أفران الجير بهيليوبوليس، جسر سيبوس ومواقع أخرى محرقة الإعدامات الجماعية للجزائريّين العزل ناجون من شاحنات الموت: جريمة فرنسا الاستعمارية لن تسقط بالتّقادم هيليوبوليس، بلخير، بومهرة أحمد، مناطق محيطة بمدينة قالمة، كانت مسرحا لإبادة جماعية اقترفها المستعمر الفرنسي في حق سكان المنطقة يوم 8 ماي 1945. آثار الجريمة لا زالت قائمة مرسّخة في الأذهان تتذكّر بألم وآهات. “الشعب” تقف على حجم المأساة التي حلّت بأصحاب الأرض من ممارسة التقتيل في أبشع أشكاله، واستمر حسب شهود من عايشوا الإبادة لأكثر من الشهر. التفاصيل في هذا الاستطلاع من عين المكان. جرائم المستعمر والميليشيات الأوروبية حسب الوقائع التي عاشتها المناطق المحيطة بمدينة قالمة كثيرة ومأساوية، سقط فيها عدد كبير من الشهداء، لكن ما تحتفظ به بلدية هيليوبوليس التي تبعد 5 كلم عن قالمة في الطريق المؤدي إلى عنابة، يتجاوز كل وصف، كيف لا وهي التي كان يوجد بها محرقة بشرية حقيقية استعملها الفرنسيون لحرق الجثث التي جلبوها من مختلف الأماكن التي قاموا فيها بالمجازر، باستعمال ما يقارب 20 شاحنة نقل بضائع كان الجزائريون حينها يطلقون عليها “شاحنات الموت”. قالمة الأكثر تضرّرا من الجريمة، التي ارتكبها المستعمر الفرنسي ضد الإنسانية في حق سكان سطيف، قالمة وخراطة في شهر ماي من سنة 1945، في وقت كان العالم يحتفل بنهاية الحرب العالمية الثانية، والانتصار على النازية الألمانية، حيث تعرّض سكانها لمجازر مروعة، مازالت شواهدها ماثلة للعيان إلى اليوم بكاف البومبة في مدخل هيليوبوليس أفران الجير، الثكنة القديمة، المحجرة، جسر سيبوس، مزرعة بن يخلف، جسر السكة الحديدية ومحطة القطار، وغيرها من المواقع التي جرت فيها الإعدامات الجماعية السرية، في واحدة من أكبر الجرائم ضد الإنسانية في القرن العشرين. تشير الأرقام التي قدّمتها جمعية 8 ماي 1945 بولاية قالمة ل “الشعب”، إلى أنّ الحصيلة التّقريبية للذين ذهبوا ضحية تلك المجازر البشعة تفوق 18 ألف شهيد من أبناء ولاية قالمة والبلديات التابعة لها، فيما يزيد عن 500 جثة للسكان المسلمين الذين تم إعدامهم صوريا في ماي 1945، حسب وثائق رسمية، قد تم إعادة إخراجها من الحفر الكبيرة التي رميت فيها ونقلها بواسطة شاحنات، وتحت حماية قوات الدرك الفرنسي نحو فرن الجير الذي كان يستعمل في حرق الحجارة وتحويلها إلى مادة الجير بمزرعة العمر “مارسال لافي” ببلدية هيليوبوليس، حيث قام أسرى إيطاليون يعملون لحساب صاحب المزرعة بإضافة أغصان الزيتون للجثث وإحراقها. وبحسب الشهادات التي نقلناها، فإنّ ما جرى في 8 ماي 1945 كان جريمة ضد شعب فقير خرج للاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية، وتذكير فرنسا بوعود الاستقلال، فانقلبت عليه واستعبدته وجرّدته من الكرامة الإنسانية، ودفعته إلى الثورة من جديد في نوفمبر 1954، لكن هذه المرة كانت ثورة منظمة وليست انتفاضة ومظاهرات سلمية، حوّلها الحقد الفرنسي المقيت إلى نهر من الدماء جرف آلاف الضحايا، لكن ذلك عبّد الطريق إلى الحرية وتبديد ليل الاستعمار الطويل. مسيرة التّحرّر من الخوف والتّحضير للثّورة تفاجأ يوم 08 ماي 1945 الجزائريون لرؤيتهم العلم الوطني مرفوعا بسواعد شباب الحركة الوطنية، الأمر الذي زرع فيهم الحماسة والإيمان أكثر باقتراب فجر الاستقلال. وفي المقابل أدخل الرعب في نفس رئيس دائرة قالمة “آندري أشياري” وميليشيات المعمّرين، حيث تشير الوثائق التاريخية والشهادات المسجلة إلى “أن يوم الثلاثاء 08 ماي 1945 كان مصادفا للسوق الأسبوعي لمدينة قالمة والقرى المجاورة لها، وكان يوم عطلة بمناسبة انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء، وهو ما دفع بالجزائريين وبدعوة من حزب الشعب إلى تنظيم مسيرة سلمية كانت الراية الوطنية لأول مرة ترفع، والتي زيّنت بالأبيض، الأخضر والأحمر”. عرفت المسيرة التي انطلقت في الفترة المسائية حسب مصادر تاريخية، بمشاركة ما يقارب 2000 جزائري من مدينة قالمة والقرى والبلديات المجاورة لها، انطلاقا من منطقة الكرمات بوسط مدينة قالمة بجوار مدرسة الماونة الشهيدة التي خرّجت إطارات وكفاءات جزائرية من وزن أمة، حيث كان الموكب متوجّها نحو نصب الأموات “ساحة 19 مارس” حاليا مردّدا نشيد من جبالنا وفداء الجزائر، ورافعا رايات دول الحلفاء أمريكا وروسيا وإنجلترا وفرنسا يتوسطهم العلم الجزائري، ليعترض حاكم قالمة حينها “آندري أشياري” الموكب بنهج 08 ماي 45 حاليا “فيكتور برناس” سابقا، وكان مرفوقا ببعض الفرنسيين واليهود طالبين من المشاركين في المسيرة وضع اللافتات، وحاولوا نزع العلم الجزائري بالقوة لكن أمام إصرار وصلابة المتظاهرين على إبقاء الراية الوطنية مرفوعة، جعل “أشياري” يطلق النار وتبعته الشرطة الفرنسية في ذلك، ما أدى إلى سقوط أول شهيد وهو بومعزة حامد. كانت العيارات النارية التي أطلقها حاكم قالمة حينها لإيقاف المسيرة السلمية للجزائريين بداية لحرب وحشية ومجازر رهيبة ضد المواطنين العزل أشرف عليها هو بنفسه، مدعوما بميليشيات المعمّرين التي سلّحت من قبل الجيش الفرنسي، ذهب ضحيتها بقالمة ما يزيد عن 18.000 شهيد. وذكرت وثيقة رسمية من “أرشيف جمعية 8 ماي 1945”، وهي مراسلة من قائد الفرقة المتنقلة بقالمة المدعو “بويسون” بعث بها إلى مدير الأمن العام للجزائر يوم 23 ماي 1945 أخبره بأنّ “عملية إعدام المشاركين في المسيرة قد تمّت رميا بالرصاص وهم بلعزوق السعيد والأخوين عبده علي واسماعين وبن صويلح عبد الكريم ودواورية محمد، إضافة إلى ورتسي عمار ومبروك وشرفي مسعود، وأومرزوق محند أمزيان. أكثر من 11 موقعا يؤرّخ لمجزرة الثامن ماي1945 الشّهادات المقدّمة من الذين عايشوا مشاهد القتل والتعذيب، وما تم توثيقه بمديرية المجاهدين، والتي ارتأت “الشعب” نفض الغبار عنه، فقالمة تحصي ما يزيد عن 11 موقعا بوسط المدينة و«بلخير” و«بومهرة” و«هيليوبوليس”و”واد الشحم” و«لخزارة”، ومن بين تلك الأماكن توجد “محرقة” حقيقية عبارة عن فرن لصناعة الجير كان يمتلكه أحد المعمرين بمنطقة هيليوبوليس اسمه “لافي”، وأين حرقت جثث الأبرياء الذين قتلهم بوليس المستعمر بقالمة والمناطق المجاورة لإخفاء آثار الجرم. وبالقرب من تلك المحرقة توجد منطقة الابادة لين مرس القتل الجماعي بكاف البومبة، بالقرب من وادي سيبوس، وأول فوج أعدم بهذا المكان ضم 50 شهيدا منهم “تباني محمد” و«جمعاوي حميد” وهو ما تتذكّره “جمعاوي عائشة” أخت حميد التي كان عمرها حينها 23 سنة، وتضيف هذه الأخيرة أنّها لما ذهبت إلى المكان في اليوم الموالي لقتل أخيها وجدت عشرات الجثث مكدّسة فوق بعضها البعض. وأشارت في شهادة سابقة أن “رئيس بلدية هيليوبوليس حينها “ قيرو” رفض دفن الموتى”، ومن بين المواقع الشّاهدة على بشاعة تلك المجازر، الثكنة القديمة بوسط مدينة قالمة التي تعتبر أول عملية إجرامية حقيقية لقوات الشرطة الاستعمارية في التصفية الجماعية لنشطاء الحركة الوطنية، وكان ذلك يوم 11 ماي 45 حيث تم إعدام جماعي ل 9 مواطنين شاركوا في مسيرة 8 ماي. أفران الجير بهليوبوليس “محرقة للمواطنين العزل” وجسر سيبوس للاعدامات الجماعية باندلاع انتفاضة ماي الأسود كما توصف، استمات المعمّرون في الدفاع عن هليوبوليس مدينة الشمس كما سمّاها “الرومانيون”، فأسّسوا ميليشيا الموت بقيادة “آشياري” والمزارع الكبير “لافي”، صاحب الأراضي الواسعة المغتصبة على الضفة الشمالية لمجرى سيبوس، وتحولت هليوبوليس إلى ميدان للإعدامات الجماعية بعد الثامن ماي 1945، ومازالت شواهد المجزرة قائمة إلى اليوم تروي قصة المأساة التي عاشها الجزائريون تحت ليل الاستعمار الطويل، وعلى بعد أمتار قليلة إلى الشمال من مدينة هليوبوليس مازالت أفران الجير الرهيبة شاهدة على بشاعة الجريمة التي اقترفتها فرنسا في حق جزائريين عزل في شهر ماي من سنة 1945. في هذه الأفران، أحرقت جثث ضحايا المجازر وتحوّلت إلى رماد، لا أحد يعرف كم عدد هذه الجثث التي أحرقت بالضبط، فقادة المليشيا عملوا كثيرا بهذا الموقع، وقتل المعمّرون الكثير من أبناء المنطقة، ودفنوا الضحايا في مقابر جماعية ثم أخرجوا الجثث ونقلوها إلى أفران الجير قرب بهليوبوليس وأحرقوها هناك، بعد أن سمعوا بقدوم لجان تحقيق لأنهم كانوا يريدون إخفاء الحقيقة والتهرب من الجريمة. فقد كان المعمّرون حاقدين على الجزائريين يقتلون ويعذبون ويحرقون بلا رحمة وبلا شفقة، وتقول مصادر تاريخية في هذا السياق، بأنه في كل ليلة تتوجه الشاحنات المحملة بالجثث إلى أفران الجير الملتهبة بحرارة تتجاوز 1000 درجة مئوية، وهي الحرارة التي تحوّل الصّخور الرمادية الصلبة إلى جير. وتحدّث سكان المدينة الذين عايشوا مجازر 8 ماي 45 عن رائحة اللّحم البشري التي كانت تنبعث من موقع الأفران أياما متتالية، لا أحد كان يعرف ما يحدث هناك، حتى انكشفت الحقيقة، وتبين بأن الكثير من الجزائريين قد أحرقوا هنا، لطمس معالم الجريمة قبل وصول فرق التحقيق إلى المنطقة، ومازال سكان قالمة يزورون أفران الجير في كل ذكرى من ذكريات ماي الأسود، ويقفون على شواهد النازية الفرنسية يوم الاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية. أما جسر سيبوس القريب من بلدية بومهرة أحمد، تحوّل الى موقع من مواقع الإعدامات الجماعية التي نفذتها مليشيا السفاح “آشياري”، حيث تمّ إعدام 15 جزائريا رميا بالرصاص وتمكّن واحد من الهرب بعد أن تظاهر بالسقوط عقب إطلاق نار كثيف من بنادق المعمرين، الذين انتقموا لمقتل ابن المعمر المالطي سيقان المسمى انطوان قاوشي، وهذا حسب شهادة توراش محمد. ملاحقة ،قمع ،تعذيب وتقتيل جماعي في شهادات سجّلها مواطنون عايشوا المأساة بكل فصولها، لمرحلة كانت ممهّدة للثورة التحريرية المظفّرة، وانكشاف الوجه الحقيقي للمستعمر، المتجرّد من كل إنسانية، يقول توراش محمد المعروف بحميدة الساكن ببلدية بلخير التي كان يسميها المعمرون “ميلي زيمو”، في شهادة قدّمها عن هذا اليوم المشؤوم، أنّ عمره كان لا يتجاوز 18 سنة، اخترت مزرعة المعمر أنطوان سيقان، وهو مزارع مالطي قدم مع الفرنسيين المستعمرين، وسيطر على أراضي واسعة بسهل سيبوس الخصب، كان ماكرا يكره العرب ويستعبدهم في هذه المزرعة المغتصبة. وعندما اندلعت انتفاضة 8 ماي 45 قرّر الثائرين من احرار قالمة تصفيته وكان لهم ذلك بجسر سيبوس، وانتشر خبر سقوط المزارع المالطي بسرعة واشتعلت نار الحقد والانتقام بين المعمّرين، الذين أخرجوا السلاح من المخازن وشكلوا مليشيا القتل والاختطاف والتعذيب، وتم اعتقال عدد كبير من سكان المنطقة، وكان أبناء المعمرين كانوا يقتلون الرعاة وسط الحقول بالرصاص من مسافات بعيدة. توراش أوضح في شهادته التي يحفظها له التاريخ أنه رأى بأم عينيه كيف تجرد الفرنسيون من جندرمة ومليشيات مسلحة من كل إنسانية بقتل جماعي لما يزيد عن 16 شخصا من السكان العزل دفعة واحدة، ثم وضع الجثث فوق بعضها البعض، ومن ثم إحراقها بالبنزين أمام جسر وادي سيبوس بمخرج البلدية باتجاه بلدية جبالة خميسي، وذلك اطمس أي آثار لهذه المحرقة في حق أصحاب الأرض. ويتذكّر توراش صور القتل وتعليق الأجساد على جانبي الجسر لترهيب السكان وإظهار قوة فرنسا، مع أنها خرجت من الحرب العالمية منهكة القوى، ويضيف المجاهد أن “الضحايا الذين سقطوا هنا بجسر سيبوس قرب مزرعة أنطوان سيقان بعد 6 أيام من بداية المظاهرات، جمعوا الناس في السجون ومراكز الشرطة، عذّبوهم ثم قرّروا إعدامهم بلا محاكمة، كانت الإعدامات جماعية بجسر سيبوس وكاف البومبة والكاريار والثكنة القديمة، وفي أفران الجير بحمام برادع أحرقوا جثث الضحايا لطمس معالم الجريمة بعد سماعهم بقدوم لجان تحقيق من منظمات حقوق الإنسان”. وذكر توراش التفاصيل وأكّد على هوية القتلة “كان من بين المجرمين 5 من أبناء المعمر قاوشي والمالطي تيتلو وكاليسطا ابن المعمر شمول، الذي كان يركب سيارة ويجوب الحقول الزراعية والمراعي والأودية والشعاب، ويطلق النار على الفلاحين والرعاة من مسافات بعيدة، وقد قتل الكثير من الجزائريين العزل”. وحسب شهادات موثقة بمتحف المجاهد لولاية قالمة، أدلى بها المجاهد ساسي بن حملة الذي وافته المنية سنة 2013، أن الدمار والتقتيل الجماعي عاشتها بلدية بلخير المعروفة “بميليزيم” حينها والواقعة على بعد 2 كلم فقط من مدينة قالمة، وقد أحرقت الميليشيات الأوروبية مزرعة “المزابية” القريبة من مزرعة أحد أكبر السفاحين في صفوف تلك المليشيات حينها وهو الكولون “إيدموند شمول” بين بلخير وقالمة، كما قامت بإبادة جماعية لعائلات الخمّاسين ولم تستثن أحدا، من الأطفال والشيوخ والنساء، منهم عائلات قادري وسعايدية، بأبشع وسائل التقتيل، وعاش حينها كما ذكر المرحوم المجاهد ساسي بن حملة بأن مدخل بلدية بلخير ب “الجسر الصغير” عاش واحدة من أكبر الإعدامات بشاعة تلك التي جرت، والتي راح ضحيتها التلميذ كاتب إبراهيم ذو ال 12 سنة، وكذا أمه الحامل في شهرها السادس نفسية وأبوه محمد الذي كان موظفا بمدرسة التكوين الفلاحي بقالمة، إضافة إلى عشرات المواطنين العزل. الأحداث التي سبقت الانتفاضة كما يرويها عبد الله يلس كشف عبد الله يلس في شهادة له حول مجازر 8 ماي 45، الظروف التي سبقت انتفاضة 8 ماي 45 بقالمة، وبالتحديد عند سنة 1942 قائلا: “تفشّت أمراض الفقر بين الجزائر في ذلك الوقت، وكان المعمّرون يتحاشون لقاء الجزائريين حتى لا تصيبهم هذه الأمراض، كنا نشعر بالأسى والحزن عندما نرى المعمرين يفرون منا، فقررنا مقاطعة دور السينما، وقاد حملة المقاطعة كل من بوجمعة سويداني وعمار نكاب وعمار بن جامة، نجحت المقاطعة وتكبّد المشرفون على دور السينما خسائر كبيرة، اعتقال قادة المقاطعة”. الموقف الثاني المناهض للاستعمار يضيف يلس كان بحمام سي علي، “عندما ذهبنا للفحص الخاص بالخدمة الوطنية التي كانت إجبارية على كل الجزائريين الذين يبلغون سن التجنيد، تأخر الفحص ساعات طويلة فشعرنا بالظلم والاحتقار، ونظّمنا احتجاجا كبيرا داخل المركز، وتمّ اعتقال 3 أشخاص ونقلهم إلى سجن قسنطينة، لقد بدأت مرحلة النهضة وبوادر الثورة” . وأكّد الشاهد على مجازر ماي الأسود بقالمة: “لعبت الكشافة الإسلامية دورا كبيرا في شحذ الهمم وإيقاظ الضمائر، كنّا ننظّم استعراضات بالزي الكشفي الإسلامي، ونثير غضب الفرنسيين كنا نحفظ نشيد من جبالنا وننافس كشافة المعمرين، ولعبت الرياضة أيضا دورا كبيرا في إيقاظ الضمائر، وإظهار الإرادة والوقوف الند للند مع المعمرين، وظل فريق الترجي لكرة القدم بمثابة الروح التي تسري في قلوب القالميين في ذلك الوقت، وكانت لجولات محي الدين باشتارزي بمسرح مدينة قالمة أثرا بالغا في دعم الحركة الوطنية، وكان يردد أغنية “فيقوا فيقوا” في نهاية كل مسرحية، داعيا الجزائريين إلى الاستعداد للثورة على الاستعمار”. وكانت مسيرة الفاتح ماي بعيد العمال حسبما أوضح عبد الله يلس في شهادته “بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، حيث نظّم قادة الحركة الوطنية والحركة الكشفية مسيرة كبيرة رافعين لافتات تطالب بالحرية والكرامة، وعندما وصلت المسيرة أمام مبنى الخزينة اليوم أوقفها “آشياري”، وطلب التحدث إلى قائد المظاهرة وقال بأنه على الجزائريين السير وراء الفرنسيين إذا أرادوا الاحتفال بأول ماي وغيره من المناسبات الأخرى، كانت رسالة واضحة، إنها القبضة الحديدية. كل هذه العوامل ساعدت على تنظيم مسيرة 8 ماي 45، وهيّأت لها كل الظروف لتكون مسيرة الحرية، وانتفاضة نحو ثورة التحرير”.