الإنتخابات المحلية السابقة كُلّما يحل موعد انتخابي الا وتظهر الى الملأ احصائيات بخصوص عدد المشاركين وعدد المقاطعين، ومن فئة المشاركين تظهر احصائيات عن المشاركات الإيجابية "عدد الأصوات المُعبّر عنها" والمشاركة السلبية "الأصوات غير المعبّر عنها" مثل التصويت العقابي بالورقة البيضاء. غير أنه كثيرا ما يُنسى عدد المواطنين الذي لم يُسجّلوا أصلا ضمن القوائم الانتخابية... وفي ولاية الجلفة الموضوع حساس جدا كون القضية تخص عشرات الآلاف من الجلفاويين ... إنهم ناخبون جلفاويون من نوع خاص ... فَهُم يوم 18 آفريل 2014 لن يهتموا بنتائج الرئاسيات كونهم لا ينتمون لا الى المشاركين ولا الى المقاطعين ... بل إنهم أعلنوا مُسبقا ومنذ وقت طويل بأنهم غير معنيين أصلا بالانتخابات... تشريعيات ماي 2012 ...أكثر من 141 ألف مواطن غير مُسجل في القائمة الانتخابية وبالعودة الى الإحصائيات الديمغرافية الرسمية الصادرة عن مصالح الولاية، فإننا نجد أن مونوغرافيا 2012 تشير إلى أن عدد المواطنين من الفئات العمرية الأكبر من 20 سنة يبلغ 298 617 نسمة، دون احتساب من لهم الحق في الانتخاب ضمن الفئة العمرية "15-19 سنة".وكانت نتيجة المراجعة الاستثنائية في مارس 2012 قد بيّنت أن القائمة الانتخابية لولاية الجلفة بلغت 287 476 ناخب، وهو ما يعني أن عدد غير المسجّلين يتجاوز 011 141 مواطن. أما بالنسبة لرئاسيات آفريل 2014، فان الأمر يختلف كون السلطات الولائية قد تمكّنت من تحيين ورفع القائمة الانتخابية من 287 476 ناخب سنة 2012 الى 092 525 ناخب حسب المراجعة الاستثنائية للقائمة الانتخابية في فيفري 2014. أي بزيادة تقدّر ب 48805 ناخب، وبالتوازي مع ذلك فشلت ذات السلطات "التنفيذية والمنتخَبة" في تسجيل أو اقناع ال 565 110 مواطن المُتَبَقّين بالتسجيل في القائمة الانتخابية سنة 2014، اذا حسبنا عدد السكان في 31/12/2013 على أساس أن الزيادة السكانية هي 03% وليست 03.2%. كما أننا أيضا أهملنا الناخبين الذين تبلغ أعمارهم 18 و19 سنة واعتبرنا ذلك هامش خطأ، لاسيما وأن تقديرات المونوغرافيا قدمتهم ضمن الفئة العمرية 15-19 سنة. فرضية البدو الرُّحَّل مُستبعدة ... قد تبدو للوهلة الأولى قضية الجهل بالقانون مطروحة بقوة ولكن ذلك سيكون ضعيفا أمام نسبة المقاطعة الكبيرة في تشريعيات ماي 2012 ولعل أوّل فرضية قد تُطرح بخصوص أزيد من 100 ألف جلفاوي غير مسجل بالقائمة الانتخابية هي أنهم من ضمن فئة "البدو الرّحل". وهذه الفرضية مُستبعدة جدا لأن رقم غير المسجّلين ضخم جدا وقد تجاوز بكثير عدد سكّان 35 بلدية حسب مونوغرافيا 2012 دائما (ما عدا الجلفة، عين وسارة ومسعد). فعدد سكان بلدية حاسي بحبح مثلا بلغ 86422 نسمة بالمقارنة مع 565 110 نسمة غير مسجلة بالقوائم الانتخابية، وهذا الرقم غير بعيد نسبيا عن عدد سكان بلديتي عين وسارة ومسعد البالغ عدد سكانهما 100 630 وَ 102 454 نسمة على التوالي. كما أن وجود المكاتب المتنقلة بولاية الجلفة يجعل من تلك الفرضية ضعيفة جدا الى جانب التجمعات السكانية الريفية المنتشرة بربوع الولاية والتي تعرف تنظيما وهيكلة من مصالح الانتخابات على مستوى البلديات. تشريعيات 2012 ... قصة المقاطعة والتصويت السلبي بولاية الجلفة وبالعودة الى نسب المشاركة في الاستحقاقات السابقة نجد أن سلوك الناخبين بولاية الجلفة قد بدأ يأخذ الطابع الراديكالي كالتصويت العقابي بالورقة الملغاة أو بالمقاطعة أصلا. وفي هذا الصدد تبدو تشريعيات ماي 2012 التي سجّلت فيها ولاية الجلفة نسبة مقاطعة تجاوزت نسبة المشاركة الوطنية وجعلت ولاية الجلفة تتبوّأ مرتبة ضمن الولايات العشر الأكثر مقاطعة على الصعيد الوطني. في حين أنه من بين من لهم الحق في التصويت (أكبر من 20 سنة) قد سُجلت نسبة 73.01% ما بين مُقاطعين وأصوات ملغاة وعير مسجّلين في القائمة الانتخابية. وسوف تشهد رئاسيات آفريل 2014 استقالة مُسبقة ل 17.39% مواطن غير مُسجلين أصلا في القائمة الانتخابية، في انتظار أرقام المقاطعين والأصوات الملغاة يوم الجمعة 18 آفريل القادم. أرقام وتقديرات ديمغرافية بخصوص تشريعيات ماي 2012 ورئاسيات آفريل 2014 بولاية الجلفة "الجلفة إنفو" حاولت الاستفسار عن هذا الرقم من المواطنين غير المسجلين أصلا في القائمة الانتخابية. حيث يرى لخضر، 40 سنة وعامل حر، أنه ينبغي أولا أن نطرح السؤال التالي "ترى هل المُسجّلين في القائمة الانتخابية و من يصوّتون بانتظام واعون بأهمية اصواتهم؟ واذا كُنّا نريد تغييرا فلماذا لا نُصوّت يوم 17 آفريل بكثافة ونفرض التغيير ونحرص أصواتنا بالحضور في عملية الفرز؟". أما علي، 28 سنة وبطال، فقد اتخذ موقفا راديكاليا عندما قال بنبرة غاضبة أنه لم ولن يُسجّل في القائمة الانتخابية مادامت النتائج لا تُعلَن محلّيا "بل سيُعلنها الطيب بلعيز المحسوب على بوتفليقة" على حد تعبيره. الجهل بالقانون هو السبب ... والمسؤولية يتحملها المجتمع برُمّته من جهته الأستاذ عمراوي العباس، محام وحقوقي في المنظمة الوطنية لترقية المواطنة وحقوق الإنسان، ربط الموضوع برمّته الى ما وصفه بجهل مُستشر بحقوق المواطنة ويتحمّل مسؤولية ذلك المواطن نفسُه والهيآت المُجتمعية المُتدخّلة في توعيته كالإعلام والجمعيات وغيرها. وأضاف الأستاذ عمراوي قائلا "هناك تقصير في التوعية بأهمية التصويت، بغض النظر عن كون ذلك مُتعمدا أم لا، وهذا التقصير ينسحب على كل مناحي الحياة في الصحة والإدارة وغيرها" ليتساءل "هل المنظومة التربوية تقوم بدورها في ترسيخ التصويت كسلوك ديمقراطي مثلما هو الأمر في الولاياتالمتحدةالأمريكية أين يُعتبر الصوت الانتخابي مصدر فخر واعتزاز للمواطن الأمريكي؟". وبخصوص هذه الظاهرة يقول عمراوي "المواطن الذي لا يسجل في القائمة الانتخابية هو مواطن سلبي ومستقيل تماما من الحياة السياسية، بل وحتى مستقيل اجتماعيا لأن نتيجة الانتخابات لا سيما المحلية منها تؤثر على حياته اليومية اذا فازت قائمة غير مُؤهلة للتسيير المحلي ... فكيف سيكون هناك تغيير اذا كان المواطن يرى بأن صوته بلا أثر؟".أما بخصوص الأسباب وانتشار ظاهرة الاستقالة السياسية للمواطن فقد قال ذات المتحدّث "أعتقد أن الأمر يتعلّق بسكان المدن ولا يتعلّق بالبدو الرُّحّل المعروف عنهم حرصُهم على التصويت. ولعل الجهل بالقانون وانعدام الثقافة القانونية يلعبان دورا كبيرا في جعل المواطن لا يعرف قيمة الصوت. أما بخصوص أن هذه الظاهرة سببُها النقمة، فان المواطن الناقم هو أكثر جهلا ولماذا لا ينتقم بالتصويت وعدم ترك الفرصة للتلاعب بصوته وليُصوّت بالورقة البيضاء ... للأسف هذا المواطن فقد الثقة في نفسه". أما حميدة عبد القادر، ناشط حقوقي جمعوي، فيعتبر أن أغلب شباب اليوم يعلم ويقر بأن نظام الحكم يجعلهم أصواتا بلا فاعلية على أرض الواقع ويتحكم في مصيرهم دون الرجوع الى أصواتهم المعبر عنها بالصندوق وهو ما أدى هذا الحال الى شبه استقالة جماعية. ويضيف ذات المتحدث أن عدم اقتناع الشباب بالوجوه المطروحة حاليا في الساحة وصناعة المستقبل برجال من صناع هذا الماضي بتكريس فكرة عدم جدوى التغيير وارهاق المواطن بالواجبات دون الحقوق وتنامي الوعي لدى الشباب بفضل تكنولوجيا الاتصال الحديثة ... كلها عوامل ساهمت في انتشار اليأس السياسي، يقول حميدة. نفس الوجوه المتداولة على السلطة تتسبب في العزوف السياسي أما الباحث الأكاديمي في العلوم السياسية، الأستاذ الجامعي عبيكشي السعيد، فقد أوعز ذلك الى عوامل الجهل وقلة الوعي ثم استقالة سياسية كما هو حال المجتمع الجزائري قاطبة. في حين فسّر الأستاذ محمد عزوز، باحث أكاديمي في تغيّر المجتمع، عزوف المواطن الجلفاوي عن الانتخاب بسببين، السبب الأول هو أن المواطن الجلفاوي فقد الثقة في الصناديق وأصبح يؤمن بمنطق التزوير فمثلا لو فاز أي مترشح بالانتخابات فالأكيد ان البقية يتهمه بالتزوير ولو كانت نزيهة. والسبب الثاني هو أن التغيير في الجزائر هو "تغيير دائري أي أن نفس الوجوه تتداول على السلطة بنفس الأفكار والبرامج و تحطيم عمدي لكل ماهو جديد و حديث" مضيفا "لأننا نملك عقدة من التغيير الاجتماعي وهاته الفكرة تفطن لها الغرب وعرفوا أننا نملك عقدة التغيير لذلك أصبحوا يصنعون سياراتهم بتصاميم قديمة لأننا اقتنعنا أن القديم خير من الجديد .... نفس الشيء بالنسبة للانتخابات، فالمواطنون يعتقدون أن الأمر محسوم مسبقا. في حين أن الوادي يتشكل قطرة قطرة وأن التغيير يبدأ بالذات و بالسلوك الحضري".