لقول الرسول الكريم، فقد قال الحسن ، حدثنا أبو النضر ، حدثنا المبارك بن فضالة ، حدثنا مرزوق أبو عبد الله الحمصي ، حدثنا أبو أسماء الرحبي عن ثوبان مولى ، قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها ، قال قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ قال أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوّكم ويجعل في قلوبكم الوهن ، قال، قلنا وما الوهن ؟ قال : حب الحياة وكراهية الموت. (الحديث حسن وقد رواه الإمام أحمد في المسند). وفي رواية أخرى ، قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : }يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعت الآكلة على قصعتها، قيل يا رسول الله أومن قلة نحن يومئذ؟ قال بل كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل{ (الغثاء : الزبد) . وفي حديث آخر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: يأتي زمان علي أمتي، يحبون خمس ،وينسون خمس : يحبون الدنيا وينسون الآخرة ، يحبون المال و ينسون الحساب ، يحبون المخلوق و ينسون الخالق ، يحبون القصور و ينسون القبور ، يحبون المعصية و ينسون التوبة ، فإن كان الأمر كذلك ابتلاهم الله بالغلاء و الوباء و موت الفجأة ، و جور الحكام. ماذا يجري يا أمة كانت خير أمة أُخرجت للناس ، ما هذا الوهن الضارب في الأعماق، يتحرك العالم ولا يحرك لنا ساكن وكأن الأمر لا يهمنا أو ما يجري هو في كوكب آخر، أين نحن من حديث الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، "لا يؤمن أحدكم ، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". المراقب لأوضاعنا من الخليج إلى المحيط خاصة ، لا يراوده أمل في تغير الوضع إلا بحدوث معجزة من الخالق ، تزيح العمى عن الأبصار وتنقي الصدور، أما دون المعجزة ، فلا يبدو لي أن الليل سينجلى وتستيقظ الأمة الإسلامية من سباتها وتضع خلافاتها جانبا لأنها لم تأت بنتيجة ، وأخالهم لا يدركون ذلك إلا بعد فوات الأوان ، فالأمم قد تداعت علينا ونحن كثير ولكننا كغثاء السيل بعنوان أمة الإسلام وما أدراك ما الإسلام .