تتردد هذه العبارة "قبل 20 ديسمبر" في كافة إداراتنا، وذلك في كل ما يتعلق بسير عملية التوظيف أو تسيير الحياة المهنية للموظفين، وخاصة فيما يتعلق بالشؤون المالية وتسديد الفواتير!!.. إنّ تاريخ 20 ديسمبر من كل سنة الموافق لميعاد وقف التأشيرة المالية، إيذاناً بفتحها بحلول ميزانية السنة المقبلة، أصبح هاجساً لا على مسيري إداراتنا فحسب، بل على أبسط مواطن، موظفاً كان أو لا تربطه أي صلة بالوظيف؟!.. غالباً؛ يتم التقاعس في الإعلان عن الوظائف وفق الإجراءات القانونية وما يتبعها من إجراءات الرقابة المسبقة للتوظيف، وذلك بدافع احتكار المعلومة أو نتيجة ضعف مستوى الإدراك الإداري، إلى غاية حلول اليوم الموعود "20 ديسمبر" أين يتم التركيز على نجاح موعد العملية لا على محتواها، ويقاس المدير الناجح لدى مسؤولي الوصاية بل ولدى أغلب المواطنين البسطاء، بمدى التزامه بالموعد المحدد، دون النظر في نتائج التوظيف ومدى مطابقتها لاستحقاقات المترشحين، وهل تستجيب لمتطلبات المنصب، المهم أن يتم ذلك قبل 20 ديسمبر؟!.. وينتظر الموظف المستفيد من ترقيات في الرتبة نتيجة تكوين أو شهادة أعلى أو مسابقة ترقية، أو تقدم في الدرجات نتيجة أقدميته، سنة كاملة ليتم التأشير على المخلفات التي ينتظرها - أو التي يأس منها - في الموعد المذكور 20 ديسمبر، وغالباً ما تكون بعدها بكثير ولكن بتاريخ رجعي 20 ديسمبر، لتنقلب قيمة الحفز المنتظرة من تلك الترقيات باعتبارها حوافز مادية ومعنوية إلى "مثبّطات" عن العمل، تجعل صاحبها يتكاسل عن أداء مهامه، ويتذمر من طريقة التسيير التي تتفنن في إذلاله والحط من معنوياته!!.. ويجف ريق المورّد المتعامل مع الإدارة، كي يحصّل قيمة فواتيره التي قد تفوق مدة تسليم مقابلها السنة، الأمر الذي يجعله يتحايل في السنوات المالية المقبلة بالتلاعب بنوعية التموين، أو يلجأ إلى التعاقد غير الشرعي مع أحد الفاعلين في عملية التخليص، إن على مستوى المخزن أو الوسائل أو الميزانية أو المحاسبة أو الأمر بالصرف أو الرقابة أو جميعهم، ليأخذ حقه في الوقت المناسب، دون أن ينسى اقتطاع "حقهم" لأنهم سهّلوا إجراءات الدفع قبل 20 ديسمبر.. ومن جهة أخرى؛ تجد أغلب المدراء ومن يتولى لديهم الشؤون المالية، حريصون على استهلاك الميزانية قبل 20 ديسمبر، لأن معيار القضاء على المخصصات مازال معتمداً في التمييز بين المسيّر الناجح وغيره المتقشف الفاشل، حتى في زمن التقشف الفاشل.. ولأنّ أغلبهم لا يفقه التنزيل العملي للمبدأ النظري 1/12 في تسيير الميزانية، فإنك تجدهم يركّزون في نهاية السنة على اقتناء التوريدات مهما كانت جودتها، وسعرها، ومهما كانت احتياجات مؤسساتهم والمواطنين منها، المهم استهلاك الميزانية.. لذلك يلاحظ المواطن انطلاق الأشغال في أغلب المشاريع العمومية في الثلاثي الأخير من السنة!!.. وفي المقابل؛ في الدول التي تحترم نفسها ومقدراتها ومواطنيها، يُخصص تاريخ نهاية السنة للتقييم، تقييم أعمال سنة كاملة من النشاط والإنجاز والبذل، ولا يحدث عندهم أبداً أن تضم الحصيلة - مثلما يحدث عندنا - أعمالاً هي لا تزال في طور الإنجاز أو أخرى أنجزت وهمياً لاستهلاك المخصصات المرصودة لها قبل 20 ديسمبر ؟!!..