لا تكتسي العلاقات الجزائريةالأمريكية أهميتها فقط من مكانة الولاياتالمتحدةالأمريكية كقوة عظمى، ومما يمكن أن تجنيه الجزائر من متانة هذه العلاقات وإنما أيضا من أهمية الجزائر والدور الذي يمكن أن تلعبه خاصة في منطقة المتوسط وإفريقيا والعالم العربي. وإذا كان من المسلَّم به حرص كل دولة على إكتساب ودّ أمريكا باعتبارها قوة عظمى يمكن لمن يصادقها أو يتحالف معها تجنّب الكثير من المصاعب، فمن الحتمي أيضا في العلاقات الدولية أن تحتاج أمريكا لدولة مثل الجزائر لما تمثله مكانتها ودورها وتأثيرها على المستوى العالمي... وهذه الحتمية تم إستنتاجها من خلال الندوة التي نشطها البروفيسور الأمريكي »روبرت مورتيمور«، أمس، في مركز »الشعب« للدراسات الاستراتيجية والتي طاف خلالها حول العلاقات الجزائريةالأمريكية، وحالة المدّ والجزر، والتوتر والانفراج التي اتّسمت بها هذه العلاقات على مرّ العقود الماضية. وأول محطة توقف عندها المحاضر، هي مرحلة ما قبل استقلال الجزائر، إذ إتسم الدعم الأمريكي للجزائر إبان الإستعمار بالإحتشام، كون أمريكا كانت حليفة لفرنسا، وانحصر هذا الدعم في بعض الاتصالات غير ذي فائدة كبرى مع جبهة التحرير الوطني، لكن مع مجيء الرئيس الراحل »جون كينيدي«، أخذت العلاقات الجزائريةالأمريكية تتعزز إلى أن جاءت زيارة الرئيس السابق، بن بلة، إلى كوبا في عز أزمة الصواريخ لتحدث إنتكاسة في مسار العلاقات الثنائية التي شهدت فتورا في عدة حقبات، حيث إنقطعت هذه العلاقات عام 1967، خلال حرب حزيران، ثم عادت وانقطعت خلال حرب أكتوبر عام 1973، ولم تتردد الجزائر من منطلق الدولة ذات القرار المستقل في عدة مناسبات من إبداء رفضها أو تحفظها على مواقف أمريكية مضرّة بالقضايا العربية، وعلى رأسها قضية فلسطين. لكن محطات التوتر والفتور، سرعان ما أعقبتها محطات للتقارب وتعزيز التعاون، وذلك بفضل الدور الذي لعبه عبد العزيز بوتفليقة باعتباره وزيرا للخارجية ومفاوضاته التاريخية مع كيسنجر التي فتحت صفحة جديدة في العلاقات الجزائريةالأمريكية إتسمت ولازالت بالمتانة والتطوّر والبراغماتية. ومع إعتلاء بوتفليقة مقاليد السلطة، ووقوع أحداث سبتمبر، أخذت العلاقات الجزائريةالأمريكية أبعادا أوسع وأعمق لتتحوّل الجزائر إلى شريك لا يمكن الإستغناء عنه في محاربة الإرهاب، وظهر بشكل لافت ذلك التعاون العسكري الذي فرضه الواقع من خلال المبادرة التي خلقتها أمريكا والمسماة بمبادرة مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي، واقتنعت أمريكا أكثر من غيرها، بأنها يمكن أن تستفيد من تجربة الجزائر في مكافحة الإرهاب. ومقابل التعاون العسكري المتنامي، لم يرتق التعاون الاقتصادي إلى المستوى المطلوب وانحصر في برامج أمريكية محدودة لدعم بعض القطاعات كالتعليم والمؤسسات الصغرى. ووصل المحاضر البروفيسور »مورتيمور« إلى المرحلة الراهنة المتزامنة بالتغيّرات التي تشهدها أجزاء هامة من الوطن العربي، حيث أشار إلى تناسق الرؤى بين الجزائر وأمريكا، خاصة بشأن ليبيا التي أثير بشأن موقف الجزائر من أزمتها، الكثير من اللغط وسوء الفهم والاتهامات المقصودة. ويبدو واضحا كما أضاف البروفيسور أن إنسجام مواقف الجزائر وأمريكا، سيقود إلى تمتين العلاقات وأكثر من ذلك سيؤكد للذين يشكّكون في نزاهة المواقف الجزائرية، بأنهم مخطئون، وبأن المخاوف الأمنية التي ساقتها السلطات الجزائرية، واقعية وصادقة.