أثار الارتفاع الجنوني لأسعار الإسمنت حالة من الهيستريا بين تجار التجزئة والمقاولين وأصحاب المشاريع الخاصة وهو ما يؤثر سلبا على وتيرة المشاريع التنموية الجارية بولايتي الشلف وعين الدفلى. وقد أرجع المختصون هذه الوضعية للعطب الذي أصاب البساط الرئيسي الرابط بين المحجرة ومصنع الإسمنت الذي يمون أزيد من 13 ولاية على المستوى الوطني، في وقت لم تحقق فيه هذه المؤسسة منذ عامين السقف الذي حددته لإنتاج هذه المادة وذلك بفعل النقائص التي يعاني منها المصنع، حسب ما توصلت إليه ''الشعب'' من خلال تصريحات مسؤوليها في جولتها الاستطلاعية بعين المكان. الرهان الاقتصادي المستمد من المؤشرات الصادرة عن مؤسسة الإسمنت بالشلف تعاكس حركة سوق الاسمنت الذي يحمل انعكاسات على واقع المشاريع التنموية وحركة التسويق والمعاملة التجارية داخل إقليم ولايتي الشلف وعين الدفلى على ضوء الارتفاع الجنوني للأسعار الذي أحدث اضطرابا في اقتناء هذه المادة، حسب السعر القانوني الذي مازال غائبا لدى الموزعين وتجار التجزئة على مستوى 71 بلدية بالناحيتين. التهاب أسعار مادة الاسمنت صار مطروحا بحدة خلال هذه الأيام ببلديات الشلف وعين الدفلى، حيث سجل سعر الكيس الواحد بين 500 و550 د.ج لدى تجار التجزئة والموزعين. ويعترف به هؤلاء في تصريحات ل ''الشعب''، رافضين الكشف عن أسمائهم خشية أي متابعة أمثال (ل. م.) من الشلف و(ك.ح.) من عين الدفلى. حسب معاينتنا لبعض التجار ونقاط عديدة لبيع هذه المادة، سجلنا تذمرا شديدا من الوضعية التجارية التي أصابت عملية التسويق غير المضبوطة بفعل المضاربة المحتدمة من أناس يجرون وراء الربح السهل السريع دون واعز ضمير وأخلاقيات مهنة واحترام دفاتر الشروط. حسب المواطنين ( أحمد - ع.) و(قدور- ك.) و( محمد- س.) من بلديات حرشون والكريمية وبني بوعتاب وهي مناطق نائية بولاية الشلف، فإن الوضعية غير مقبولة بالمرة وتستدعي التحرك لإعادة التوازن للسوق الملتهب والمضطرب. ذات الصرخة أطلقها كل من (ص. - جمال) و(عيسى- ف.) و(علي - ط.) من مناطق العطاف والروينة وخميس مليانة بولاية عين الدفلى، حيث أكد لنا هؤلاء أن الظروف القاسية هي التي فرضت عليهم اقتناء مادة الاسمنت بالأسعار المرتفعة التي تفوق سعرها الأصلي بمرات لإتمام مشاريعهم. لكن آخرون عجزوا عن شرائها لإنجاز مشاريعهم، الأمر الذي أثار الشلل وتوقف الأشغال لدى العديد منهم، خاصة أصحاب المشاريع الخاصة والبناء الريفي، وحتى المقاولات الصغيرة المتمركزة بالمناطق النائية تضررت من الوضعية، أين صارت كلفة النقل فقط في مستوى لا يطاق. ومن جهة أخرى، طالب هؤلاء الجهات المعنية والمصالح المختصة بمراقبة الوضعية وكذا الحركة التجارية التي صارت في قبضة السماسرة والوسطاء الذين يتلاعبون، بل يبتزون جيوب المواطنين في غياب الوسائل الردعية والقانونية لتنظيم السوق، على حد قول المقاول ( فاروق - س.). يحدث هذا في وقت أشار فيه المدير العام لمصنع الإسمنت بالشلف أمحمد كتران أن أسعار البيع مازالت على حالها ولم تتغير بتاتا، وهو ما التمسه الزبائن والمقاولون والموزعون ووحدات التوزيع بالشلف وعين الدفلى وغيرها من الجهات بالولايات المجاورة التي تقتني هذه المادة من المصنع المذكور بالمنطقة، يقول ذات المسؤول الأول بالشركة. أما رد فعل هؤلاء الموزعين، فسرعان ما يرجعونه إلى غلاء أسعارها عند والوسطاء والوكلاء ''الأمر لا نتحكم فيه نحن، نحافظ على هامش الربح وفقط''، هكذا تتلاقى تصريحاتهم حول مسألة الارتفاع الرهيب في هذه المادة. فيما يشير بعض الغاضبين من المواطنين أمثال عيسى وجمال الذين هم على دراية بالوضع إلى طرح آخر وهو نقيض ما صرح به هؤلاء، متسائلين كيف يمكن بيع مادة الاسمنت بسعر مرتفع في أمكنة غير بعيدة عن المصنع ذاته. تدخل أحدهم بغضب بالقول: ''السعر خارج المصنع بأمتار معدودة ينتقل من 12 مليون سنتيم للكمية قدرها 20 طن داخل المصنع إلى 20 مليون سنتيم خارج المؤسسة. أليس هذا نهب وسمسرة يدفع فاتورتها مئات المواطنين بلا وجه حق، وهم من الذين يلهتون وراء بناء مسكن أو تحقيق مشروع اقتصادي أو اجتماعي وأصحاب الشاحنات على دراية بذلك''. هذا وقد أجمع هؤلاء على تشديد الرقابة الفجائية والأحكام القضائية الصارمة لردع هؤلاء الانتهازيين أو ما يعرف بمصاصي الدماء. في ظل هذه المعطيات التي يتخبط فيها سوق الإسمنت والفاعلون فيه، لم يتوان المدير العام للمؤسسة الذي نقلنا إليه هذا الانشغال الذي كانت ''الشعب'' سباقة للإحاطة بكل تفاصيله ومعطياته الحالية، في التأكيد لنا قائلا: ''إن أسعارنا لم تتغير بل مازالت محافظة على سعرها المرجعي رغم التكلفة التي ندفعها لإنتاج هذه المادة، فالتعطل الذي مس البساط لم يؤثر على الوضعية التي يثار بشأنها جدلا وانتقادا وسخطا''. وواصل مسؤول المؤسسة في الكشف عن التفاصيل منهيا المضاربة الكلامية: ''كان للمؤسسة الكمية اللازمة من ''الكنكار'' بكمية تفوق 16 ألف طن احتياطا، أما ما هو مخزن، فهو محدد ب 33552 طن''. أما بخصوص عمليات البيع ومن يتحكم فيها وكيف تصل الأسعار إلى درجة من الالتهاب القصوى، أجاب المدير العام السيد كتران أن الإنتاج مستمر والكمية المسطرة المبرمجة تم بيعها في وقتها ودون تأخير، حيث وصلت عملية البيع إلى 91463 طن منذ 19 نوفمبر الى يومنا هذا، معتبرا أن مؤسسته مسؤولة على السعر داخل المصنع وليس خارجه، فهناك جهات أخرى تتكفل بعملية المراقبة رغم التنبيه لأخطارها. وبالمقابل اعترف المدير العام لمؤسسة الإسمنت بالشلف بعدم تحقيق السقف الذي تم تحديده في عملية الإنتاج، لأسباب تقنية بحتة، حيث لم يتعد الإنتاج 2 ملايين و200 طن وهذا خلال سنة 2009، يشير محدثنا. تبقى الإشارة إلى أن الطموح كان دائما الوصول إلى 2 ملايين و400 طن سنويا في إنتاج الاسمنت لتلبية الطلب المتزايد في ولايتي الشلف وعين الدفلى وغيرها المتحولة إلى ورشة بناء كبرى. الشيء هذا لم يتحقق لحد الساعة، حسب مدير معمل الإسمنت، بسبب مشاكل في التسيير وإحالة كثير من الإطارات على التقاعد وهجرة بعضها إلى مؤسسات أجنبية ضمن المشاريع الاستثمارية التي عرفها قطاع الصناعة بالبلاد. ويظهر التحقيق الميداني حول عودة التهاب أسعار الاسمنت بهذه المنطقة الكثير من الاختلال في توزيع هذه المادة الحيوية التي تسلل إلى سوقها مضاربون فرضوا الاحتكار بإملاء شروطهم على مقتنيها، ضاربين القانون عرض الحائط غير متخوفين من المتابعة القانونية من أهل الرقابة وآليات الضبط. مع ذلك لا يمكن نكران ما تقوم به مؤسسة الاسمنت من دور في تمويل الاحتياجات بمادة الاسمنت وما له من ايجابية على واقع التنمية بولايتي الشلف وعين الدفلى والولايات التي تتعامل معها. لكن ما وصل إليه المصنع منذ سنوات من الإنتاج والظروف التي مر بها على مستوى تسيير وعمليات الصيانة والتجديد الجزئي، مقابل التحديات والرهانات التي يتطلع إليها، يفرض على القائمين على المؤسسة تطبيق مقولة ''تجدد أو تمدد، أو تبدد''. إنه شعار يفرض نفسه بعد تسجيل قدم الآلات بهذا المصنع، فماذا سجل في هذا المجال وأي استثمارات تقررت للنهوض بالإنتاج إلى أبعد مستوى ولما لا أعلاه والذي ينهي المضاربة أو يقلل من حدتها على الأقل. عن هذه الأسئلة يجيب المدير العام السيد أمحمد كتران بالقول: '' هناك استثمارات ضخمة، نعتزم القيام بها بعد الوضعية التي أصبح عليها المصنع، حيث سنشرع في إعادة تجديد التجهيزات القديمة ضمن الأشغال الكبرى خلال 2012، وهذا بتغيير البساط والأفران التي تعد العمود الفقري للمصنع، لتحقيق الرهانات المستقبلية وضمان مكان في السوق التنافسية الشرسة التي يعرفها سوق الإسمنت الحالي''.