يبقى الإنتاج الوطني بعيدا عن التطلعات، سواء لتلبية الحاجيات الوطنية أو الوصول إلى التصدير، حيث استوردت الجزائر في الأربعة أشهر الأولى من السنة الجارية حوالي 13 مليار دولار، وهو ما سيرفع الواردات إذا ما استمرت على ما هي عليه إلى حوالي 40 مليار دولار نهاية السنة الجارية، وهو ما يجعل فائض الميزان التجاري لا يتعدى 11 مليار دولار في أحسن الأحوال، وتبقى هذه التقديرات معرضة للانهيار في أية لحظة، خاصة إذا انخفضت أسعار النفط التي توجد على كف عفريت. لم تنفع إجراءات قانون المالية التكميلي التي اتخذتها السلطات في صائفة 2009 في دفع عجلة المؤسسات الاقتصادية العمومية والخاصة، التي لازالت تكتفي بالمطالب الاجتماعية والتحفيزية دون الوصول إلى عقلية محترفة، تهدف للوصول إلى المقاييس والمعايير العالمية ورفع قيمة الصادرات، وحتى التي تنجح في ذلك تقوم بتخزين الأموال والعائدات بالعملة الصعبة دون استغلالها في توسيع الاستثمارات، لخلق الثروة وجلب القيم المضافة للاقتصاد الوطني الذي استفادت منه جميع المؤسسات دون أن تحاول النشاط أكثر. وطغى على نشاط المؤسسات الاقتصادية الخاصة، كثرة الشكاوى من السوق الفوضوي وقلة القروض، وهي العوامل التي خلقها القطاع الاقتصادي الخاص الذي يبيع لتجار القطاع الموازي بدون فواتير، للتهرب من الضرائب وبعدها يشتكون من انتشار هذا النوع من التجارة، الذي بقدر ما هو ممون من الاستيراد إلا أن ظلوع القطاع الاقتصادي الخاص غير مستبعد، وما زاد في متاعب الاقتصاد الوطني هو مطالب المؤسسات الاقتصادية المتصاعدة بشأن القروض، حيث ضخت البنوك أكثر من 2000 مليار دينار للمؤسسات الاقتصادية، لكن لا شيء تغير سوى ارتفاع ملفات الفساد التي تنفجر كل يوم والضحية تبقى الدولة والخزينة العمومية. ويعكس واقع المؤسسات الاقتصادية سواء الخاصة أو العمومية الذهنيات الخاملة، حيث يدور الحديث عن كل شيء إلا الاحترافية والتفاني في العمل، حقيقة الوضع المعيشي للجزائريين أكثر من صعب لكن التضحية واجب من أجل النهوض بالاقتصاد الوطني الذي لم يستطع التخلص من عقدة المحروقات، التي تشكل أكثر من 97 بالمائة من عائدات الدولة بالعملة الصعبة. ولم تستطع المؤسسات العمومية الاستفادة من الأولوية التي منحها إياها قانون المالية التكميلي، حيث بدت ضعيفة جدا عن الاستجابة لشروط المناقصات ودفاتر الشروط وهو ما يجعل اللجوء للمتعامل الأجنبي أكثر من ضروري سواء للحصول على نوعيات خدمات جيدة أو التخفيض من آجال الإنجاز. وبالمقابل زادت حدة الفساد وتدهور علاقات العمل بالمؤسسات من تدهور الاقتصاد الوطني، حيث لا مشاريع للإبداع والاختراع والابتكار أمام زحف المعاملات المشينة ك''الشيتة'' والولاء والتملق ونشر النميمة والبلبلة في أوساط العمال، ما جعل المردودية تقل كثيرا، كما أن ملف الأجور الذي يعرف تململا كبيرا أحبط كثيرا من معنويات العمال.