التواجد الأجنبي في المنطقة: يعتبر التواجد الأجنبي-عبر التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة أو لإقامة قواعد عسكرية- سواء بعد التدخل الأطلسي في ليبيا، أو التدخل الفرنسي في الأزمة المالية، أحد أهم الأخطار التي تواجه أمن الجزائر والأمن الإقليمي على حد سواء ، حيث أن التدخل في المنطقة يزيد من صراع بين القوى الكبرى الفاعلة إقليميا ودوليا إما على الموارد أو على المواقع الإستراتيجية في عملية البحث عن النفوذ وزيادة القوة سعيا منها للسيادة العالمية، ويزيد من التطرف المنتج للإرهاب ولواحقه من جريمة منظمة، هجرة ولاجئين. إن حلف الناتو وجد سهولة في تكرار تجربتي أفغانستان والعراق، بفعل غياب جيش نظامي ليبي، وهو ما يتيح له نفوذا فيها، حيث وضح راسمسون الأمين العام للحلف أن أمريكا أعلنت عن سياسة بعيدة الأمد في إطار إعادة بناء ليبيا ، مما يساهم في إنعاش اقتصادها مرة أخرى، وهذا رغم أنه أكد على عدم الانتشار برا إلا أن هناك مؤشرات تدل على رغبته في الانتشار، وهي: تصريح وزير خارجية روسيا لافروف، اعتزام كل من فرنسا وبريطانيا استخدام مروحيات قتالية، يعد بداية لتحول مهمة الناتو في ليبيا إلى عملية برية. إشارة قائد القوات البحرية الفرنسية بيير فرانسوا فوريسيه، عن نية قوات التحالف الانتشار في ليبيا بمجرد انتهاء القتال، وذلك من أجل تقديم المساعدات الإنسانية... إشارة رئيس قيادة العمليات المشتركة في نابولي -التي تدير للحملات العسكرية في ليبيا- صاموئيل لوكير،إلى أنه ربما تكون هناك حاجة لقوة صغيرة بمجرد انهيار نظام القذافي للمساعدة على الانتقال إلى الديمقراطية، مع الإشارة إلى اتفاق وزراء دفاع الحلف خلال اجتماع بروكسل في 7يونيو 2011م، على ضرورة التخطيط لدور الحلف ما بعد القذافي. وهي ما يدل على رغبة غربية خاصة أمريكية في التواجد في المنطقة. تحدث مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية روبرت مولر إثر زيارته للجزائر في أفريل 2012م، أن FBI يعتزم فتح مكتب له في الجزائر بحجة التصدي للمخاطر الجديدة القادمة من منطقة المغرب العربي، على حسب قوله، مبررا ذلك بتزايد نشاط الإرهاب في المنطقة. والجزائر كما هو معلوم ترفض أي تدخل في شؤونها والانتقاص من سيادتها ورهن قراراتها، حيث رفضت المقترح الأمريكي بإنشاء قاعدة أفريكوم على الأراضي الجزائرية، مع ذلك يبقى التنسيق العسكري والأمني بين واشنطنوالجزائر مستمر نظرا لخبرة الجزائر الميدانية في مكافحة الإرهاب. إذن يمكن القول أن الجزائر تعاني من تحديات عديدة مرتبطة ببعضها البعض كنتيجة طبيعية للحدود الرخوة التي تجعل من مأمورية الضبط والسيطرة مأمورية صعبة، بدءا بالخلافات الحدودية، قضية اللاجئين، فوضى السلاح والإرهاب، الهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى الدولة الفاشلة والتواجد الأجنبي... إذا هي تهديدات تعكس مدى أهمية المشروع الوطني الساعي لبناء دولة قوية متحكمة في زمام الأمور قبل الشروع في دمقرطتها، لأن غياب المعطى الأمني يجعل الديمقراطية مطلبا مستحيل التحقيق. هي تحديات أمنية ورهانات سياسية ترهق الجزائر على المستويين المالي واللوجستيكي باعتبار أنها تهديدات تتطلب من القوات العسكرية والأمنية الاستعداد التام والمستمر، مع تطوير منظوماتهما الدفاعية بتفعيل دور أجهزة الاستعلام والأمن بالتنسيق مع الجهات السياسية لإنجاح الخطط الأمنية، خاصة وأن الجزائر في محيط يتميز باللا استقرار منذ فترة طويلة نتيجة أزمات متعددة والتي تزيد شدة وتعقيدا بتداخل انعكاساتها وترابطها. 3/ مظاهر تأثر الجزائر بالانفلات الأمني في ليبيا (زيادة ميزانية الدفاع الجزائرية وتأثير ذلك على باقي القطاعات خاصة بعد انخفاض أسعار البترول، أعباء أمنية جديدة على قوات جيش الوطني الشعبي المرابط على كل الحدود الجزائرية، في مجال مكافحة الإرهاب، اللاجئين والهجرة غير الشرعية، انتشار السلاح والجريمة). انطلاقا من مفهوم الأمن وتحديد ماهية التهديد، ومرورا بمختلف التهديدات الأمنية والرهانات السياسية التي تواجه الأمن القومي الجزائري بعد أزمة ليبيا في 2011، يمكن تحديد مظاهر تأثر الجزائر بافرازات الوضع الليبي غير المستقر منذ أكثر من سبع (07) سنوات، وذلك بالتركيز على قانون المالية للفترة الممتدة ما بين 2010- 2018 والذي يحدد ميزانية وزارة الدفاع، وهذا ما يدل ان التهديدات الأمنية والرهانات السياسية الناتجة عن الوضع الاقليمي للجزائر تعرف تزايدا وتعقيدا، مما يتطلب زيادة ميزانية الدفاع بما يحقق جودة العمليات الامنية ونوعية النتائج المحققة من قبل الجيش الوطني الجزائري، باعتبار أن التطور التكنولوجي في مجال الدفاع والأمن ضروري وحتمي في ظل تهديدات غير تقليدية وفي ظل حروب لا تماثلية تغيب فيها عناصر الحرب التقليدية من قتال بين جيشين نظامين، أسلحة وطرق قتال متعارف عليها، فالجماعات الارهابية تمثل تجسيدا لمفهوم الحروب اللاتماثلية، والميدان خاصة التجربة الجزائرية في مكافحة التطرف والإرهاب تثبت صعوبة ضبط عدد المقاتلين، نوعية الأسلحة، طرق القتال والمواجهة، لحد أصبحنا نتساءل من يقتل من؟ أثناء العشرية السوداء بالجزائر في فترة التسعينيات من القرن الماضي. ان انطلقنا من سنة 2010، السنة التي تسبق حدوث الأزمة الليبية، وملاحظة الميزانية المخصصة لوزارة الدفاع الجزائري من سنة 2010 لغاية 2018، مقارنة بالميزانية العامة لكل سنة ومقارنة أيضا بميزانية القطاعات الاخرى حتى القطاعات السيادية من رئاسة، صحة، تعليم وتشغيل سنجد أن ميزانية الدفاع تعرف ارتفاعا في كل سنة، وبحسب المعطيات الميدانية للوضع الامني لمحيط الجزائر وتأثيراته على أمن البلاد، نجد أن هذا الأمر عقلاني ويستجيب للظروف ويعكس حقيقة المعطيات الميدانية. إن المعطيات الميدانية تثبت تزايد التهديدات من حيث الشدة والتعقيد، الأمر الذي يجعل تصاعد ميزانية الدفاع أمر حتمي، غير أن تخصيص ميزانية كبيرة للدفاع خاصة في ظرف انخفاض أسعار البترول واضطرابات التي تشهدها السوق النفطية الدولية حيث كان سعر البرميل في 2013 قدر بحوالي 112-115 دولار للبرميل في حين سنة 2014 قدر ب 94 دولارا للخام الأمريكي الخفيف، 107 دولارا لخام برنت، حيث تأثرت الاسواق العالمية بالأوضاع الليبية المتدهورة في موانئ التصدير. وفي سنة 2018 يقدر بحوالي 62 دولارا للبرميل، وفي ما يلي منحنى بياني لأسعار النفط ما بين الفترة 8 فيفري 2018 لغاية 10 مارس، والملاحظة أن المنحنى يشهد انخفاض وارتفاع، وهذا ما يعني عدم استقرار الأسعار في السوق الدولية. انطلاقا من انخفاض أسعار البترول في السوق الدولية سنة بعد سنة في الفترة ما بين 2013-2018 وارتفاع ميزانية الدفاع سنة بعد سنة في الفترة الممتدة ما بين 2010-2018 نتيجة تصاعد التهديدات الاقليمية دخلت الجزائر في سياسة التقشف، باعتبار أن الجزائر دولة ريعية تعتمد على المداخيل النفطية في بناء ميزانيتها العامة، وبهذا فهي تتأثر بتغيرات السوق الدولية للنفط، وهذا ما انعكس على الاوضاع الداخلية ويؤجل مشاريع التنمية خاصة وأن دول الجوار دول لا تملك القدرة على بسط نفوذها على الحدود الرخوة التي تتميز بها المنطقة، وهذا ما يزيد الأعباء على الجيش الجزائري من الناحية العملياتية ويزيد الصعوبات الاقتصادية والمالية على الشعب الجزائري بعد تبني سياسة التقشف أو ترشيد النفقات العامة، وهذا ما قد يؤثر سلبا على الاستقرار الداخلي للجزائر، باعتبار أن الرفاه الاقتصادي هو أساس الاستقرار الاجتماعي. مما سبق يمكن اعتبار أن الفرضيات المقترحة تعبر عن الواقع في المنطقة: أن الأمن القومي لكل دولة مرتبط ارتباطا وثيقا بالأمن الاقليمي والدولي، فلا يمكن للجزائر ان تحقق أمنا كاملا لاقليمها واستقرارا تاما في ظل غياب الامن والاستقرار عن دول جوارها. احتكام العلاقات الدولية لمنطق المصلحة والغاية تبرر الوسيلة كرس مفهوم التنافسية السلبية المفضية للنزاعات الاقليمية والدولية، فالحالة الليبية هي انعكاس واضح لمنطق المصلحة والغاية تبرر الوسيلة، إذ أن لو تحقق مشروع القذافي المتعلق بإنشاء عملة افريقية بالذهب فإن مصالح القوى الغربية التي تعتمد على الدولار والأورو للسيطرة على التعاملات المالية الدولية تصبح مهددة. غياب التنسيق الأمني والتوافق السياسي الاقليمي بين دول المغرب العربي عزز من التدخلات الأجنبية وتهافت القوى الغربية على المنطقة، حيث يعتبر الوضع الامني والاقتصادي للمنطقة نتيجة لتدخل الناتو في ليبيا، وهو تدخل يثبت غياب الحل الاقليمي ويعكس غياب دول المنطقة ومنظماتها الاقليمية في حل النزاعات الداخلية أو البينية –بين دول المنطقة الحلقة 4 والأخيرة