تشهد الأسواق الشعبية منذ اليوم الأول من شهر رمضان، حركة تجارية كبيرة، شكّل فيها الأطفال جزءاً هاما منها؛ فلا يكاد يخلو سوق من وجود أطفال يبيعون خبز "المطلوع" المحضَّر في المنزل، و"الديول"، و"القطايف"، والجبن التقليدي، وكل أنواع الحشائش التي عادة ما يكثر عليها الطلب خلال هذا الشهر. ودافعهم في ذلك تحصيل دخل إضافي؛ لدعم أسرهم في شهر تزيد فيه التكاليف. المتجول في الأسواق الشعبية بولاية البليدة، يقف على التواجد الكبير للأطفال فيها. والملاحَظ أنهم يتمتعون بخبرة في إدارة العمليات التجارية؛ حيث يختارون أماكن هامة في السوق التي تشهد حركة كبيرة من أجل تصريف سلعهم، خاصة أولئك الذين يبيعون خبز "المطلوع"، والذين يزداد عددهم في الفترات المسائية التي تشهد فيها الأسواق تدفقا كبيرا للمتسوقين؛ لاقتناء احتياجات المائدة الرمضانية. اقتربت "المساء" من بعض الأطفال لمعرفة مصدر السلع التي يبيعونها بالسوق الشعبي اليومي بالعفرون، فكانت البداية مع طفل لا تتجاوز سنه ثماني سنوات، كان يبيع المطلوع بسعر 30 دج، قال بأن والدته هي التي تقوم بتحضير الخبز، ليتولى هو عملية البيع، ويأتي رفقة أخيه الأكبر، إلى السوق، كل واحد منهما يجلس في مكان. وردا على سؤالنا إن كان يدرس، أكد الطفل أنه يدرس، وأنه يستغل وقت خروجه من المدرسة لبيع ما يتم تحضيره؛ حتى يساعد في نفقات المنزل. وغير بعيد عنه كان طفل آخر يبيع أوراق "الديول" لا تتجاوز سنه 12، قال في معرض حديثه، بأنه هو الآخر يدرس، وأن العمل في السوق لا يمنعه من مواصلة دراسته، وأنه يقوم بهذا النشاط في شهر رمضان فقط؛ حيث يقوم ببيع "الديول" الذي تحضّره عمته، معلقا: "إن مثل هذه الأنشطة خلال رمضان خاصة في النصف الأول من الشهر، مربح. وبقدر ما يزيد عدد الباعة تباع كل الكمية؛ لأن المحضَّر منزليا مطلوب أكثر من الصناعي". ونفس الانطباع لمسنا عند عدد كبير من الأطفال الذين كانوا يبيعون المطلوع المحضَّر والديول في منازلهم، بما في ذلك الجبن التقليدي، الذي، هو الآخر، يكثر عليه الطلب، وتشتهر به الولاية. الرقابة على الأسواق تحمي الأطفال والمستهلكين وحول تفشي ظاهرة عمالة الأطفال بالأسواق الشعبية تحدثت "المساء" إلى وحيد بن راجع عضو المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك ومحيطه، الذي أوضح أن مثل هذه الظواهر تكثر، عادة، عند ارتفاع الطلب على بعض المواد الاستهلاكية التي يزداد الطلب عليها مثل خبز "المطلوع "وأوراق "الديول"، فتعود بذلك إلى الواجهة، التجارة غير الشرعية التي تعتمد فيها بعض الأسر على أبنائها في تحصيل بعض المدخول، لافتا إلى أن المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك، تندد بمثل هذه السلوكات غير القانونية؛ لأنها تشكل تهديدا على صحة المستهلك. وقال: "لا نعرف كيف يتم تحضير ما يباع من منتجات؛ سواء مطلوع أو ديول أو جبن. ولا نعرف ما إذا كانت المواد المستعملة تستجيب لمعايير السلامة أم لا". أكثر من هذا يردف: "مثل هذه الأنشطة، أيضا، يعرّض الأطفال للخطر، خاصة أن بعضهم صغار في السن. ومع هذا يتم الدفع بهم إلى الأسواق؛ حيث يكونون عرضة لمختلف الأخطار". من جهة أخرى أشار المتحدث إلى أن المنظمة تهتم بحماية المستهلك، وتستنكر مثل هذه السلوكات التي تشكل تهديدا لسلامة الأطفال، وصحة المستهلكين، لافتا إلى أن بعض الأطفال يدفعون بأسرهم لتزويدهم بالسلع التي يبيعونها، ولكن يمكن أن يكون هناك أطراف أخرى تستغل هذه الفئة في النشاطات غير المشروعة. ودعا، بالمناسبة، الجهات المعنية إلى تشديد الرقابة على الأسواق والشوارع لمحاربة مثل هذه الأنشطة التي تهدد سلامة المستهلك، الذي يُعد في مثل هذه الحالات، غير محمي، لافتا إلى أن مديرية التجارة باعتبارها مسؤولة عن تسيير النشاط التجاري على مستوى الولاية، مدعوة لمحاربة مثل هذه الأنشطة التي تؤسس لفكر التجارة الموازية، وكذا مصالح الأمن عليها أن تتدخل؛ لمنع الأطفال من ممارسة مثل هذه الأنشطة التي تشكل خطرا عليهم. ومديرية النشاط الاجتماعي مطالَبة، حسبه، هي الأخرى، بالتدخل لرفع وعي الأسر بمخاطر الدفع بالأطفال إلى ممارسة أنشطة تجارية في سن مبكرة، بما في ذلك الجمعيات، التي يقع على عاتقها دعم الأسر، والتوعية بمخاطر الدفع بهذه الفئة إلى سوق العمل وما يترتب عنه من مخاطر صحية، قد تصيب المستهلك جراء بيع سلع لا تستجيب للمعايير الصحية.