الرفع من الأداء الوقائي على مستوى البنوك، الجمارك والقضاء بعد استكمال برامج البنية التحتية للنمو من منشآت وتجهيزات وأنظمة تمويل الاستثمار، يلقي خيار مكافحة الفساد بثقله في الساحة، من أجل تعزيز، تطهير المناخ وتأمين مسار النمو. يرشّح أن تكون هذه السنة منعرجا حاسما في انجاز أهداف مكافحة الفساد بكافة أشكاله، عن طريق تفعيل الآليات القانونية والرفع من أداء الأجهزة ذات الصلة، بالموازاة مع تكريس أخلقة الحياة العامة بالرفع من مكانة سلّم القيم في المجتمع. موارد مالية هائلة تضيع جراء هذه الظاهرة التي تتقاطع في أساليبها ونتائجها مع ظواهر الإرهاب والجريمة المنظّمة، بتمويله لغاية تبييض المال الفاسد، عن طريق ضخّه في دواليب السوق. بالرغم من الترسانة التشريعية التي تضبط المهام والصلاحيات وتدقق عمل الآليات القانونية، إلا أن الجريمة بأشكالها المختلفة، تبدو تتمادى مستفيدة من حرية الاستثمار والمبادرة، إلى أن أصبحت تشكّل فعلا خطرا يهدّد الأمن الوطني، في ظلّ اعتبار النمو من ضمانات السيادة الوطنية. إلى جانب جرائم الفساد التقليدية من سرقة ونهب وتبديد ورشوة، هناك جريمة برزت في السوق وتستدعي الرصد والمراقبة ومكافحة ممارسيها، ويتعلّق الأمر بتضخيم الفواتير، التي تكبّد ميزانية الدولة خسائر فادحة، مما يتطلب تنشيط أجهزة التتبّع لتحديد مواقع الخلل. لقد برزت في السوق فئة من المتعاملين المزيفين الذين يحسنون التلاعب بالإجراءات والالتفاف على قواعد اقتصاد السوق، مستفيدين من المجال الواسع للعمل في حقل الاستثمار والتجارة، فانساقوا وراء البحث عن الربح السهل بأي طريقة، دون ايلاء أهمية للتحديات التي تسعى المجموعة الوطنية لرفعها، بالعمل وفقا للمعايير السليمة للاقتصاد. ولا يزال عمل كبير ينتظر أجهزة مكافحة الفساد على مستوى استباق الجريمة والتصدي لمرتكبيها في الوقت المناسب، حتى لا تضيع الثروة ويتمّ استرجاعها لفائدة البلاد، خاصة بعد أن تمّ استحداث، إلى جانب قطب قضائي مالي، هيئة تتولى الإشراف على تسيير عائدات الفساد من محجوزات مختلفة عقارية ومنقولة والتصرف فيها ضمن آليات السوق. يصنف الفساد ضمن الجرائم التي تهدّد الأمن الوطني، وأصبح يستدعي إعداد كفاءات بشرية ومادية، خاصة التكنولوجية منها، لرصد المشهد الاقتصادي بالأخص المعاملات المالية مع الخارج، لتسليط الشفافية المطلوبة ووضع المتورطين تحت طائلة القانون. إن الأمر اليوم يتعلّق بمستقبل أجيال بكاملها لا مجال لتعريضها للمجهول، في ظلّ توجّه عالمي لعودة هيمنة القوى الاقتصادية الكبرى في العالم على مصادر الرزق والسيطرة على الثروات والأسواق، وبالتالي التموقع في صدارة الساحة لإحباط كل محاولة تندرج في إطار آفة الاقتصاد. وتتوفّر حقيقة وسائل عديدة تفي بالغرض، إذا ما تمّ الرفع من وتيرة الأداء الوقائي، خاصة على مستوى البنوك والجمارك والقضاء، الذي يحتاج إلى كفاءات تقنية لها ثقل واضح في انجاز حلقات البحث والتحري وتتبع مسار كل جريمة، إدراكا لأهمية امتلاك رؤية شفافة تسمح بتجسيد النصوص وترجمة الإرادة الصريحة لمكافحة الفساد على أرض الواقع. إن التحدي اليوم لا يقتصر على معالجة قضايا فساد قائمة بذاتها، وإنما امتلاك القدرة على اليقظة المبكرة لاستباق أي مشروع فساد بكل أشكاله وإحباط مساعي أصحابه محليا ودوليا، دونما التأثير على مسار النمو، الذي يلتزم متعاملون لديهم حدا من النزاهة على انجازه، باحترافية ومطابقة مع القانون. إلا أنه لا يمكن السيطرة على حقل التلاعب بتضخيم الفواتير والتهرّب الجمركي عن طريق التصريح الكاذب والغش في الجودة والسعر عند الاستيراد، دون أن تكون هناك آلية لرصد الأسواق الخارجية ومتابعة مؤشراتها، في وقت تسجل فيه أكثر من سلعة أو منتوج على مدار السنة تراجعا في الأسعار وتحسنا في الجودة، بينما لا تستفيد السوق الجزائرية من ذلك. في هذا الإطار، أصبح من الضروري اعتماد فرز للمتعاملين بمعايير اقتصادية شفافة لتطهير السوق من المتعاطين مع الفساد مهما كان حجمه، والتوجه إلى تشكيل قوة من مؤسسات ومستثمرين ورجال أعمال، لديهم قناعة «الوطنية الاقتصادية» بعزيمة صادقة وقوية لمواجهة التحديات الكبرى المتعلقة بالنمو، من خلال إنتاج الثروة وتثمين الموارد والانسجام مع التحولات التي تسطرها ورقة طريق النموذج الاقتصادي الجديد.