لقبت ب''المجاهدة الرضيعة''، لم يثنها صغر سنها عن الالتحاق بالثورة التحريرية المجيدة، تشبعت بالروح الوطنية، واستلهمت حماسها الثوري من فضاعة ما اقترفه المستعمر الفرنسي من دمار وشتات وإرهاب، لتتبع صوت ضميرها الذي نادها لترتدي حلة الثوار، وتتخضب بدماء طاهرة لترتوي بها أرض كانت تنادي بالحرية والاستقلال.. من منا لا يعرف ذلك الوجه التلفزيوني الذي أحبه الصغير قبل الكبير، هي ''ماما نجوى'' التي اشتهرت بخفة دمها وروحها المرحة وهي تحيط بأطفال الجزائر الذين كانوا يتسابقون إليها الواحد تلو الآخر للظفر بمكان إلى جانبها.. الكثيرون يعرفون ''ماما نجوى'' المنشطة، لكن لا يعرفون الجانب الخفي من حياتها، لا يعرفون ''ماما نحوى'' المجاهدة التي تركت حياة العز والرفاهية والدلال لتلتحق بصفوف جبهة التحرير الوطني ملبية نداء الوطن. ماما نجوى تفتح قلبها ل''الشعب'' لتحكي مسيرتها الثورية، وتوري فضاعة ما اقترفه المستدمر الفرنسي في حق إخوانها الجزائريين، فلم تجد بدا من مساعدته بما استطاعت إليه سبيلا لأجل أن تحيا الجزائر حرة. زارت مقر جريدة ''الشعب'' وهي تحمل بين يديها تاريخ الجزائر، تحمل حقيبة تعود إلى سنوات الثورة التحريرية تضم بين ثناياها علم الجزائر، قميصا ثوريا، إلى جانب منظار والرسائل التي كانت تحملها إلى الثوار الأحرار. ''ابنة حسين داي من عائلة ثورية'' ولدت ''ماما نجوى'' بحسين داي من عائلة ثورية أبا عن جد، حيث كان جدها عضوا بجمعية العلماء المسلمين، قاد مسيرة بسطيف أمام المسجد العتيق حيث اعتقل من طرف المستعمر الفرنسي وتوفي بسبب ما لاقاه من تعذيب . ترعرعت ماما نجوى بحسين داي درست بها، ودرّست كمعلمة في اللغتين الفرنسية والعربية.. تقول ماما نجوى إنها تشبعت بالحماس الثوري من خلال جدها الذي كان يروي لها تاريخ الجزائر منذ احتلال فرنسا لها في 1932، حيث شهد بلدنا تظاهرات ما بين 1840 و1850، ناهيك عن حوادث 08 ماي 1945، والتي بقيت منقوشة في ذاكرتي. بداية مشواري الدراسي تضيف ماما نجوى كان بالتحاقي بمدرسة حرة تابعة لجمعية العلماء المسلمين بحسين داي تسمى ب''مستقبل الشباب'' وكنت آنذاك أبلغ من العمر 05 سنوات، وأتذكر حينها أنه تم اقتياد جميع المدرسين إلى السجن بسبب تدريسهم باللغة العربية، من بينهم الشيخ بومدين، الشيخ معروف والشيخ علال ليتم نفيهم إلى الصحراء، أين كنت أعمل على جمع الأموال لشراء بعض الملابس لهم، كما أغلقوا مدرسة ''مستقبل الشباب'' لأتوجه بعدها للدراسة في القصبة عند أساتذة آخرين.. 11'' ديسمبر 1960 شرارة التحاق ماما نجوى بمعاقل الثوار '' قبل أن تلتحق ماما نجوى بالمجاهدين الثوار، كانت من المرافقات الدائمات ومنذ صغرها لجدتها التي كانت تحمل رسائلا وألبسة كانت تخيطها والدتها للثوار، في 11 ديسمبر 1960 كانت أول مشاركة لماما نجوى في المظاهرات أين كانت تبلغ آنذاك 18 سنة، وتقول إنها خلال هاته المظاهرات تعرضت للضرب من طرف عسكري فرنسي بسلاحه، كما نزع من بين يدي العلم، ومن خلال هذه المظاهرات بدأت اتصالاتي مع الفدائيين، حيث اشتد حماسي النضالي وأنا أرى بشاعة ما يحدث، وقمت بالتقاط صور عما اقترفته فرنسا بآلة فوتوغرافية أمتلكها، غير أن العساكر أخذوها مني حتى لا تكون لدي دليلا على جرائمهم. أكملت تربصي تضيف ماما نجوى واشتغلت في ثانوية الأمير عبد القادر ''بيجو'' سابقا، بقيت شهرا بها بسبب المضايقات حيث كانت ثانوية خاصة بالذكور، لأنتقل إلى ثانوية وريدة مداد للإناث ودرست باللغتين العربية والفرنسية، كما كانت هناك طالبات فرنسيات كن أهلهن يدعمن الثورة التحريرية وقد وجدت من خلالهن تسهيلات لإجراء اتصالاتي مع الفدائيين وإيصال رسائل للجهة التي يرغبون فيها.. ''ملامحي الغربية سهلت مهمتي الثورية'' كانت ماما نجوى تتصف بمواصفات المرأة الأجنبية، حيث كانت تحمل جمالا أخاذا، وصرحت ل''الشعب'' أن شكلها ساعدها كثيرا على تنفيذ مهامها على أكمل وجه، مؤكدة أن العساكر كانوا في أغلب الأحيان يتركونها تمر دو تفتيش، حتى أن المجاهدين يستعينون بها حين ينزلون إلى العاصمة. تضيف ماما نجوى التي تستشف في حديثها ذلك الحماس الثوري أنها أوصلت رسائل إلى مجاهدين كانوا يتواجدون بمختلف جبال الجزائر بداية بجبل بابور إلى جبل جرجرة وجبل عصفور، إضافة إلى الولاية الرابعة، ناحية الأخضرية والمدية. وأضافت ما بين 1961 و1962 حين اشتدت الحرب في العاصمة، أرسل مجاهدون رسالة إلى والدي يطالبونه فيها بانخراطي في صفوف جبهة التحرير الوطني، بسبب ما أصبحت تشكله الحرب من خطر على المثقفين.. لكنني لم أنخرط مباشرة حتى لا يكتشف أمري في سلك التعليم. وكان أول جبل التحقت به هو جبل الأخضرية سنة 1962 تاركة أهلي الذين لم يتلقوا عني أي خبر إلى غاية استقلال الجزائر، وقد كانت مهمتي آنذاك تتلخص بالدرجة الأولى في كتابة الرسائل على الآلة الراقنة باللغتين العربية والفرنسية كما انتهلت من المجاهدات اللواتي كن يلقبنني ب''المجاهدة الرضيعة'' عديد المهن كالتمريض، وتنظيف السلاح، وكنت أقوم إلى جانب ذلك بعمليات تحسيسية وسط سكان القرى والمداشر، حيث كان الفرنسيون يزرعون الأفكار السوداء في عقول سكانها، وبأن المجاهدين سيعتدون عليهم، مطالبين إياهم بمرافقتهم إلى فرنسا، ومن هنا عملت على نزع هذه الأفكار السوداوية وساهمت في تعليمهم، غير أن هناك من رافق الفرنسيين عنوة، وتقول ماما نجوى ل''الشعب'' إنها قامت بزيارة بعد 12 سنة من الاستقلال للمناطق التي يتواجد بها هؤلاء الجزائريين أين وجدتهم في حالة يرثى لها، ويفترشون بيوتا قصديرية . بعد 11 ديسمبر 1960 تكثفت نشاطاتي، وعملت على كتابة الأناشيد الجزائرية ''من جبالنا''، و''باسم الأحرار الخمسة''، حيث كنت أنقلها للمجاهدين وكنت أنشدها لهم ملحنة، وفي هذا الصدد أديت دور المنشطة الثورية، كما قمت بالتنشيط في المدارس الابتدائية، ويشهد لي الجميع أنني كنت من ألمع التلميذات سواء في المدرسة الحرة ''مستقبل الشباب''، أو في المدرسة الفرنسية ونشطت في المواسم الدينية ''المولد النبوي الشريف ورمضان''، أين كنا نقوم بحفلات وكان العساكر يراقبون ما إذا كنا نتحدث عن الثورة التحريرية أو نقدم أناشيد وطنية، ورغم ذلك قدمنا أنشودة ''إلى الأمام يا شباب.'' تواصل ماما نجوى حديثها عن مغامراتها مع العساكر الفرنسيين، مشيرة إلى الدعم الذي كانت تتلقاه من قبل طالبات فرنسيات وأهاليهن، فبمجرد سماعهن لمحاولة قتل مجاهد أو شخص ما يخبرنها، كما كن يقمن بحمايتها، وتروي لنا حادثة وقعت لها بحسين داي، حيث تعرضت لمحاولة الاغتيال من قبل الأقدام السوداء، ومن خلال هذه الحادثة أرسل مجاهدون رسالة إلى والدها لمرافقتهم إلى الجبل بعد اكتشاف أمرها من قبل الفرنسيين، بسبب حصة كانت تذاع بفرنسا حول المجاهدين أين تم التقاط لها صورة مكبرة إلى جانب المجاهدين فاكتشفوا أمرها، ومن هنا بدأت رحلة البحث عنها، وتوجهوا إلى بيتها وأخذوا منها بعض الوثائق الهامة، كما تتبعها في يوم من الأيام 4 عساكر بشارع الشهداء أين نفذت منهم بشق الأنفس، والتحقت بالنضال رفقة ممرضة من بلكور، وفي طريقها تقول وجدت حاجزا عسكريا، فتملكني الخوف بسبب الراية الوطنية التي كنت أحملها، لكن عند تفتيش حقيبتي وجدوا بداخلها ملابس وأشياء أنيقة، فلم يتوقعوا أن أكون بصدد الالتحاق بالجبل فتركونا نمر، حيث قضينا يوما واحدا عند عائلة بالأخضرية، لنواصل طريقنا في اليوم الموالي، ولم ألتق خلالها بأهلي إلى غاية 13 جويلية 1962. وإلى جانب هذه النشاطات تؤكد محدثتنا أنها كانت تساهم في فضح همجية المستعمر الفرنسي، حيث اشتغلت مراسلة لإذاعة ال''بي بي سي'' من خلال ركن ''بلادي الجميلة''، وأرسلت لهم صورا عن الأماكن التي تعرضت للتخريب والدمار، إلى جانب حطام المروحيات والطائرات، وقد كانت لندن تضيف من المدعمات للثورة الجزائرية، إذ كنت أتلقى بذلك إعانات مالية خصصتها لشراء القماش لإخاطة الرايات الوطنية. ''بطلة حسين داي تُستقبل بالزغاريد'' ''ذكرى عيد الاستقلال ستبقى راسخة في ذهني'' هذا ما أكدته ماما نجوى التي استقبلت في حسين داي بالهتافات والزغاريد واللافتات، وواصلت بعد الاستقلال مهمة التعليم في الأغواط مسقط رأس عائلة زوجها، لتعود إلى العاصمة بعد سنتين وتواصل التعليم باللغتين العربية والفرنسية، وكذلك الترجمة، بأماكن مختلفة بالعاصمة من بينها ببن عكنون، حسين داي والحراش. التقت في إحدى الحفلات ما بين 1967 و1968 بعبد الحميد بن هدوقة الذي مهد لها الطريق للالتحاق بالإذاعة الوطنية، لتلتحق في 1974 بالتلفزة الوطنية لتتخلى عن التعليم بسبب كثافة النشاطات، لتطير إلى ألمانيا في تربص وتعود بعدها لتقدم حصة نموذجية بالتلفزيون الجزائري. تقول ماما نجوى أنها ما تزال إلى يومنا هذا تزور المناطق التي قضت فيها سنوات صباها كجبل بابور، وجبل بريان، إضافة إلى مقبرة الشهداء والمسجد العتيق لتسترجع ذكرياتها. وتأسفت عن الحالة التي آلت إليها الجزائر في الوقت الراهن، متمنية أن تأخذ مطالب الشباب بعين الاعتبار، كونهم أعمدة المستقبل، وأضافت ماما نجوى أن حقوقها مهضومة لكنها ستناضل وستبقى صامدة ودائما في خدمة الطفولة أحب من أحب وكره من كره