أكد الشاعر اللبناني اسكندر حبش في حوار ل''الشعب'' أن الكتابة بالنسبة إليه انتقلت من حرب خارجية إلى حرب داخلية مع اللغة والأفكار الموروثة ومع المحيط الاجتماعي، مشيرا إلى أن القصيدة في وقتنا الحالي لا يمكنها أن تسبب مظاهرة أو أزمة، بل تحدث وعيا طفيفا في وجدان الإنسان دون أن تغير العالم.. ̄ مرحبا بكم في الجزائر، بداية، نود أن نعرف القارئ أكثر بالشاعر اللبناني اسكندر حبش؟ ̄ ̄ اسكندر حبش من مواليد لبنان، عشت في تلك المدينة منذ مولدي إلى يومنا هذا، ولا رغبة لي في مغادرتها، أصدرت العديد من المجموعات الشعرية، وترجمت ما يفوق ال20 كتابا إلى العربية، أعمل أيضا في الصفحة الثقافية في جريدة ''السفير''، مارست مهنة التدريس لفترة، وتقاعدت منها مبكرا والآن أنا أواصل الكتابة. ̄ تلقبون بشاعر الحرب، فهل الحرب هي من صنعت شاعرية اسكندر حبش أم أنتم من صنعتم الحرب؟ ̄ ̄ من دون شك أثرت الحرب في الكتابة عندي، بدأتها مثل أي مراهق يرغب الغوص في عالم الكتابة، وتطورت الأمور إلى بحث جدي عن معنى الكتابة والقراءة، لا أنكر أن الحرب شكلتني فقد أمضيت طفولتي وشبابي في الحرب الأهلية التي عرفتها لبنان منذ 1975، وما تزال مستمرة بشكل أو بأخر إلى غاية اليوم. على الأقل كتابي الشعري الأول يدور حول ''مناخات الحرب'' التي عرفتها، فيما بعد أعتقد أنه الحق معك حين تتحول الحرب من حرب عامة إلى حرب خاصة، حيث أن الكتابة تصبح هي الحرب مع اللغة، الأفكار الموروثة ومع المحيط الاجتماعي. كل هذا يشكل جزءا من حرب داخلية ومن حرب أدبية يقوم بها الكاتب، أعتقد أنه إذا أنهيت حربي الخارجية هناك اليوم حرب داخلية هي حرب الكتابة. ̄ ألم تشكل حربكم الخارجية تهديدا للشاعر اسكندر حبش، سيما وأن القلم أحد من السيف؟ ̄ ̄ حاولت دائما أن أميز ما بين النضال إذا صح التعبير وما بين الكتاب. فالكتابة كما قلت لك نضال من نوع آخر، والنضال ضد العدو الإسرائيلي هو مواجهة جسدية أكثر، والكتابة تدخل في هذه المواجهة، وكما قلت هي تشكل بمعنى من المعاني جزء من النضال، كيف نكتب؟ كيف نوعي؟ أي أنها تعطي الشعوب وعيا بما يجري، ولكن هذا خيار في الحياة، فعندما يختار الشخص طريقه ويختار ماذا يريد أن يفعل يكون على علم مستقبلا بما سيحدث له أو ما سيتعرض له من مضايقات والأحداث التي قد تؤدي إلى الاعتقال والسجن.. ولكن هذا جزء من الخيار الشخصي لأي فرد. ̄ وهل في اعتقادكم يمكن للكلمة أن يكون لها تأثير على العدو، أو بإمكانها أن تساهم في تغيير واقع مزري أو نظام مرفوض؟ ̄ ̄ لا أعتقد أن الكتابة يمكنها أن تغير الكثير من الوضع، يمكن أن نشير إلى شيء ويمكن أن نحدث وعيا ولو طفيفا في وجدان الإنسان والقراء، ولكن أن تغير الكتابة من الوقع، أعتقد أنه انتهى هذا الزمن الذي عرفناه في الأربعينيات، وفي وقتنا الحالي لا يمكن لقصيدة أن تسبب مظاهرة أو أزمة. الكتابة هي اليوم مختلفة، فهي جزء من التشكل الاجتماعي وجزء من وعينا، أكثر من هذا لا أعتقد أن الكتابة تستطيع أن تغير العالم وهذه قناعتي اليوم. ̄ قلتم أنكم أنهيتم حربكم الخارجية وانتقلتم إلى حرب داخلية فلمن يكتب اسكندر حبش ولمن سيكتب مستقبلا؟ ̄ ̄ سؤال كبير.. بشكل عام لم أفكر يوما لمن أكتب، لأنني أكتب لمن يحب أن يقرأ، لا يمكن لأحد أن يختار جمهوره ولا أحد يمكن أن يختار الفئة التي سيتوجه إليها، يمكن لكاتب أن يعتقد بأنه يخاطب فئة ما، لكنه يجد قراء عند فئة أخرى. بالنسبة لي الكتابة هي من أجل الكتابة أولا وأخيرا، ومن يريد أن يقرأ لي فهذا يسعدني، ومن لا يحب أن يقرأ لإسكندر حبش فما علي سوى أن أتقبل رأيه وأفكاره، لذلك أعيد وأكرر فإن الكتابة بالنسبة لي هي ''الكتابة.'' ̄ صحفي، مترجم، ناقد، مدرس وشاعر.. كيف تمكنتم من الجمع بين المهنة والإبداع؟ ̄ ̄ بالنسبة لي كل هذه المهن إذا جاز التعبير هي مهن في الكتابة، فالترجمة والتدريس والصحافة هي شكل من أشكال الكتابة، يعني في العمق لا أحس بأي تعارض ما بين الكتابة الإبداعية والصحفية، هي جزء من تشكلي الشخصي والنفسي والاجتماعي، كما يمكن أن تكون وجوه مختلفة لشخص واحد هو اسكندر حبش، فعندما أكتب مقالا صحفيا أحاول أن لا أنسى الشاعر الذي بداخلي، وحين أترجم كتابا لا أنسى الكتابة الإبداعية الأساسية عندي، وهكذا دواليك، لأنه بالنسبة لي هو الشاعر الذي يقوم بكل هذه الأعمال. ̄ هذا ما دفعكم للقول أنك تريد أن تكون شاعريا في مقالاتك وصحفيا في أشعارك؟ ̄ ̄ أريد أن أبقى اسكندر حبش بكل وجوهه المعروفة، يمكن أن تأخذ مني الكتابة الصحفية بعض الوقت، كنت أفضل أن أتفرغ أكثر للكتابة الإبداعية، لكن هذا جزء من كل الذي أفعله، فأنا أولا وأخيرا أنظر إلى العالم برؤيتي الشعرية، وأحاول أن أسحب كل هذه الرؤية الشعرية على جميع المهن التي أقوم بها. ̄ يقال عن إسكندر حبش أن أشعاره ليست غنائية لكنها لا تغادر الغناء، وليست يومية ولكنها مكتوبة على حدود اليوم؟ ̄ ̄ هذه الجملة كتبها الشاعر ''عباس غينون'' عن مجموعتي الشعرية ''الذين غادروا''، أجد أنها على كثير من الصواب، لا أحب أن أكتب الشعر الوجداني الغنائي، لكن في الوقت نفسه لا أريد أن أتخلى عن هذه الوجدانية، أحاول أن أجد منطقة وسطى لا تغادر الشعرية ولا تذهب كثيرا إلى هذه الشعرية، أحب أن أكتب في منطقة للكلام تستطيع أن تحمل في طياتها كل التناقضات الممكنة للكتابة. ̄ حضرتم عديد التظاهرات الثقافية، إلى أي مدى يمكن لهذه الفعاليات أن تسهم في خلق تكتل أدبي بين الدول العربية؟ ̄ ̄ إلى حد ما يمكن أن تساهم في خلق تكتل أدبي عربي، بمعنى أن يتبادل الكتاب والمثقفون العرب، ليس فقط الأحاديث والأفكار، ولكن أن يتعرفوا على بعضهم شخصيا. نحن نكتب بلغة واحدة ومشتركة، ونأتي بأفكار معينة متشابهة، لكن ما يحدث اليوم على الصعيد الاجتماعي والسياسي يدفع إلى التباعد بين الأقطار العربية المختلفة، لذلك أقول أن الأدب يمكن أن يجمع أكثر من أي فكرة سياسية أخرى، يمكن أن نحتك بزملائنا من جميع الدول العربية وغير العربية أيضا. هناك أشياء مشتركة تجمعنا ونحن بحاجة فعلا إلى حوار مع الآخر مع كل الأصدقاء وبالأخص مع كل الذين نختلف معهم بالفكرة.. ̄ لكن، ألا تلاحظون أن العلاقات بين الأدباء والكتاب العرب مرتبطة فقط بالمناسبات، لتنتهي بانتهاء الحدث، وقليلا ما نسمع عن نشاط ثقافي لدولة ما بعيدا عن التظاهرات الثقافية والفنية..؟ ̄ ̄ نعم.. لأننا ربطنا هذه التظاهرات بالشؤون الرسمية، في حين أن الأدب كان يجب أن يأخذ مجرى أخرا، يجب أن لا ننسى أننا أحيانا نضطر للتنقل والسفر والإقامة، وكلها أشياء أصبحت للأسف مرتبطة بالأمور المادية، وأحيانا نضطر للقبول بالتبادلات الثقافية، ولكن لا أعتقد أن الأمر حكر فقط على هذا الوضع، يمكن أن نقرأ، أن نتبادل الأفكار عن بعد وهو الأهم، أظننا بحاجة لإعادة النظر في صياغة علاقتنا مع بعض أي بين الأدباء والكتاب العرب. ̄ انتقدتم بعض التظاهرات الثقافية لدول عربية، وتطرقتم بالخصوص إلى عكاظية الشعر الشعبي في الجزائر، والتي قلتم عنها إنها مجزرة في حق الشاعر.. ما تعليقكم؟ ̄ ̄ نعم صرحت بذلك سنة 2008 ونسيت القضية، وأتمنى أن لا نفتح الموضوع ثانية، العكاظية عرفت أحداثا من دون قصد، وكتبت مقالا وقد مضى الزمن، ولا أريد أن نعود لنتوقف عنده. ̄ إذن، ما الذي قدمته الجزائر لإسكندر حبش كشاعر؟ ̄ ̄ علاقتي مع الجزائر ليست فقط علاقة أدبية، زرت هذا البلد مرارا وتكرارا، فأنا عشت وسط عائلة تهتم كثيرا بالسياسة والنضال، ووعيت منذ صغري على الثورة الجزائرية، لذلك علاقتي بالجزائر تعود إلى زمن مضى منذ أن كنت طفلا، حيث أنها تشكل جزءا من وجداني وأفكاري وعواطفي، فيما بعد بدأت أحضر إلى الجزائر وتشكلت لدي علاقات عديدة ومن خلالها أقمت علاقات أدبية. ولا مرة حضرت إلى الجزائر وأحسست فيها أنني غريب، بالعكس أحس أنني في بلدي وسط أصدقائي، علاقتي بالجزائر غريبة أحب زيارتها بعيدا عن الأدب والشعر والنشاطات. ̄ قلتم إن الجزائر تشكل جزءا من وجدانكم وأفكاركم وعواطفكم، هل احتل هذا البلد مكانة بين قصائدكم؟ ̄ ̄ هناك نصوص داخلي، وعندي كتاب سيصدر قريبا يحمل نصا طويلا عن الجزائر عبارة عن فصل كامل عن علاقتي بها، وهو كتاب سردي وليس شعري. ̄ كيف تقيمون واقع الشعر في الوطن العربي؟ ̄ ̄ أعتقد أنه بخير، اليوم هناك الكثير من الأسماء الجديدة ربما أكثر من الجيل السابق، لا أظن أن هناك أزمة في الكتابة العربية، بل بالعكس، اليوم هناك تفتح على هذه الكتابة، أدب جديد وجميل يمتد على طول الوطن العربي، أنا لست مع الأفكار التي تقول أن الأدب في أزمة، هناك ربما أزمة قراء لأنهم تعودوا عل نمط معين من الكتابة والأدب، حاليا هناك أدب جديد سيأتي أوانه ليزدهر أكثر . ̄ كلامكم دليل على أن هناك أزمة في المقروئية في الوطن العربي؟ ̄ ̄ علينا أن لا ننسى أن الوطن العربي يعاني من نسبة عالية في الأمية، وهذا يؤثر على القراءة وعلى كل شيء. ̄ ما هي مشاريعكم المستقبلية، وهل ستكتبون عن الثورات التي تشهدها حاليا عدد من الدول العربية؟ ̄ ̄ لا أعرف إن كنت سأكتب عنها أو لا. عندي مجموعة شعرية ستصدر هذا العام، وهناك كتاب سردي يضم مجموعة من رحلاتي إلى عدد من البلدان منها الجزائر، كما أن هناك مشاريع في الأفق لكن عن ماذا سأكتب لا أعرف. ̄ كلمة أخيرة ̄ ̄ شكرا لدعوة الجزائر، سأعود إليها قريبا وأعتقد أنه في بداية العام المقبل.