في عصر الاكتشافات الخارقة في مجال البيولوجيا والتطور السريع في اختراق أسرار (الجينوم) وما يتعلق ببنية المورثات وطبيعة تأثيرها في الكائن البشري وعلاقة كل ذلك بالأمراض المستعصية ، يمكننا الحديث عن بعد آخر لمفهوم الشيفرة على غرار فيلم (دافنشي كود) المثير للجدل ،ويتعلق الأمر بمحاولة المخابر الغربية ومراكز البحث والمخابرات العسكرية والمدنية الأمريكية والصهيونية تفكيك ذهنية الشعوب العربية والتعامل معها باعتبارها أرانب اختبار وبالتالي تطبيق أدق أدوات المراقبة والتوجيه على مراكز القرار عندها ، وقد نجحت هذه المساعي إلى حد كبير في أهدافها التي تجند لها كل الوسائل وتدفع لها بكل الميزانيات الممكنة ، وها هي تستغل ما يحدث في العالم العربي ليصبح خارطة مشتعلة من شرقها إلى غربها فيما أصبح يعرف ب (الربيع العربي) ، وهي تسمية لا تعكس فصل الربيع الذي انطلقت فيه الثورات العربية الأخيرة على حكامها المستبدين فقط ولكن توحي بانطلاقة جديدة لهذه الشعوب ومرحلة تتسم بالتفاؤل والحرية من أجل غد مشرق على العدالة التي لطالما حلمت بها هذه الشعوب... فالمتتبع لمسار هذه التطورات العنيفة والتي راح ضحيتها الآلاف من الشباب العربي يدرك بأن الشرارة البوعزيزية وجدت أمامها حقولا من الهشيم فامتدت فيها بكل سرعة نظرا (لقابلية) هذه الشعوب للثورة على جلاديها والسعي إلى الإطاحة بهم بعدما عاثوا في الأرض فسادا ، فبعد سقوط حاكم قرطاج في تونس أهتز عرش الفرعون المصري لتتناقل القنوات صور الرجل وأبنائه وراء القضبان في تحول درامي سريع لم يكن في ذهن أكثر السينمائيين خيالا من هوليود الغرب إلى بوليود الشرق مرورا بالمسلسلات العربية والتركية ، إلا أن الحلقة الليبية لم تكن مجرياتها في نفس السياق لأن الأوضاع في ليبيا القذافي لم تكن كارثية كما هو الحال في الحلقات السابقة من تونس إلى مصر لأن الدوافع البوعزيزية لم تكن متوفرة ، ففي هذه المرحلة من مسلسل الربيع العربي تظهر شخوص جديدة كانت مقنعة تتحرك في شوارع (باب الحارة) الليبية تترصد القذافي (زنقة ، زنقة) ولكنها خرجت عن السيناريو البوعزيزي لتدخل أجندة جديدة في خضم الحماسة القبلية والنعرة العصبية لشعب ليبي لم يتلوث من قبل بديمقراطية الغرب حين كان يخوض تجربته السياسية (الخضراء) بشكل متميز بسلبياتها وإيجابياتها كغيره من شعوب العالم الأكثر تقدما في التسيير الديمقراطي للسياسة... هذه الأجندة الدخيلة لم يكن بطلها سوى الفيلسوف الصهيوني (برنارد هنري ليفي) أو (B.H.L) كما يحلو للفرنسيين تسميته ، وهو يمشي في شوارع طرابلس منتشيا بسقوط القذافي وهو تحت حراسة مشددة من طرف عناصر المقاومة الذين تمكنوا أخيرا من ابن قبيلة القذاذفة فشربوا من دمه وهم الذين نصبوه زعيما لليبيا وملكا على إفريقيا من قبل، طيلة أربعين سنة أي منذ بداية قصة الفاتح التي كانت شعاراتها وأهازيجها ترفع حتى داخل المساجد في ليبيا القذافي ، إنها الشعوب التي تصنع زعمائها وتخنع لهم سنين طويلة لتجعل منهم جلادين رغم أنوفهم... وجاء الدور على الجزائر لأن المسلسل الذي لاقى رواجا ونجاحا كبيرا يحتاج إلى طبعة جديدة فبلادنا في تصور خبراء الفتن العالمية ليست سوى امتدادا طبيعيا وجغرافيا وتاريخيا لهذه الثورات الفيسبوكية المعولمة ، وهنا ينقطع شريط المسلسل - كما كان يحدث أيام زمان في قاعات السينما - و تنار القاعة ويخرج الناس من الظلمات إلى النور ، ويكتشف الحاضرون أذناب الجرذان وذيول الفئران وهي تركض إلى جحورها المظلمة بحثا عن مخبئ يؤويها حتى تدار دواليب المسلسل الدرامي من جديد ، ولكن الشيفرة الجزائرية تأبى ذلك وتوقف عجلة هذا المسلسل ، لأن مالم يفهمه هؤلاء الأغبياء أن في الجزائر مئات البوعزيزي الذين يحرقون أنفسهم استنكارا وغضبا من الأوضاع الصعبة التي يعيشونها ، ولكن شتان ما بين إقدام أحدهم على إشعال النار في جسده وبين إشعال الجزائر بكاملها، فالجزائري الذي يعاني من البطالة والفقر والتهميش مستعد أن يحترق من أجل أن ينير الدرب أمام وطنه وشعبه ، وهذا هو سر الشيفرة الجزائرية التي لن يستطيع خبراء الفتن في (المغرب) و(المشرق) أن يفهموها لأنهم بمجرد أن يتدخلوا لفهمها فإنهم بذلك يثيرون في الجزائري روح الغيرة والأنفة والعزة التي لن يزيدها تدخل الأجنبي إلا قوة وثباتا ضد كل الأجندات التي تسعى إلى إشعال نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد وذلك مهما بلغت بهم شدة التذمر من فشل سياسات بلادهم... ففي الوقت الذي كانت بلادهم تسيل دماء وأشلاء كان أصحاب المسلسلات كعادتهم يتفرجون لا يحركون ساكنا لأنهم كانوا كلهم يراهنون على انكسار (النيف) الجزائري ، ولكن هيهات هيهات لمن يحمل شيفرة المناعة النوفمبرية أن يبيع وطنه لأجندات تأتمر بتوجيهات صهيونية تسعى جاهدة لتركيع الجزائر حتى تستكمل مشروعها الذي يستهدف الأمة بكاملها... إن الشيفرة الجزائرية يا خبراء الفتن وعرّابي الأزمات وسدنة المعابد الماسونية لن تستطيعوا اكتشاف قواعدها حتى تتمكنوا من فهم الدوافع العميقة للجزائري في كره اليهود واحتقارهم ، لأنه الشعب الوحيد الذي كان آباؤه يلعنون اليهودي قبل أن يتكلمون معه في أي موضوع ، فرددوا معي كما قال آباؤكم : ( ألا لعنة الله على اليهود )