خلال ثلاثة عقود فقط تحول الصين من دولة مصنفة ضمن ال 60 دولة الأخيرة عالميا إلى ثاني أكبر قوة اقتصادية بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومرشحة لأن تزيح هذه الأخيرة من الزعامة الدولية، إن استمرت على نفس النهج في اختراقها السريع لكل المواقع والمناطق ولاسيما في إفريقيا التي وجدت فيها ضالتها، لتفتح بها هذه الأخيرة ذراعيها دون تردد طالما أن أهدافها اقتصادية بحثة بعيدة عن أي تدخل في الشؤون الداخلية لدول القارة الافريقية. ولأن سياسة الصين الخارجية التي هي امتداد للسياسة الداخلية مبنية على إعطاء الأولوية للاقتصاد، فإن تعاملاتها التجارية والاقتصادية مع دول القارة الافريقية وغيرها ترتكز على المصالح النفعية ولا يتردد الصين في تعديل هذه السياسة النفعية مثلما تقتضيه المصالح المشتركة، كما كان عليه الحال قبل سنوات، عندما استجابت الصين لمطالب الدول الافريقية بفتح السوق الصينية الضخمة أمام المنتوجات الافريقية بعد الاختلالات المسجلة على مستوى الميزان التجاري البيني، من خلال التوقيع على العديد من الاتفاقيات مع 47 دولة افريقية لمنع الازدواج الضريبي من جهة والسماح ل 27 دولة إفريقية إدخال سلعا باعفاءات جمركية من جهة أخرى. الصين دخلت إفريقيا من بوابة الاقتصاد والدعم المباشر للعديد من الدول فيها من خلال المساعدات التي استفادت منها 47 دولة إفريقية بإجمالي 8 مليارات من الدولار، مما سهل لها عملية الاختراق الذي دعمته بإنشاء هيئات وهياكل على غرار منتدى التعاون الصيني الافريقي الذي دخل عامه العاشر هذه السنة، فضلا على إنشاء إدارات خاصة في وزارات صينية تعنى مباشرة بدعم التعاون مع كل الدول الافريقية. الأرقام والمؤشرات الاقتصادية الأخيرة حول حجم التعاون الاقتصادي والمبادلات التجارية بين إفريقيا والصين تعكس إلى حد كبير ليس فقط المكانة التفضيلية التي يحظى بها «التنين»، وإنما أيضا مدى القبول الصيني لدى الدول الافريقية المرشح لأن يعرف تواجدا أكبرا في المستقبل ليس بالبعيد، بعد التنمية السريعة والشاملة للتعاون الاقتصادي الذي مس مجالات التجارة والاستثمار والبني التحتية والمساعدات وغيرها.. مما رفع الحجم التجاري بين الصين وافريقيا إلى 100 مليار دولار في سنة 2010، أهل الصين بأن تكون أكبر شريك تجاري للقارة السمراء. الصين ورغم احتلالها المرتبة الثانية عالميا من حيث القوة الاقتصادية، إلا أنها لا تزال تصنف على أنها من بين دول العالم الثالث أو النامية، لكنها أكبر دولة نامية تسعى إلى احتلال المزيد من الأسواق في العالم، وتسير في هذا الاتجاه بخطى سريعة وثابتة أثارت اهتماما دوليا، ولكن تحفظات معلنة في كثير من الأحيان في شكل انتقادات وجهها الغرب للصين في تعاملها مع بعض الأنظمة الافريقية ولاسيما في السودان وزيمبابوي المتهمتان بانتهاك حقوق الانسان، الأمر الذي دفع بنائب الرئيس الصيني السيد شي جينيغ إلى الرد على مثل هذه الانتقادات بمطالبة الغرب عموما الاعتراف بالانعكاسات الايجابية للاستثمارات الصينية في افريقيا التي تجاوزت حسب أحدث الأرقام 27 ماليار دولار، وذلك خلال جولته الأخيرة في بعض العواصم الافريقية. النموذج الصيني في تعامله مع القارة الافريقية يتسم بكثير من البراغماتية، واعتماده على سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للأنظمة الافريقية، عكس الشروط الغربية المفروضة في أي تعامل مع الدول النامية، جعل الكفة تترجح للتنين الصيني الذي تعمد إخفاء مخالبه والتعامل بمرونة إلى أن يبلغ أهدافه الأخرى التي قد تتعدى سياستها الحالية المبنية على المصالح النفعية.