كشفت الأمطار الغزيرة المتهاطلة طيلة الأيام القليلة الماضية، عن قصور مستمر في سياسة صيانة الطرقات، وعن ضياع الملايير من الأموال التي تخصص للصيانة والترميم التي باتت وكأنها قدر محتوم وأعباء مالية جديدة على ميزانية الدولة. مرة أخرى، لم ترحم زخات الأمطار، المسؤولين المباشرين عن صيانة وترميم الطرقات، حيث قدمت وبالدليل مدى محدودية أساليب العمل المنتهجة، من خلال تهري العديد من الطرقات، وبروز مجددا ثغرات وحفر عليها، أعادت إلى الأذهان المعاناة الطويلة للمواطنين طيلة السنوات الماضية، قبل أن تأخذ الجهات المعنية هذه المعضلة بجدية أكبر، أو هكذا كما بدا للجميع، من خلال إصلاح عميق لمعظم الطرقات على مستوى العاصمة بالدرجة الأولى، وأعيد ترميمها على نحو كان يعتقد أنها ستصمد أمام أي هطول محتمل للأمطار، مثلما حدث الأيام الماضية وبدون إنقطاع تقريبا. ومما زاد الطين بلّة، أن الطرق التي تم تزفيتها لعدّة مرات، تخضع بعدها لعمليات حفر متتالية، إما من طرف مصالح الكهرباء أو المياه مما ساهم في كل مرة في تدهورها باستمرار، خاصة وأنها تترك على حالها لمدة طويلة قبل أن تقرر مصالح صيانة الطرقات ترميمها بطريقة تفتقد إلى المعايير المعمول بها لتكشف الأمطار عند هطولها، أن هذه الطريقة المعتمدة في الصيانة، إنما تندرج ضمن سياسة الترقيع التي سئم منها المواطنون عموما وأصحاب السيارات على وجه الخصوص. هذا النمط من الصيانة لم يمسّ فقط الطرقات التي تقع في الأحياء الشعبية، كما يعتقد البعض، إنما شمل حتى تلك الواقعة في الأحياء الراقية والأمثلة عديدة على مستوى أعالي العاصمة. فبلدية شراقة على سبيل المثال وفي بعض أحيائها المحسوبة على المناطق الراقية، لم تسلم من التدهور المستمر في طرقاتها رغم أنها خضعت لترميم كان يعتقد أنه سيقاوم عبث الطبيعة والإنسان، على حدّ سواء، لكنها توجد اليوم في حالة كارثية، بعد أن دشنتها مصالح المياه من خلال الحفر وتركتها على حالها إلى أن أجهزت عليها الأمطار الأخيرة. في كل مرة يثبت القائمون على صيانة الطرقات أنهم غير قادرين على وضع سياسة ملائمة تصمد أمام العوامل المناخية من جهة، وعمليات الحفر المستمرة من جهة أخرى، والحالة هذه مستمرة، طالما أن هناك أموال ضخمة توفرها خزينة الدولة لهذا الغرض، والتي تذهب هباء منثورا أمام إستمرار سياسة الترقيع، التي يبدو أنها لا تزال صامدة رغم الإنتقادات العديدة الموجهة لها. الملايير تذهب سنويا أدراج الرياح، بسبب هذه السياسة التي تظل مبهمة، وهو ما يشكل نوعا آخر من أنواع هدرٍ للمال العام الذي شدّد مجلس الوزراء مؤخرا على ضرورة مواجهته ضمن إطار محاربة الفساد بجميع أشكاله.