ذكر الإمام مالك في الموطأ عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه دخل على أبي بكرٍ الصديق رضي اللّه عنه وهو يجبذ لسانه أي يجره بشدة، فقال عمر: »مَه!! غفر اللّه لك« فقال أبو بكرٍ رضي اللّه عنه: »إن هذا أوردني الموارد«. قال رجل: رأيت ابن عباس آخذاً بثمرة لسانه وهو يقول: (ويحك، قل خيرا تغنم واسكت عن شرٍ تسلم. قال: فقال له الرجل: يا ابن عباس، مالي أراك آخذا بثمرة لسانك وتقول كذا وكذا؟.. قال ابن عباس: بلغني أن العبد يوم القيامة ليس هو على شيءٍ أحنق منه على لسانه، يعني لا يغضب على شيءٍ من جوارحه أشد من غضبه على لسانه« وقال عبد اللّه بن أبي زكريا: (عالجت الصمت عشرين سنة). وكان عبد اللّه بن وهب رحمه اللّه يقول: (نذرت أني كلما اغتبت إنسانا أن أصوم يوما فأجهدني يعني تعبت فكنت أغتاب وأصوم أغتاب وأصوم .. فنويت أني كلما اغتبت إنسانا أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة). وقال النووي في الأذكار: بلغنا أن قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا، فقال أحدهما لصاحبه: (كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال: هي أكثر من أن تحصى والذي أحصيته ثمانية آلاف عيب، فوجدت خصلة إن استعملتها سترت العيوب كلها.. قال: ما هي؟ قال: حفظ اللسان !!). وقال إبراهيم التيمي: (أخبرني من صحب الربيع بن خثيم عشرين عاما ما سمع منه كلمة تعاب). وقال بكر بن المنير سمعت أبا عبد اللّه البخاري يقول (أرجو أن ألقى اللّه ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا) تأمل معي أخي الكريم موقف السلف الصالح رضوان اللّه عليهم مع ألسنتهم ، وتأمل واقعنا .. ما أكثر الكلام الفاسد الذي يدور في مجالسنا أيا كانت كبارا أم صغارا رجالا أو نساءً بل وللأسف حتى في مجالس الصالحين ومجالس المعلمين والمتعلمين .. غثاء الألسنة في الكذب والغش والخداع والنفاق.. غثاء الألسنة في الغيبة والنميمة والقيل والقال.. غثاء الألسنة في أعراض الصالحين والدعاة والعلماء ..غثاء الألسنة في الهمز واللمز وسوء الظن..غثاء الألسنة في كل ما تحمله هذه الكلمة من غثائية، وما هي النتيجة؟ النتيجة: هي بث الوهن والفرقة والخصام والتنازع بين المسلمين وقطع الطريق على العاملين، وإخماد العزائم بالقيل والقال .. والعقاب الشديد والأثم الكبير.. رحم اللّه ابن القيم يوم أن قال في »الجواب الكافي«: (من العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والسرقة وشرب الخمر والنظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه !! حتى ترى الرجل يُشار إليه بالدين والزهد والعبادة وهو يتكلم بالكلمات من سخط اللّه لا يلقي لها بالا، يزل بالكلمة الواحدة أبعد مما بين المشرق والمغرب والعياذ باللّه). وقال أيضا في الكتاب نفسه: (إن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر اللّه تعالى وما اتصل به). وربك راصد مسجل لكلماتك ولا يضيع عند اللّه شيء. ولتزداد بيّنة من خطر هذا اللسان فاسمع لهذه الأحاديث : فعن بلال بن حارث المزني رضي اللّه عنه وأرضاه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: »إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان اللّه ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب اللّه بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط اللّه ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب اللّه له بها سخطه إلى يوم القيامة ). »أخرجه البخاري«. عن سفيان بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال: قلت يا رسول اللّه ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه وقال: هذا )والحديث أخرجه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده والترمذي في سننه). وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : »من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت«. والأحاديث كثيرة في هذا الباب، فكم نحن بحاجة لمن يردد هذه الأحاديث على مسامع الناس، ليتذكروها ويعوها وليفهموها جيدا حتى تتذكر النفس كلما أراد اللسان أن ينطلق بكلمة يحسب لها حسابها قبل أن يخرج لسانه بهذه الكلمات .. تذكر دائما إن من جلس مجلسا ثم أطلق للسانه العنان فهذه علامة أكيدة على إفلاسه في الدنيا والآخرة ، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: »أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس منا من لا درهم له ولا متاع .. فقال: »إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار« )الحديث أخرجه مسلم في صحيحه). وأحذر أن تظهر الشماتة بأخ أو أخت لك فيعافيه اللّه ويبتليك بما كان فيه فالبلاء موكل بالقول، قال صلى اللّه عليه وسلم »لا تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه اللّه ويبتليك« )أخرجه الترمذي). وأعلم أن من أطلق للسان العنان يعد من شرار الناس فيجتنبه الناس ويحذرونه اتقاء فحشه ثم اعلم أنك تجالس كثيرا من الناس من أحبابك وخلانك وأصدقائك ولا تخلو مجالس من غثاء قلّ أو كثر، فمن واجبك اتجاه هذه المجالس .. أن تذكرهم بهذه الآيات والأحاديث، فإن القلب يغفل والنفس تسلو فاسمع وسمّع واستفد وأفِد والدال على الخير كفاعله. عن البراء رضي اللّه عنه قال: جاء أعرابي لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: «دلني على عمل يدخلني الجنة، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أطعم الجائع واسقِ الظمآن وأمر بالمعروف وانهَ عن المنكر، فإن لم تطِق فكف لسانك إلا من خير” والحديث أخرجه أحمد وابن حبان وغيرهما. وعند مسلم قال: “تكف شرّك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك”.