سمةٌ إسلامية، فنحن مُطالبون بالإتقان في كلّ عمل نقوم به، فإن كان من حقّنا أن نراه في أعمال غيرنا، فمن الواجب علينا أن نُريه غيرنا في أعمالنا. أخي العامل أينما كنت في ميدان عملك أو في بيتك، تأمّل معي هذا الحديث العظيم الذي رواه البيهقي: «أما إنّ هذا لا ينفع الميّت ولا يضُرّه، ولكن الله يُحبّ من العامل إذا عمل أن يُحسن»، وفي لفظ: «إنّ الله يُحبّ إذا عمل أحدكم عملًا أن يُتقنه» (رواه البيهقي في السُّنن). فانظر جزاك الله خيرا لهذا التّوجيه النّبوي الكريم بإتقان العمل حتّى في تسوية القبر الذي لا ينفع الميّت بشيء، ولكنّه التّوجيه التّربوي الذي لا بُدّ أن نجعله نُصب أعيننا في كلّ عملٍ نقوم أو نُكلّف به. فشريعتنا تحثّنا على التّميّز والإتقان في العمل، وتأمرنا دوما بالبعد عن التّقصير والإهمال، وأنّ أعمالنا معروضة على الخالقِ سُبحانه وتعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. فعلينا أن نُراقب الله في أعمالنا وفي كلّ شؤوننا، وفي حال التزامنا بعمل يجب علينا القيام به على أكمل وجه يُحبّه الله ويُحبّه خلقه، وأن لا نُدخل على عملنا – عملاً – آخر قبل إتمام عملنا الحالي إلاّ بعد إتمامه أو لا يكون مُعارضاً له، لاسيما إن كنّا نتقاضى عليه أجرا، فندعه مهملا ونتفرّغ إلى غيره من أعمالنا الخاصّة، كما يفعل الكثير من مسؤولينا ضعاف العقول، فكلّما ذهبت تقابل أحدهم وجدت مكتبه شاغرا لا يُبالي بمهامه، فضلا على إتقان أعماله أو الحرص على إتمامها، حتّى تميّعت الأمور وبلغنا مبلغا لا نُحسد عليه في الفشل والرّدى. ويكفي أن تستحضر ما يحصُل في حال تسيّبت في عملك وتهاونت فيه، استحضر ما سيعانيه غيرك حينما تضيّع مصالحهم بعدم إتقان عملك، فكم تأزّمت حالات المرضى بتسيّب طبيب لا يصلح أصلا في الطّبّ، وكم ضاع من تلاميذ وطلبة بتقاعس أستاذ في أداء مهامه، بل وكم من شعوب تعطّلت حياتهم واضطربت وضنكت معيشتهم، وتأزّمت بتضييع حكّامهم لحقوقهم وعدم تحمّلهم مسؤولياتهم في سوسهم السّياسة الرّشيدة الصّحيحة؟ إنّه لا يخفى على عاقل أنّ العمل بلا إتقان لا ينفع صاحبه ولا يُنتفع به وهو مردود عليه، بل يُشينه ويحُطّ من قدره، وينفّر النّاس من صنيعه النّاقص السّقيم.