بينما يقوم المحامي الأمريكي باراك أوباما بجولة قيل أنها "تاريخية" الى بعض الدول الإفريقية بصفته رئيسا لأقوى دولة في العالم، نجد أن زملاءه في المهنة، في دولة ظهر رئيسها مرة واحدة خلال شهرين دون صوت، يهدّدون باعتصامات و احتجاجات بعد أن "نقضت" السلطة عهدها مع الهيئة التي تمثلهم ... و تنصّلت هذه "السلطة" مما اتفقت عليه مع ممثلي أصحاب "الجبة السوداء". ترى ماذا يحدث في الجزائر؟ ...بلد المعجزات ... المحامون يقولون أن ممثل وزارة العدل نجح في فرض تعديلات على قانون المحاماة الجديد أثناء النقاش داخل اللجنة القانونية للمجلس الشعبي الوطني المطعون في شرعيته. و وزارة العدل ورئيس اتحاد المحامين يقولان أن المسودة الجديدة المطروحة للتصويت احترمت التعهدات ومكاسب المهنة. التساؤلات تبقى تفرض نفسها ... ممثل وزارة العدل هو قاض ... و أغلب القضاة بعد تقاعدهم (25 سنة و ليس 25 عاما) يلجؤون الى ممارسة مهنة المحاماة ... و هذا القاضي -ان صحت اتهامات نقابات المحامين- قد استطاع فرض تعديلات تمثل تراجعا عن مكاسب مهنة المحاماة ... فكيف يفكر هذا القاضي و هل ينظر بين يديه فقط أم يفكر على المدى البعيد؟ ثم إن هذا القاضي قد أدّى القسم على احترام القانون والعدالة و جوهر العدالة هو النّدّية بين القضاء و الدفاع ... لأننا لا ندري أيهما على صواب بشأن الحكم النهائي الذي سيصدر بشأن المتقاضين؟ أليست استقلالية المحاماة تساعد القاضي على الحكم بموضوعية و بلا تسلّط منه؟ من هذا الذي يملك المصلحة في خلق صراع ما بين القاضي و المحامي؟ هل انحاز ممثل وزارة العدل الى السلطة التنفيذية على حساب المحامي و القاضي و المتقاضي ... بل و على حساب العدالة؟ ماذا لو نغوص في نفسية ممثلي النظام أو ممثلي السلطة التنفيذية و نتساءل ببراءة "لماذا نجد دائما ممثل السلطة التنفيذية يلجأ الى الدفاع عن خيارات النظام باعتبار أن الطرف الآخر مشاغب و مشوش؟ هل ممثل السلطة التنفيذية مطالب بضمان مصالح النظام ضد "المشوّشين" أم أنه هو وحده "يزيدلها شويّة" ؟ هل الى هذه الدرجة ينسى ممثلوا السلطة أنفسهم و السلك الذي ينحدرون منه و المآل الذي يسيرون نحوه؟ ألا يأخذون العبرة من مآل خادمي النظام أويحيى و بلخادم الذَين زحزحا من منصبيهما بمجرّد أن فكّرا في مقارعة الذي أوجدهما؟ الأكيد أن نفس الملاحظات يمكننا اسقاطها على ممثلي السلطة التنفيذية في قطاع الصحة والتربية و غيرهما عندما سارعوا الى القيام باقتطاعات من أجور زملائهم المضربين من أجل حقوقهم؟ ألا يعلم ممثلوا السلطة التنفيذية أنهم مؤقتون في تلك المناصب مثلهم مثل الوزراء الذين يأمرونهم باقتطاع الأجور؟ ألا يخشون أن يقال عنهم أنهم قد "غدروا" زملاءهم و "غدروا" المهنة التي أوصلتهم الى هذه الرتبة من المسؤولية؟ الأمثلة كثيرة في هذا السياق ... نائب يخون تعهّداته، منتخَب يخون المواطنين، وزير يخون الناس، رئيس يتعامى عن أصوات الضعفاء، مسؤول يعاقب زملاءه السابقين، مدير يقتطع تعسفا من أجر من كان يعاني مثلهم ... في جميع الحالات نجد أن أولئك المسؤولين ممن أصرفوا في "الشيتة" سيعودون الى ماكانوا عليه أو سيحالون على التقاعد و سيعيشون بقية حياتهم على الهامش بعد أن دارت عليهم دائرة الحياة وحاولوا الرجوع الى المجتمع الذي نفرهم ... ولو نبحث في التاريخ فإننا سوف نجد شبيها للحالات السابق ذكرها ... أي حالة المسؤول التنفيذي الذي ينسى أصله و "يزيدلها شويّة" لصالح النظام القائم و ربما دون أن يُطلب منه ذلك. فأثناء الاحتلال، فرنسا كانت تستخدم مجموعة من أبناء جلدتنا تحت مسمّى "الڤوميين" من أجل محاربة من تسمّيهم "الفلاڤة" الذين خرجوا عن طوعها لصالح قضية شعبهم. وعندما حانت ساعة رحيل فرنسا التي كانت تواري عورتهم، لم يجدوا بدّا من مرافقتها الى الضفة الأخرى ... وهم المعروفون هناك باسم "الحركى"، وهاهم الآن يعيشون بمرارة لأنهم لم و لن يكونوا يوما مواطنين فرنسيين وستطاردهم "لعنة الغدر" و "عقدة الانتماء"الى الأبد، هم وأبناؤهم هناك. على رأي امبراطور فرنسا نابليون بونابرت عندما رفض مصافحة ضابط نمساوي جاء ليقبض مقابل المعلومات التي قدمها و ساعدت فرنسا على احتلال النمسا فقال له نابليون "هذا الذهب لامثالك ، أما يدي فلا تصافح رجلا خان بلاده". أو على رأي وزير الداخلية الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي حين وصف المهاجرين في عز أزمة ضواحي باريس (2005) بالقول عنهم "الحثالة"، "Ce sont des voyous, des racailles, je persiste et je signe"". أما من يقرأ مسرحيات شكسبير سيجد حتما السّلوى عن مصير الخونة في مسرحية "ماكبث" الذي كان قائدا لجيوش الملك "دونكان". هذا الأخير غدره "ماكبث" و قتله بينما كان ضيفا عنده. و لكن اللعنة صارت تلاحق ماكبث الذي صار ملكا لأنه صاحب "شرعيّة ثوريّة"... ووصل به الأمر أن صارت تطارده أشباح ضحاياه ممن غدر بهم الى أن قتل على يد ابن أحد ضحاياه ... و لو غصنا في التاريخ العربي أكثر، فإننا سوف نجد أن كتب التاريخ قد نقلت الينا ذكر "عقوبة عكاظ" نسبة الى سوق عكاظ بشبه الجزيرة العربية، حيث أنه اذا غدر رجل جُعلت له "راية غدر" باسمه في سوق عكاظ و يُخطب في الناس "ألا إن فلانا بن فلان قد غدر، فاعرفوا وجهه و لا تصاهروه و لا تجالسوه و لا تسمعوا منه ..." فقد صدر بحقه حكم عكاظ و هو عقوبة العزل من المجتمع. و لهذا كان الوفاء من شيم العرب في الجاهلية، و لعل "عقوبة سوق عكاظ" كانت سببا في ردع كل من تسؤّل له نفسه الغدر بعهده. مسك الختام ... رسالة الى ممثلي النظام و السلطة التنفيذية و باقي السلطات ممّن تعسّفوا في ممارسة صلاحياتهم أو خانوا تعهّداتهم أو غدروا الجموع المتطلعة الى عدلهم ... عليكم أن تختاروا بين خندقين: خندق الحق و الناس الذين ستعودون الى صفوفهم بعد نهاية "انتدابكم" الى المنصب السامي ... أو خندق النظام و"النعيم الزائل" و"الحظوة المؤقتة" التي ستنالونها ومعها الإساءة الى تاريخكم و الى أبنائكم مثلما هو الحال مع "الحركى" اليوم في نعيم فرنسا، وساعتها تيقّنوا بأن "سوق عكاظ" سوف تذكركم و سترفع لكم "راية غدر" لأنها موجودة اليوم و لو بأسماء مختلفة مثل "الفايسبوك" و "التويتر" و "اليوتيب" ...