حالة من الإستنفار القصوى تعيشها التشكيلات السياسية القديمة والجديدة على حدّ سواء.. وزادت وتيرتها النصوص التشريعية المصادق عليها المشددة على تهيئة المناخ للممارسة السياسية التعددية المفتوحة على الحساسيات بلا حدود، عدا حدود المصداقية والنجاعة.. من هذه الأرضية التي تضاف إلى تطمينات من أعلى قمة الهرم السياسي، بالذهاب إلى الأبعد في ترسيخ الديمقراطية الحقة وليست ديمقراطية الواجهة، تحركت الأحزاب التقليدية والجديدة قيد التأسيس في الإلتقاء بإطاراتها ومناضليها لشحن الإرادة السياسية في التغيير، والكشف عن برنامج تراهن عليه في جلب مواطن منهك بالهموم والمشاكل والوعود التي لم تنفذ.. بعض الأحزاب تحركت باتجاه الجزائر العميقة لإظهار أنها الأكثر حرصا على حمل انشغالات قاعدة تغلي كالبركان.. وأخرى فضلت المدن الساحلية الأكثر كثافة، اعتقادا راسخا أنها أكبر التجمعات المراهن عليها في كسب الأصوات. ورغم الطيف السياسي واللون والشكل تتفق الأحزاب على قاعدة واحدة، وتنطلق من قاسم مشترك. ويتمثل في التأكيد أنها لم تدخل الساحة لاضافة رقم لتعداد التشكيلات السياسية، ولإحداث تراكم في العمل الحزبي، لكن للمساهمة في إثراء المشهد السياسي الذي يعاد تشكيله على أنقاض حقبة طويلة من التجربة التعددية التي وإن حملت تناقضات، وفجوات، تبقى المنطلق نحو الأحسن والأفيد. والتحدي الكبير الذي يعترف به الجميع، كيف السبيل لإقناع مواطن عاش على وعود لم تطبق.. يُتذكر فقط أثناء المواطم الانتخابية، ويترك لشأنه غرقا في المآسي والأزمات.. التحدي الكبير الذي يتوجب رفعه لإعادة الربط مع المواطن، ومدّ جسور تواصل واتصال معه، يكمن في كيفية ضبط برنامج حزبي، يكون خارطة طريق للمواعيد الاستحقاقية المقبلة التي تشكل التشريعيات أولى محطتها الفاصلة الحاسمة. التحدي الكبير يكمن في كيفية ضبط برنامج يشكل بحق نقلة نوعية في الممارسة التعددية التي تتجادل فيها الأحزاب دون استثناء بالتي هي أفيد وأكثر حملا لهموم المواطن ومتطلبات وطن. وبهذا المعيار، يتحقق التحول.. ويظهر للمشككين بأن الطبقة السياسية التي رفعت شعار التغيير، ذاهبة إلى الأبعد في إحداث القطيعة مع مرحلة عابرة، ليست سوداوية كلها بالمطلق.. لكن تحمل في طياتها مؤشرات خلل، تفرض التعديل بقرار داخلي آمر طارئ، بعيدا عن انتظار ما يأتي من الخارج.