خصت المراسيم التنفيذية العديدة قطاع الاستثمار المحلي ببومرداس بنصوص قانونية محفزة في محاولة لإقناع المستثمرين المحليين وحتى الأجانب الاستقرار بالولاية ومباشرة عملية الاستثمار في مجالات الصناعة، الفلاحة والقطاع السياحي، وهذا بفضل القدرات والإمكانيات الكبيرة التي تزخر بها المنطقة وموقعها الاستراتيجي القريب من العاصمة ومراكز الشحن التي تغني المستثمرين من عدة أعباء إضافية. لكن كل هذه الأماني والأهداف الإستراتيجية اصطدمت حسب الخبراء والدراسات الميدانية التي أنجزت في هذا الجانب بعراقيل كثيرة، لم تسمح للعديد من المشاريع الهامة أن ترى النور وأخرى ولدت ميتة بسبب المشاكل المفتعلة، وتأتي في مقدمتها العراقيل البيروقراطية وعدم مواكبة المنظومة البنكية التي لم تستطع التخلي عن معاملتها التقليدية في مجال تبني المشاريع وتمويلها، بالإضافة إلى ندرة الأوعية العقارية التي شكلت حجر عثرة حقيقية ليس فقط أمام أصحاب المشاريع الصناعية لإنجاز منطقة نشاطات، بل حتى قطاع السكن يعاني عجزا كبيرا نظرا لغياب الفضاءات التي تشكل نسبة كبيرة منها مستثمرات فلاحية أو أراضي تابعة للخواص، وقد ربطت الوكالة العقارية بالولاية أسباب ذلك بالإجراءات الوقائية المتخذة من طرف الدولة لحماية الأراضي الفلاحية وعدم وجود الفهارس العقارية البلدية ونفاذ مخزون الأراضي، وأعطت أمثلة كثيرة عن المشاريع التي تعطلت لهذه الأسباب، ومنها إنشاء منطقة صناعية ببلدية الثنية، حيث توقفت دراسة المشروع نظرا للتحفظات الصادرة عن مديرية الري للولاية، تعديل مخطط التهيئة لمنطقة النشاطات ببلدية بغلية الهادفة إلى التسوية القانونية للمستثمرين المتواجدين هناك، توقف أشغال تهيئة القطعة الأرضية المخصصة لتوسيع منطقة النشاطات بالناصرية بسبب الاستغلال غير الشرعي من طرف بعض الأشخاص، توقف العديد من المناطق الصناعية بالولاية إما بصفة جزئية أو كلية كالمنطقة الصناعية لبرج منايل ومنطقة الكيمياء بدلس التي انطلقت بداية التسعينيات بمجموعة من المصانع لم يبق منها إلا مصنعين حاليا. كما راهنت مديرية السياحة للولاية كثيرا على مشاريع الاستثمار السياحي خاصة الأجنبي منه والخليجي بالخصوص بمنطقة التوسع السياحي لزموري ومنطقة تاقدامت بدلس، حيث كان ينتظر أن يتم ضخ ملايين الدولارات لإنجاز مرافق ومركبات سياحية تسمح بخلق مناصب شغل وترقية القطاع إلا أن لا شيء تجسّد لحد الآن وبقيت مجرد مشاريع على الورق ولأسباب غامضة لا تستطيع فك طلاسمها حتى الجهات المعنية مباشرة بالملف، وهو ما يطرح عدة تساؤلات حول طبيعة الاستثمار المحلي وأهم العقبات التي تقف في طريقه. وأمام الصعوبات الكثيرة والمختلفة التي يصطدم بها أصحاب المشاريع الكبيرة التي تتطلب تسهيلات إدارية ومساحات أرضية للإنجاز اتخذ مجال الاستثمار بالولاية أشكالا أخرى من خلال التركيز على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي لا تكلف أموالا كبيرة وعقارات واسعة مع سهولة نسبية في الإنشاء بفضل وكالات دعم تشغيل الشباب ووكالة تسيير القرض المصغر ودعم الدولة والوساطة التي تقوم بها هذه الوكالات مع البنوك ومختلف المديريات والهيئات المحلية التي لها علاقة بالمؤسسة الاقتصادية، مع تفعيل عملية المراقبة والمتابعة وتقديم برامج خاصة في تقنيات الإعلام والاتصال وهو برنامج ثنائي الدعم بين الجزائر والمجموعة الأوروبية استفادت منه بعض المؤسسات المؤهلة كمصنع الأجور والقرميد ببودواو، المؤسسة الجزائرية لصناعة الحلويات سليكس ومؤسسة /تيغموبلاست آتاك/، وقد وصل عدد المؤسسات سنة 2009 حوالي 11523 مؤسسة بعد أن كان سنة 2008 / 10527 مؤسسة وهذا بنسبة تطور قدر ب 9,46 بالمائة. مشاريع نموذجية تحدت العراقيل.. حتى لا نحكم على الاستثمار المحلي بالفشل وعدم القدرة على تجسيد المشاريع المختلفة، لا بدا من ذكر بعض من هذه المبادرات الاستثمارية الناجحة التي استطاعت أن تفلت من مخالب المعوقات والعقبات المفتعلة، ومنها مصنع إنتاج العشب الاصطناعي من الجيلين الرابع والخامس الذي دشن مؤخرا بمنطقة الفواعيص ببومرداس، وهو من أكبر المشاريع الاستثمارية بالولاية حسب صاحبه السيد دريش حسان الذي كلف بالتعاون مع الشريك الهولاندي وهي شركة /غرينفيلد الدولية/ مبلغ 5 ملايين دولار بعد الحصول على رخصة الاستغلال من طرف الاتحادية الدولية لكرة القدم وفق المعايير المعمول بها عالميا. وقد كشف بالمناسبة السيد دريش، أن المصنع أنجز على مساحة إجمالية تقدر بسبعة آلاف متر مربع، حيث سيشغل في مرحلته الأولى 25 عاملا دائما و250 عاملا مؤقتا في انتظار توسيع طاقة الإنتاج المرتقبة حسب نفس المصدر بما يعادل 150 ملعبا في السنة نصفها تقريبا موجه لتغطية السوق الداخلية المقدرة ب 70 ملعبا في السنة والنصف الآخر موجه للتصدير إلى الدول العربية والإفريقية التي أبدت استعداداها للتعامل مع المصنع. أما عن الهدف من ولوج عالم الاستثمار المحلي بعد أن كانت الشركة تعتمد على الاستيراد كشف نفس المصدر أن الهدف الأساسي من ذلك هو تقليص فاتورة الاستيراد والاعتماد على التقنية المحلية بفضل الكفاءة الجزائرية، حيث تمّ تكوين العديد من الإطارات في الخارج عن طريق الشراكة وقد أصبحت تتحكم جيدا في التكنولوجية العالية المعتمدة في الميدان مع الرغبة أيضا يقول في اقتحام الأسواق العالمية لا سيما وأن المصنع هو الأول من نوعه في الدول العربية والثاني افريقيا بعد مصنع جنوب افريقيا. مع الإشارة في الأخير، أن من أهم العوامل التي ساعدت هذا المستثمر في تجسيد مشروع هام وكبير يتطلب مساحة أرضية واسعة، هو اعتماده على العقار الخاص أي الملكية الخاصة التي سهلت من عملية الانجاز وعدم السقوط في معضلة العقار الصناعي الذي تعاني منه الولاية، وكبحت العديد من المبادرات المماثلة التي كان بإمكنها إعطاء دفع قوي للاقتصاد المحلي وامتصاص اليد العاملة العاطلة التي تجاوزت حسب آخر الإحصائيات نسبة 30 بالمائة.