منذ أن تم فتح المجال السمعي البصري في الجزائر والمواطن الجزائري عُرضة لنماذج متنوعة من التصريحات والمواقف والشخصيات التي نجح بعضها في كسب احترام المواطن في حين قنبل بعضها الآخر مشاعر المشاهدين بوابل من التفاهات والسخافات التي كان من الحرفية والحياء والغيرة على المهنة وضع عشرات من (الفلترات) لغربلتها قبل إذاعتها لتقتحم الأسر والمنازل .ويبقى قصب السبق من حق "ملحد الجزائر" بدون منازع الروائي "رشيد بوجدرة" الذي تقيأ من خلال قناة الشروق بكم مقرف من التصريحات التي لوثت بِنَتنها أجهزة الجزائريين التلفزيونية في سهرة يوم الأربعاء 3جوان 2015 . فالمتعارف عليه في الأوساط العلمية والثقافية أن الفكر الإلحادي هو انعكاس لما توصلت إليه الدراسات العلمية من حقائق اصطدمت بالعقيدة الدينية لدى المسيحيين فأنتجت نزعة علمانية متعجرفة طوّرت مواقف تشكك في البداية في صدق التعاليم الدينية لدى المجتمع المسيحي، ثم تؤكد على ضرورة إنكار وجود الخالق كما هو معبر عنه في هذه الديانات الغربية التي شوهت مفهوم الخالق وجعلت من الإله مجرد شخص مصلوب. وبهذا الشكل انتشرت جملة من الفلسفات الملحدة التي تأثرت بالداروينية والطَّبعانية ثم الوجودية والماركسية . وهي كلها تستند لجملة من "التبريرات" التي لا ترقى إلى مستوى الأدلة المقنعة ولكنها لا تخلوا من المسوغات التي تقنع أتباعها وتبرر تشبثهم بها، وهم في ذلك يؤلفون ويحاضرون وينشرون تعاليمهم بأساليب يمكن القول بأنها بعيدة عن التهريج والإسفاف الذي تابعناه في حصة "المحكمة" التي أدارتها إعلامية تمكنت بأسئلة بسيطة أن تستفز هذا "الملحد" الذي لا يتردد في التلفظ باسم الجلالة والتعبير به في العديد من الإجابات أمام ذهول الإعلامية المحاورة له والمشاهدين المتتبعين لهذه الحصة، مما شكل حالة (مشوّهة) للإلحاد لم نسمع لها مثيل من قبل . إنه الإلحاد بطبعته الجزائرية متناقض وغريب ومرتبك ومضحك... و شر البلية ما يضحك. ف"بوجدرة" الذي رفض أن يقسم بالله في هذه المحكمة الإعلامية فضل أن يقسم برأس أمه التي لم يكلف نفسه تشييع جنازتها لأنه لا يحب دخول المقابر فما قيمة قسمه إذا ما دام لا يكن أي احترام لما يقسم عليه، وهذا يعكس لنا بأن من استضافته قناة الشروق شخص غريب الأطوار متناقض المشاعر والأفكار. ثم ما علاقة الروائي بالإلحاد وكيف يمكن لكتابة الرواية في الجزائر أن تكون أسلوبا يرتقى لمستوى تبرير الإلحاد الذي يتطلب الوقوف على حقائق علمية والتحلي بقدر كبير من المنهجية في التحليل كما يفعل بعض الملحدين كأمثال العالم الفيزيائي (ستيفن هوكينج) الضليع في الفيزياء الكونية والتي ألف فيها كتابه الشهير "المشروع العظيم" The Grand Design بالاشتراك مع ملحد آخر ، حيث يعتقد بأن الفيزياء الحديثة لاتتفق على الإطلاق مع القول إن للكون خالقًا، فيقول بغياب الخالق، وهو في ذلك وَفِي لأفكاره مطلع على اكتشافات الفيزياء الحديثة التي تمكن من لي عنقها حتى تصطدم مع الدين أي بالعقيدة المسيحية التي انسلخت عن اصولها اليونانية بشكل كبير. فشتان إذن بين إلحاد هذا الفيزيائي الذي ينتمي لثقافة تفتقر لكل مقومات الدين الحقيقي، وملحد الروايات الذي تنكر لثقافته وهجر الكتابة بالفرنسية – وليته مافعل- ليكتب باللغة العربية ولكنه يفكر بمنهج غربي ويعبر عن نظريات لا تمت بصلة لتراثنا الإسلامي، فبوجدرة يعيش حالة انفصام عميقة جعلته لا يملك من خصائص الانتماء لحضارته وأمته سوى اللغة التي ينفش من خلالها سمومه القاتلة ويرفع بها عقيرته ليشوّه مكوناتها عندما لا يتردد في وصف نفسه بأنه (متصوف ملحد). ويصف نبي الإسلام عليه أزكى الصلاة والسلام بأنه ثوري على طريقة (شي غيفارا) ، مما يعكس قصورا كبيرا في مدارك هذا الشخص الذي لم يتمكن عقله من التمييز بين الثرى والثريا . (فغير الرشيد بوجدرة) لا يرتقي حتى لمستوى الملحدين الحقيقيين، و لايمكن حتى تصنيفه بأنه ملحد لأنه لا يتردد في التلفظ باسم الجلالة ولا يجد أمام تساؤلات الإعلامية إجابة مقنعة له بالدرجة الأولى ناهيك عن إقناع غيره بهذا الإلحاد الفلكلوري السخيف الذي يريد أن يظهر بمظهره مغتنما وجوده أمام عدسات الكاميرا، وليحقق لنفسه مكانة وسمعة فشل حتى في تصورها والتعبير عنها بشكل مقنع ومتسق. لقد كان بوجدرة أدنى بكثير من الشهرة الكبيرة التي روّج لها اللوبي العلماني في الجزائر المسلمة، وكان مروره بالنسبة لأنصار الأطروحة الإلحادية في الجزائر وبالا على أتباعها لأن رئيس المعبد الإلحادي في الجزائر كان سخيفا سخافة لغته المبتذلة والمتناقضة و طرحه المرتبك الذي ينم عن شخصية ممزقة بين غضب الفرنكوفونية التي هجرها بعدما رضع من صدرها ثقافتها وتنكر للسانها، وبين غضبة أهله وأبناء جلدته الذين تابعوا على التلفاز كائنا تلبسه الشيطان على حد تعبير أحد المتتبعين لعبثه ولا يمت باي صلة لشعبه وعروبته وشهامة أهله من (الشاوية) الأحرار. فاحترم إلحاد الملحدين يا بوجدرة ولا تتلفظ باسم الجلالة حتى لا تشوه كلمة (الله) بلسانك.