بعض الفضائيات انزلقت في متاهات الارتجال من خلال بث برامج مبتذلة مثل الكاميرا الخفية، وحصص من الشارع تحمل صورة غير سليمة عن المواطن الجزائري. من ترويج للعنف عند البعض الى تقديم الإنسان في صورة متهاون، سلبي وكسول مرورا بتقديم نماذج لفنانين ينشطون في فضاءات محددة لم يكن في الماضي ممكنا تقديمهم للمشاهد خاصة في رمضان. أكثر من هذا يصدم المشاهد بحصص تعود إلى الماضي باستعمال لغة مبتذلة مزيج بين الدارجة والفرنسية الرديئة، لا يمكن فهمها محليا فما بلاك عربيا. سؤال يطرح بحدة وموضوعية: ما هي الرسالة التي يريد من يروج للإعلام الهجين تمريرها؟ بالتأكيد أنها بشكل عام لا تحمل مضامين بناءة وتفتقر لمحتوى يؤسس للنهوض بالهوية، بقدر ما هي أعمال بسيطة سرعان ما تتبخر بمجرد انتهاء وقت البرنامج أو الحصة. حتى تلك التي تغنّت قبيل رمضان بأنها أعدّت مفاجآت للمشاهدين بكافة أذواقهم وميولاتهم لم تف بالوعود، كون الأمر ليس أكثر من مجرد مسلسلات سطحية تفتقر لقوة المضمون يغلب عليها التصنع وكثرة الصراخ. المثير للتساؤل تسجيل ارتفاع الحجم الزمني للعروض الإشهارية التي تقصف المشاهد بلا انقطاع، وبشكل مبالغ فيه ومكرر يبعث على الملل والامتعاض، خاصة تلك الومضات التي تروج لمواد تدخل في الطبخ والسيارات دون مراعاة الجوانب المتعلقة بالتنبيه للمخاطر التي تهدد الصحة وسلامة الانسان. قنوات أخرى تبث حصصا دينية لمشايخ وأسماء من كل حدب وصوب تطلق قراءات وتوجهات فيها تأثير على الأمن الديني في زمن عولمة تستعمل مخابرها الدين ورقة للتشويش على هوية الشعوب المستعصية، وبث أفكار تشوّش على المرجعية خاصة في أوساط الشباب، وهو ما ينبغي الانتباه إليه. عولمة الاعلام أمر واقع لكن اليقظة مسألة ضروروية ليس بالمنع أو الرقابة التقليدية، وإنما بالمتابعة والتنبيه بما يحمي الفضاء الاعلامي الوطني، الذي لا يمكن أن يترك عرضة لكل من هب ودب تمارس فيه الشعوذة الإعلامية حتى لا نقول شيئا آخر، كون فضائيات معينة لا يهمها سوى حصد المزيد من أموال الإشهار دون مراعاة المسؤولية التي تترتب على خطا هنا أو تقصير هناك. ربما يكون لسلطة الضبط، التي يوجد أمامها عمل كبير في العمق والاستشراف، رأي على الأقل برصد المشهد الفضائي بكل تفاصيله وبالدقة المطلوبة، وإبداء كل ما يقتضيه الموضوع وفقا لقواعد التقييم المهني تحسبا للمستقبل وتحدياته، التي تتجاوز بكثير لحظات ضحك مبالغ فيه أو محاولات للتميز بدون جدوى. إن ما ينتظر من القنوات الفضائية ارتقاء أكثر نحو الجودة بالإبداع والابتكار والتجديد ضمن إطار الانتماء والهوية لتكون في الموعد، مع مواجهة تنافسية قنوات أجنبية تجيد اللعب في الميدان باحترافية بحيث تمرر كثيرا من السموم بينما لا تكاد المحلية تتجاوز إطار الموائد والأسواق والشعوذة وأخواتها.