هذا الكتاب هو نتاج عمل ومتابعة لمدة خمس سنوات عاشها نضال حمادة في قلب العاصمة الفرنسية باريس ليوثّق فيها حقائق ومشاهدات كان خلالها الحدث اللبناني في قلب فرنسا، والشاغل الأساسي لنخبها من كل الأطياف بعد اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري ومخطط صناعة شهود الزور، وكيف تحوّلت باريس إلى ركن أساسي في الهجمة على سوريا والمقاومة اللبنانية. ويأتي الكتاب في خمسة ملفات بدءًا من الملف الإسرائيلي، مرورا بالملفات اللبنانية والسورية والفرنسية، وانتهاءً بالملف السعودي. الملف الإسرائيلي في الملف الإسرائيلي، يشير الكاتب إلى أن الموساد يتمتع بنفوذ قوي في عدة عواصم غربية منها باريس ولندن وبرلين وأمستردام، وكانت سنوات شيراك الأخيرة نقطة ارتكاز أساسية لدخول الموساد مباشرة على خط المقيمين في فرنسا من اللبنانيين المعارضين لسوريا والمنادين بخصومة حزب اللّه ونزع سلاحه، ومن هنا كانت تدار عملية شهود الزور والتلفيقات والحملات الإعلامية. ولقد أتت عملية اغتيال المبحوح في دبي على أيدي رجال الموساد واستخدامهم جوازات سفر أوروبية في تنفيذ العملية لتشكل إحراجا كبيرا للدول الأوروبية. كما شرح حمادة في كتابه عمل الموساد على اللبنانيين مفصلا عمله ونفوذه في فرنسا وأوروبا. وعن السبب وراء عدم استعمال الموساد في عملياته جوازات سفر أمريكية يقول الكاتب: إن هذه السياسة ناتجة عن رفض أمريكي قاطع لاستعمال أي مستند له علاقة بأمريكا في عمل الموساد. وتحت عنوان (فنجان قهوة وسيجارة عند نزار نيوف) يروي في هذا الجزء قصة نزار نيوف مع لجنة التحقيق الدولية، ورؤيته لفارس خشان بعد خروجه من جلسة التحقيق. وكيف تمّ الاتصال به من قبل أشخاص لبنانيين للشهادة بقضية اغتيال الحريري، مشيرا إلى أنه لم يحظ سجين سياسي في سوريا باهتمام عالمي كالاهتمام الذي حظي به نزار نيوف طيلة فترة سجنه التي امتدت تسع سنوات. الملف اللبناني تحت عنوان (شيراك والحريري.. حلف معمد بالمال) تحدث الكاتب عن علاقة شيراك والحريري، وعن الأشياء الخفية التي حصلت بعيد التمديد للرئيس لحود، والتي جعلت شيراك عاجزا عن حماية الحريري من غضب ديك تشيني، موردا التفاصيل عن الاجتماع الذي كان يفترض أن يمتد لمدة (45) دقيقة، ويعقبه مؤتمر صحفي مشترك، غير أن الأمور تغيرت بشكل سلبي، حيث امتد الاجتماع بينهم أكثر من ساعة خرج بعدها الحريري وحده متجهم الوجه دون شيراك. ويضيف الكاتب: إن شخصية شيراك ذات طابع شعبوي وفلاحي. كما أكد مصدر نيابي فرنسي، وهو من النوع الذي يدخل في الحديث عن إسقاط النظام العلوي، ويتحرش بتفاصيل الطوائف والملل في العالم بسبب شخصيته هذه، وهو عنده وفاء لصداقاته، وهذه الميزة التي يتميز بها هي التي دفعته للحديث بهذه الطريقة، وللدخول في صراع كسر العظم مع الرئيس السوري بشار الأسد؛ خدمة لصديقه الثري رفيق الحريري، على الرغم من تضرر المصالح الفرنسية، لكنه كان يحبذ العلاقات الشخصية، ويفضلها أحيانا على علاقات فرنسا الدولية، كما يؤكد المصدر النيابي الفرنسي. وتروي مجلة (أنتيليجنس ريفيو) في عددها الصادر بتاريخ 2 / 3 / 2005 م: أن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري تم التخطيط له بعناية فائقة بحيث يطلق العنان لسلسلة تفاعلية من الأحداث في المنطقة تمهد الطريق أمام عقيدة راسخة خاصة بعصبة المحافظين الجدد التي تدير البيت الأبيض في ذلك الوقت. وقد توقف الكاتب عند صياغة القرار الدولي مع بعض التواريخ والتفاصيل الدقيقة والأسباب الفرنسية والأمريكية التي كان من أهمها: 1 الضغط على سوريا من البوابة اللبنانية من أجل إجبارها على التعاون في العراق الذي تصاعدت فيه أعمال المقاومة. 2 اعتراف سوريا بالأمر الواقع الأمريكي في العراق. 3 نزع سلاح حزب اللّه وإعادة تركيبه حزبا سياسيا دون أظفار. 4 امتلاك قرار دولي ضد سوريا يشكل ورقة ضغط عليها. 5 غضب فرنسي من سوريا بسبب عقود الغاز والنفط في الصحراء السورية. 6 رغبة شيراك في سيطرة صديقه رفيق الحريري على مجمل مفاصل الدولة اللبنانية. 7 كسب رضا اليهود في العالم، والضغط على إيران في الملف النووي، فضلا عن مصلحة الدولتين في إصدار القرار 1559 مع النص الحرفي له. أما الأسباب التي دفعت سوريا إلى الإصرار على التمديد للرئيس إميل لحود، فهي: شعور سوريا بالخطر على الدولة والنظام بسبب الاحتلال الأمريكي للعراق، والقلق من هشاشة الجبهة اللبنانية التي تعتبرها سوريا خاصرتها الرخوة، والحفاظ على قوة حزب اللّه وقوة الردع التي يمتلكها، وكذلك الحفاظ السوري على ورقة الفصائل الفلسطينية المقاومة، واعتبار سوريا أن التمديد للرئيس إميل لحود يمكن أن يسهل عملية انسحاب جزئي من لبنان. وفي فصل تحت عنوان (ملك من دون مملكة) يؤكد الكاتب أن اغتيال الرئيس الحريري صب في مجمله في خدمة الدول التي صاغت القرار 1559، ويشير المدير السابق لجهاز مكافحة التجسس في فرنسا (إيف بونيه) إلى أنه إذا أردت أن تعرف مرتكبا لأي جريمة فانظر في البداية من المستفيد منها.. ولا شك في أن اغتيال الحريري قد صبّ في مجمله في مصلحة إسرائيل وأمريكا. الملف السوري في الملف السوري يورد الكاتب في جزء تحت عنوان (في دمشق غداة سقوط بغداد) تفاصيل الصمود السوري أمام هجمة الضغوط الأمريكية في عز نشوتها بعد دخول بغداد. وتحت عنوان (زمن المحقق ميليس)، يتحدث الكاتب عن فترة تسلُّم ميليس للتحقيق، والألاعيب التي استخدمها فيه، موردا فضائح القاضي وحالة الفساد التي عاشها على موائد سياسيين لبنانيين، وقد وصلت إلى كل مكان، ويقول ضابط سابق في قوات اليونيفيل: إن ميليس كان يستمع لما يقوله جوني عبدو ومروان حمادة. وفي جزء بعنوان (بين الأسد وميليس) يبيّن الكاتب كيف نجحت سوريا والمقاومة اللبنانية في إفشال مخطط ميليس وكشف الأشخاص الذين كانوا يعملون على صناعة شهود الزور، حيث تمّ إنشاء لجنة قضائية سورية مهمتها التنسيق مع المحكمة الدولية وتحضير الملفات القانونية والدفوع القضائية التي قد تحتاج إليها سوريا في مواجهة لجنة التحقيق الدولية، ومن ناحية أخرى قام السوريون بالاتصال بحقوقيين لهم شأنهم في لبنان وألمانيا وفرنسا ومصر؛ بهدف التعاون قانونيا في هذا الموضوع. وقامت السلطات السورية بتسليم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي نسخة من قرص (دي في دي) مدمج يظهر فيه المحقق الدولي (ديتليف ميليس) وبعض مساعديه بأوضاع محرجة في أماكن مختلفة من لبنان، فضلا عن احتواء القرص على صور ووثائق تتعلق بتحويلات ورشاوى تلقاها ميليس وأقرب مساعديه من جهات نافذة. ولقد هرب أحد شهود الزور إلى سوريا وهو هسام هسام الشاهد المقنع الذي واجه اللواء جميل السيد أمام المحققين الدوليين. فند هسام طاهر هسام الذي اعتمد القاضي الألماني ميليس على شهادته، وقال: إنها انتزعت منه تحت التهديد والترغيب في صياغة تقريره الذي قدمه إلى مجلس الأمن الدولي، والذي تضمن اتهامات ظالمة ولا أساس لها لضباط سوريين. ملف فرنسا في الملف الذي خصص لفرنسا، يتحدث الكاتب عن تفاصيل مثيرة حول العمل العربي عن المعارضة ضد سوريا. فتحت عنوان (أهلا بكم في باريس) يقول الكاتب: تحولت باريس إلى قاعدة عمليات لفريق الرابع عشر من آذار وكل الداعمين الإقليميين والدوليين له، وكانت التظاهرات والندوات والتجمعات التي يقيمها فريق الموالاة في لبنان أكثر من عدد أيام السنة. وجُيِّرت لهم وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة كافة. كما شرّعت في وجوههم المؤسسات الرسمية والحكومية، وكانت قاعات مجلس النواب والشيوخ والسوربون لا تتوقف عن استقبال الندوات لهذا الفريق الذي شعر بعض أعضائه في باريس كما في بيروت أنهم مركز العالم. ويلمح إلى (تركيز فريق فبركة شهود الزور المقيمين في فرنسا على محوري رواية الصديق ومقابلة خدام عبر شاشة العربية). ومن جانبه، أكد المدير السابق لجهاز مكافحة التجسس في فرنسا (إيف بونيه) في حوار معه، أن الغرب أوجد قوى الرابع عشر من آذار لمواجهة سوريا وحزب اللّه، وأن عملية اغتيال الحريري نفذتها الولاياتالمتحدة وإسرائيل بالتواطؤ مع محيطين بالحريري ومقربين منه. ومرت بعدها العلاقات الفرنسية السورية بحالة من القطيعة الكاملة منذ اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، وقد اتخذت هذه القطيعة طابع التحدي الشخصي في السنوات الأخيرة من عهد الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك الذي ارتبط بعلاقة وطيدة مع الحريري، تداخلت فيها المصالح الشخصية مع المصالح العامة، ولا يخفى على أحد أن الحريري كان من الملتزمين بتمويل جميع الحملات الانتخابية لجاك شيراك منذ أن كان الأخير في منصب عمدة باريس. وتحت عنوان “تزوير إعلامي من لوفيغارو إلى دير شبيغل” يروي الكاتب كيف تمّ تسريب المعلومات للجريدتين لضمان تأمين التغطية الكاملة لتحركات قوى الرابع عشر من آذار، حيث أشار إلى أن الصحفي جورج مالبرونو كاتب تقرير اللوفيغارو كان مصدر معلوماته من الجنرال المتقاعد جوني عبدو. الملف السعودي في الملف الخامس والأخير (الملف السعودي) يتحدث الكاتب عن الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز سفير المملكة العربية السعودية في واشنطن وارتباطاته المحلية والإقليمية والدولية، وعلاقته بصفقة اليمامة، ولماذا جمدت أمواله في بريطانيا..؟ وكيف استطاع أن يحصل على رضا الرئيس الأمريكي جورج بوش حتى بات أهل البيت ينادونه ببندر بوش..؟ وفي نهاية الكتاب تورد مجموعة من الوثائق تتعلق بقضية اغتيال الحريري وشهود الزور فيها.