حكم دستوري جديد انتقالي خاص بانتخاب رئيس الجمهورية (أي محدود في وقته وفي موضوعه) هو بمثابة جرعة دواء واقية من انهيار النظام الدستوري كله. من الواضح أن كلا المسعيين لا يتصوران إلا خارج الدستور ومن ثم فهما يمثلان خطورة لا تقدر عواقبها على الدولة الجزائرية بكل أركانها. ويكفي التذكير هنا ببعض مخاطر الخروج من إطار النظام الدستوري للاقتناع برفضه مطلقا. فمثلا على الصعيد الداخلي يؤدي الخروج من الإطار الدستوري إلى عدم وجود قواعد مرجعية تفصيلية واستعمال سلطة تقديرية وقواعد تحكمية مما يخلق جوا من عدم اليقين وعدم الاستقرار والاختلافات في الآراء خاصة عند مناقشة المنطلقات الأساسية لمشروع الدستور الجديد نهاية مطافها تعطيل التقدم في الطريق الصحيح لتنظيم انتخابات رئاسية وبالتالي بقاء الدولة الجزائرية بدون رئيس جمهورية لمدة قد تفوق كل التصورات المسبقة. لكي تتحقق فرضية الاستمرار في تطبيق المادة 102 من الدستور من أجل تنظيم انتخابات رئاسية بعد استنفاذ فترة 90 يوما المحددة في هذه المادة دون التمكن من تنظيم هذه الانتخابات، يمكن تصور أن يتم ذلك بعد استقالة السيد رئيس الدولة الحالي من منصبه بهذه الصفة قبل استنفاذ كامل مدته. ففي هذه الحالة لا يتضمن نص المادة 102 من الدستور أي حل صريح للمرحلة اللاحقة لهذه الاستقالة. وتفاديا للفراغ المؤسساتي وخاصة في رأس هرم الدولة وبالرجوع للقاعدة الأصلية (كقاعدة عامة) التي تخول بمقتضاها المادة 102 من الدستور لرئيس مجلس الأمة أن يتولى مهام رئاسة الدولة فلا مانع دستوريا في رأينا من تكرار العملية بأن يتولى رئيس مجلس الأمة ( الجديد) مهام رئيس الدولة المستقيل، فيكون له بدوره أن ينظم الانتخابات الرئاسية في ظرف 90 يوما تنتهي عندها مهمته المؤقتة ليحل محله رئيس الجمهورية المنتخب. وإذا حدث لرئيس مجلس الأمة مانع من تولي رئاسة الدولة التي يسلمها له رئيس الدولة الحالي المستقيل فإنه وبإعمال نص المادة 102 من الدستور يتولى رئيس المجلس الدستوري مهام رئاسة الدولة. ولذلك من الضروري أن يكون رئيس المجلس الدستوري مهيئا لهذه المهمة لتفادي أي مفاجأة أو احتمال غير منتظر. 2 انتخاب رئيس جديد للمجلس الدستوري مع إحداث تغييرات في تشكيلته سبق أن كتبنا في أوراق طريق نشرت قبل تاريخ استقالة رئيس الجمهورية أن هناك عدة أسباب تؤيد ضرورة تنازل السيد رئيس المجلس الدستوري الذي سبق تعيينه من طرف رئيس الجمهورية المستقيل من منصبه بهذه الصفة واستعرضنا أهم هذه الأسباب خاصة في هذه المرحلة الحاسمة التي تحضر فيها الانتخابات الرئاسية القادمة. وقد استقال فعلا رئيس المجلس الدستوري السابق وكان منتظرا بعد هذه الاستقالة، تطبيقا للمادة 183 من الدستور التي لم يرد ذكرها من بين المواد التي لا يمكن تطبيقها أثناء ولاية رئيس الدولة طبقا للمادة 104 من الدستور واستجابة المطلب الشعبي أن يقوم رئيس الدولة بتعيين شخص آخر توافقي كفء ومحل ثقة عند الشعب لرئاسة المجلس الدستوري. وهذا حتى يتسنى إحلال رئيس المجلس الدستوري الجديد محل رئيس الدولة إذا استقال هذا الأخير من منصبه بهذه الصفة أي كرئيس للدولة وتحققت شروط تطبيق المادة 102 من الدستور فيما يخص تعيين رئيس المجلس الدستوري كرئيس للدولة (أي عملا بقاعدة توازي الأشكال وعند اقتران استقالة رئيس الدولة أو وفاته بشغور رئاسة مجلس الأمة لأي سبب كان أو بمانع يقوم لدى هذا الأخير يمنعه من تولي مهام رئاسة الدولة). لكن هذه الفرصة تمت إضاعتها بتعيين رئيس للمجلس الدستوري دون مراعاة ما سبقت الإشارة إليه من احتمال أن يصبح هذا الأخير رئيسا للدولة. فرئيس المجلس الدستوري المعين خلفا لرئيسه المسقيل هو أولا عضو منتخب عن حصة مجلس الدولة في تشكيلة المجلس الدستوري مما يعني أن هذه المؤسسة قد فقدت أحد قاضييها المنتخبين كعضوين في المجلس الدستوري وهو ثانيا لا تتوفر فيه شروط التوافق المشار إليها أعلاه الأمر الذي لا يؤهله لا من زاوية الملاءمة بوجه عام ولا من حيث الاستجابة للإرادة الشعبية لاحتلال منصب رئيس الدولة عند الاقتضاء كما سبق. لكن هذه الفرصة التي تتيحها المادة 102 من الدستور لا تزال قائمة إذ يمكن أن يقدم السيد رئيس المجلس الدستوري الحالي بدوره استقالته من منصبه بهذه الصفة أي كرئيس للمجلس الدستوري ويعود لمنصبه الأصلي كعضو في المجلس الدستوري عن مجلس الدولة فيحدث بهذا التغيير شغور في منصب رئيس المجلس الدستوري مما يتيح تعيين شخص آخر توافقي كفء ومحل ثقة عند الشعب لرئاسة المجلس الدستوري ليحل عند الاقتضاء محل رئيس الدولة. وسبق أن كتبنا فيما يخص باقي أعضاء المجلس الدستوري أنه إذا حدث شغور فيما يخص باقي الأعضاء المعينين من السيد رئيس الجمهورية السابق وقد يحدث ذلك لنفس الأسباب وخاصة منها الرفض الشعبي ويستحسن أن يتم ذلك نظرا للدور الحاسم الذي يلعبه المجلس الدستوري في العملية الانتخابية فإن لرئيس الدولة المعين أن يستبدلهم بأعضاء آخرين. ولرئيس الدولة السلطة الكاملة في ذلك باعتبار أن المادة 183 من الدستور المتضمنة سلطة رئيس الجمهورية في تعيين أربعة أعضاء من تشكيلة المجلس الدستوري، وكما سبق غير مذكورة من بين الأحكام المستبعدة التطبيق بموجب المادة 104 من الدستور خلال فترة تولي مهام رئاسة الدولة. وكل هذا يتم في إطار احترام أحكام الدستور أيضا فيما يخص مدة العضوية والتي هي طبقا لنفس المادة 183 من الدستور، كما سبق ثماني (8) سنوات. فالتغيير المنتظر لا يتم مبدئيا إلا إثر شغور المنصب مثلا بالاستقالة وليس بالإقالة. وعلى العموم فإن الأسباب التي ذكرت وخاصة منها استقالة رئيس الجمهورية السابق كفيلة بأن تدفع كل الأعضاء المعينين إلى الاستقالة مع الأخذ في الاعتبار فقط للوضعية الخاصة التي نتجت عن تعيين عضو في المدة الأخيرة من طرف رئيس الدولة لاستكمال تشكيلة المجلس الدستوري والذي لم يتم في تعينه الاحترام بشكل صارم لقاعدة النصاب المحدد لرئيس الجمهورية وبعده رئيس الدولة. ملاحظة في الفرضيتين السابقتين المتمثلتين في انتخاب رئيس جديد لمجلس الأمة و/أو تعيين رئيس جديد للمجلس الدستوري وتولي أحدهما رئاسة الدولة، يمكن عن طريق اعتماد التفسير الواسع لنص المادة 102 من الدستور إضفاء بعض المرونة على المدة المحددة فيها ب 90 يوما لإجراء انتخابات رئاسية بحيث يمكن احتساب هذه المدة من جديد انطلاقها من تاريخ تولي رئاسة الدولة للمرة الثانية مما يتيح مزيدا من الوقت لتحضير مختلف الآليات والأدوات القانونية والعملية وأجواء الثقة التي من شأنها أن تسمح بإجراء هذه الانتخابات بنجاح في أقصى أجل ممكن طبقا للنص الدستوري المذكور . 11 إدخال أحكام جديدة انتقالية في الدستور خاصة بانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر إدخال أحكام جديدة انتقالية في الدستور خاصة بانتخاب رئيس الجمهورية، الحل البديل الثاني المقترح لتنظيم الانتخابات الرئاسية في إطار الدستور، الأكثر احتراما للدستور وتحقيقا للأمن القانوني واستجابة للإرادة الشعبية. ويكمن هذا الحل في إجراء تعديل محدود في الدستور وذلك بإدخال أحكام جديدة انتقالية فيه فقط لغرض تأطير تنظيم هذه الانتخابات. لابد من التمهيد لذلك باستعراض ضرورة هذا التعديل أي الدوافع التي تقود للمبادرة به ثم بعد ذلك سنرى أن مشكلة إمكانه قانونا تطرح بحدة وهو ما سنعالجه تحت عنوان دستورية التعديل المراد إجراؤه قبل استعراض هذا التعديل في حد ذاته خاصة من حيث كيفياته والإجراءات التي يتحقق بها. تمهيدا لكل ذلك لا بد من الاعتراف بالأهمية القصوى لهذا التعديل الدستوري المراد إجراؤه وبالذات في الظروف غير العادية التي تعيشها حاليا بلادنا والتي قد تجرنا إلى مرحلة انتقالية خارج أحكام الدستور لا مفر من مخاطر عواقبها. فالتعديل الدستوري المقترح مهم بالدرجة الأولى لما يسمح به بعد دخوله حيز النفاذ من الخروج من إطار المادة 102 من الدستور دون الخروج من النظام الدستوري باعتبار أن الشخص أو الأشخاص المكلفين بتنظيم الانتخابات الرئاسية محل رئيس الدولة سيعينون طبقا لأحكام الدستور الجديدة وبالمطابقة للإرادة الشعبية، مما يوفق بين مبتغى الشعب باختيار قيادة جديدة منفصلة عن النظام السابق تجري تحت إشرافها الانتخابات الرئاسية والمبدأ المستقر وخاصة لدى مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، كما عبرت عنه وبثبات في مناسبات مختلفة قيادة أركانها المستوجب البقاء في إطار الدستور. تظهر أهمية التعديل الدستوري المقترح أيضا من زاوية الأخذ بعين الاعتبار لانشغالات ذوي النوايا الحسنة من المنادين بالحل السياسي والتركيز على روح الدستور وبالذات مضمون المادة 7 ( السيادة للشعب) وما يليها منه وكذلك من حيث الغاية المتوخاة من هذا التعديل الدستوري المراد إجراؤه والمتمثلة في السعي لخلق جو ملائم لتنظيم الانتخابات الرئاسية وذلك بإيجاد صيغة لتنظيم هذه الانتخابات تكون مرضية للإرادة الشعبية مع تحديد موعد ثابت في المدى القصير المنظور لإجرائها. كما يتلاءم هذا التعديل الدستوري مع الرأي الغالب في المجتمع من المتمسكين مطلقا بالدستور بل أيضا حتى مع رأي جانب من المنادين بفترة انتقالية بعد استنفاذ أحكام الدستور اي المجتمع بكل مكوناته إذ يمكن هذا الأخير من تحقيق رغبته أيضا في ألا تتجاوز الفترة الزمنية المقترحة في هذا الإطار مدة 6 أشهر وهي فترة قصيرة نسبيا مقبولة من الأغلبية. لكن برغم المزايا الأكيدة للتعديل الدستوري المحدود المقترح إلا أن إنجاز هذه المهمة ليس أبدا أمرا سهلا ، إذ يقوم أمام هذا الإجراء أي التعديل الدستوري عائق كبير يتمثل في عدم إمكان ذلك من الناحية القانونية الشكلية الصرفة، تطبيقا لأحكام الدستور سارية المفعول. فمن المعلوم أن المواد التي يمكن أن يجري وفقها التعديل الدستوري وهي المواد 208 و209 و 2011 لا يمكن طبقا للمادة 104 من الدستور أن تطبق خلال الفترة التي يتولى فيها رئيس مجلس الأمة أو رئيس المجلس الدستوري مهام رئيس الدولة. كيف يتم إذن تجاوز عائق هذه المواد أو هذه الموانع وإجراء التعديل الدستوري المراد إجراءه دون خرق الدستور؟ يتعلق الأمر في رأيي هنا بفرضية يمكن التوصل إليها باللجوء لإعمال قواعد تفسير استثنائية لأحكام الدستور والتي من شأنها أن تضفي على التعديل الدستوري المراد إجراؤه طابعا دستوريا. نستعرض أولا الأسس التي يمكن اعتمادها في تفسير أحكام المادة 104 من الدستور بما يتيح إمكانية إعطاء التعديل الدستوري المراد إجراؤه طابعا دستوريا ثم نتبعها بعرض بعض الكيفيات التي يمكن اتباعها والقواعد الإجرائية التي يمكن تطبيقها لتحقيق هذا التعديل الدستوري. يتبع