إستطاع الفن أن يٌبقي جاليتنا بالمهجر على اتصال دائم مع الوطن الذي يحنون إليه وإلى تراثه الغني وهم يعيشون في بلاد لها أنماطا ثقافية مختلفة. وعن دور الفنان الجزائري المغترب في دعم هذا التواصل كان لنا لقاء مع المغني صالح غاوا على هامش مشاركته في العرض الفني المقدم بالمركز الثقافي الفرنسي بالجزائر العاصمة سهرة الخميس الفارط وفيه يتحدث لنا عن العرض وحياة الفنان المغترب وأمور أخرى تكتشفونها في هذا الحوار. ̄ انتم معروفون في فرنسا وشاركتم في أعمال كثيرة داخل وخارج الوطن مع ذلك نود التعرف أكثر عنكم؟ ̄ ̄ أنا فنان من مواليد منطقة القبائل وبالضبط بتيزي وزو التحقت بمدينة ''ليون'' وعمري لا يتجاوز 18 سنة أعيش فيها منذ 23 سنة درست الموسيقى هناك وحاولت الاستفادة من تجارب فنانيها وبحكم أصولي الجزائرية القبائلية وتأثري بالأغنية التراثية القبائلية والشعبية سعيت للتعمق في دراستها والنبش في أغاني عمالقة هذا النوع الغنائي ومع مرور الأيام جاءتني فرص لإحياء حفلات هناك للجالية الجزائريةبفرنسا بصفة خاصة والعربية والمغاربية بصفة عامة والتي استقطبت جمهورا عريضا أكدت تعلق الجزائريين الشديد بالوطن وتراثه ما جعلني أفكر في تقديم المزيد ولما لا إيجاد موقع لتراثنا في الوسط الفني الفرنسي عن طريق اختيار أغاني تراثية جزائرية لعمالقة الفن الشعبي، الحوزي والقبائلي وتأديتها مع موسيقيين وفنانين فرنسيين ليس بالضرورة أن يكون لهم اطلاع على هذا التراث كما كان لنا تعاون مع آخرين من جنسيات أخرى أي بمعنى حاولت التحرر حتى يصل بسهولة لأذن المتلقي بغض النظر عن انتماءاته. ̄ وهل نجحتم في هذه المهمة خاصة وأننا نعلم بأن ليون مدينة متشبعة بالثقافة الأوروبية؟ ̄ ̄ يمكن القول أنه في بادئ الأمر كانت فيه صعوبة لكن بالمثابرة والاجتهاد والاحتكاك بالفنانين سمح لي بتكوين صداقات ولقاءات مع ممثلي الوسط الفني بهذه المدينة وحاولت بكل الطرق إعطاءهم نظرة وفكرة عن تراثنا وترغيبهم ثم تعويدهم على أداء الألحان والأغنيات المعروفة من الشعبي إلى النوع القبائلي وبلغتها سواء بالقبائلية أو العربية الذين اعترفوا بجماليتها والحمد لله وفقت إلى درجة معينة في ذلك والدليل على ذلك العرض الذي قدمناه بعنوان ''ضع حقيبتك'' أين نجد موسيقيين ومغنيين فرنسيين يأدون أغاني الحسناوي وسليمان عازم وحنفي وغيرهم كثير وهذا شيء رائع ولعلمكم فهؤلاء الفرنسيون لم تكن له ولا فكرة عن تراثنا ولما عرضتم عليهم أداء هذه الأغاني رفضوا في بادئ الأمر وقالوا أن الأمر صعب خاصة عائق اللغة لكن بالعمل وترغيبهم في التعود على الكلمات العربية والامازيغية أصبحوا يتقنون ذلك بسهولة خاصة مع وجود الرغبة في ذلك من طرفهم واستطاعوا تأدية العديد من أغاني تراثنا بلغتها ولحنها بشكل جيد وهذا شيء رائع وأود قول شيء مهم.. ̄ تفضل... ̄ ̄ الموسيقى هي لغة الإنسانية والجزائريون والفرنسيون هم أناس ينتمون إلى هذا العالم الفسيح كما أنها لغة عالمية فكل شعب له طبوعه الغنائية والتراثية ومرجعية موسيقية تختلف عن ما هو موجود عند البعض لكن بالمحاولة والاجتهاد في معرفة الأخر يمكننا إثراء معارفنا بالثقافات الأخرى لنتحاور ونتبادل لكن هذا لا يعني الخروج عن الأصل لان الالتزام لدى الفنان والاعتناء بتراثه هو السبيل للنجاح. ̄ في الآونة الأخيرة لاحظنا ظهور موجة جديدة من المغنيين مزدوجي الجنسية سبقها تراجع في شعبية العديد ممن ينتمون إلى الجيل السابق الذي ينتمي إليه بعضا ممن بدءوا مشوارهم من الجزائر ومن نتائجها الحرب الكلامية التي اشتعلت بين البعض خصوصا عبر الصحف، الا ترون أن سبب هذا التراجع هو انعكاس للسياسة التي انتهجت منذ وصول ساركوزي للسلطة؟ ̄ ̄ هناك من ينظر إلى هذا الأمر من هذه الزاوية لكن أنا أراه من منظور أخر وهو الجانب التجاري، المنتجون في فرنسا لا يضعون أموالهم تحت تصرف أي فنان فهم يختارون الفنان الذي يمكّنهم من قبض أموال وأرباح كبيرة ولما يضعون أموالهم تحت تصرف فنان معين فإنهم يعرفون انه سيفيدهم ماليا بالنسبة لهم لا يهم بأي لغة يغني أو أي تراث يؤدي المهم ربح المال وملأ القاعات وبيع الاسطوانات والمثال حي على بعض الفنانين الجزائريين المعروفون عالميا الذين فقدوا الكثير من المنتجين استغلوهم لربح المال ثم تخلوا عنهم في فترة معينة. وهنا أود التذكير باني لست من هؤلاء ولا أريد أن أكون منهم أنا أقوم بالغناء مع الأشخاص الذين أتقاسم معهم الفن التراثي الجميل فمثلا لم أنتج ولا اسطوانة ولم ارغب في ذلك لأني أحب الغناء والموسيقى وتقديم أعمالي في حفلات وسهرات في الجزائر أو في فرنسا. ̄ هذا الجواب يجرنا إلى الحديث عن الاندماج الذي هو حديث الساعة في فرنسا، كفنان كيف تقيمون السياسات المنتجهة في هذا الشأن؟ ̄ ̄ سؤال نوع ما سياسي رغم أني لا احبد الحديث في السياسة لكن أقدم لكم رأيي بحكم أني عشت مدة طويلة في فرنسا وكنت قريبا من الفرنسيين والجالية الجزائرية هناك وغيرها من الجاليات أظن أن كل السياسات التي انتهجت فشلت فشلا ذريعا لأنها أغفلت الكثير من الجوانب وأنا أرى أن قوة الدولة وتطورها وتحضرها يكون بتنوع الثقافات والأجناس وليس بالتفرقة بين هذا وذاك وجرهم إلى ثقافة معينة وفرضها عليهم أو إلزامهم سلوكات معينة فالأمر يحتاج إلى مراجعة وبالمناسبة مثل هذه اللقاءات الفنية والموسيقية تساعد على الحوار وتقبل الأخر بغض النظر عن أصوله وثقافته وهذا ما يجب أن يكون. لذلك يصبح الاندماج الذي تدعو إليه بعض الأطراف بفرنسا لا معنى له لأنه لم يراعي خصوصيات الأفراد والسكان المختلفة أصولهم ومراجعة هذه السياسات أمر مهم للغاية. ̄ كيف ترى موقع الأغنية الجزائرية على الساحة العالمية؟ ̄ ̄ صراحة وبدون مجاملة الأغنية الجزائرية وصلت إلى العالمية وأنا افتخر لما أجد فرنسيين أو أجانب يؤدون ويحفظون أغاني الشيخ الحسناوي أو سليمان عازم أو غيرهم من جيل الستينات الجيل الأول الذي قدم الأغنية الجزائرية للأجانب وغنوا في اكبر المسارح العالمية ثم جاء جيل الثمانينات مثل رشيد طه الذي أوصل أغنية ''يالرايح'' للعالمية وأصبحت تؤدى في كل دول العالم والآن سعاد ماسي التي تمثل الأغنية الجزائرية أحسن تمثيل في الخارج وهناك الكثير لا يسعني ذكرهم حتى أصبحت الأغنية والموسيقى الجزائرية الأصيلة جزء من التراث العالمي لها سمعة عالمية والشيء الذي يدعو للافتخار أكثر كون جل هذه الأغاني من تراثنا . ̄ هل من كلمة أخيرة؟ ̄ ̄ ادعوا الجميع إلى المحافظة على التراث الفني الجزائري الأصيل وشكرا لكم.