شكّل مهرجان الإبل ''آمني 2012'' المنظم بولاية تمنراست خلال الفترة الممتدة من 15 إلى 17 فيفري الجاري، مناسبة لالتقاء مئات مربي الإبل للتعريف بالجهود الكبيرة التي يبذلونها في إطار تطوير نشاط تربية المواشي، وفضاء للفت انتباه السلطات إلى واقع الجمل بالجنوب الكبير، من أجل بحث سبل المحافظة على هذه الثروة الحيوانية التي تعد أحد العناصر الأساسية للحياة الاجتماعية والاقتصادية لسكان الصحراء الجزائرية. شاركت، ''الشعب'' سكان تمنراست وولايات الجنوب الكبير، فرحة الاحتفال بالمهرجان، حيث تنقلت رفقة الوفد الوزاري إلى المنطقة، في رحلة استعجالية، دامت أقل من 24 ساعة، تمنينا لو امتدت لساعات أخرى كي نتعرف أكثر، على التحديات التي يواجهها سكان الجنوب الكبير، ونبرزها بشكل أفضل لتكون بمثابة رسالة أمل، وقوة لكافة أفراد المجتمع الجزائري حتى يستلهموا من تجربة ''التوارق'' في الصبر، والتحمل، والقدرة على العطاء في أحلك الظروف. ''أمني ناميس'' أو لقاء الجمل ..إحياء الماضي لازدهار المستقبل لم نكن نعرف شيئا عن التظاهرة من قبل، كما أن برنامج الزيارة إلى ولاية تمنراست كنا نجهله، فكل ما أخبرنا به من طرف خلية الإعلام لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية هو موعد السفر إلى عاصمة الأهقار، ومدة الزيارة، لكن بمجرد اطلاعنا على بيان وزعه المكلف بالاتصال جمال برشيش على ممثلي وسائل الإعلام لحظات قليلة قبل سفرنا، حتى تضاعف فضولنا وازداد شوقنا لحضور الحدث، كيف لا وهو يخص الاحتفال بالإبل هذا الحيوان المبدع والأسطوري، الذي يعد رمزا عند مجتمع التوارق، كما يمثل ثقافة وهوية تجذرت منذ قرون في الذاكرة الشعبية لسكان الصحراء وفي تاريخ بلادنا. الطبعة الثانية لمهرجان الإبل حملت شعار الجمل تراث السلف وآفاق الخلف، وحسب والي ولاية تمنراست التظاهرة تعرف عند التوارق باسم ''أمني ناميس'' والتي تعني باللغة العربية لقاء أو موعد الجمل، وقد تحولت منذ 2011 تاريخ بداية الاحتفال بعيد الجمل، إلى موعد يرفض سكان تمنراست، وولايات الجنوب الكبير والتل تفويته، فهي مناسبة سانحة لاستعراض ما ورثوه عن الأجداد في مجال تربية المواشي، والصناعات التقليدية المرتبطة به، والاحتكاك مع مربي الولايات الأخرى لتبادل التجارب والخبرات، لبناء شراكة مثمرة، وفرصة لطرح انشغالاتهم ومشاكلهم على السلطات الوصية، ومسؤولي القطاعات التي لها علاقة بترقية هذا النشاط. ولأجل إنجاح هذه التظاهرة، تزينت منطقة ''تلانفزا'' بوادي ''تينترابين'' بإقليم بلدية ''طازروك'' التي تبعد بحوالي 220 كيلومتر عن مقر ولاية تمنراست، والقريبة من دول الجوار، النيجر، وليبيا، بأبهى الحلل، حيث ضاعف جمالها رزم نبات الألوات التي يفضل تناولها الجمل، وصنعت الخيم المصنوعة من جلود الإبل، ديكورا جذابا زادتها الحلي واللباس الصحراوي، والصناعات التقليدية التي اجتهدت أنامل الصحراويات في حياكتها روعة وبهاء، دون نسيان سفينة الصحراء التي بدت لنا تتهادى وسط اخضرار جميل صنعته الأعشاب الصحراوية بالوادي. ولم تقتصر المشاركة في هذه التظاهرة، على سكان تمنراست فقط بل جاءها قاصدا كل مربي للإبل من ولايات إيليزي، و غرداية، وورقلة، و أدرار، حيث اجتهد كل واحد منهم في إبراز الجهود التي يقوم بها في مجال تربية الإبل، وإظهار قطيعه في أبهى منظر، حتى يستطيع الفوز بالجائزة التي خصصتها السلطات العليا في البلاد للمشاركين في أمني 2012. وأعرب العديد من مربي الإبل ل ''الشعب'' بالمناسبة عن ارتياحهم للمشاركة في هذا الموعد الذي يتكرر كل سنة فقط، وقد اعتبر رئيس جمعية قوبرات الذياب لتربية المواشي والإبل، ببلدية فقارة الزوى بودواي بوحوس التظاهرة فرصة للتعريف بنشاط تربية الإبل، ومناسبة لإحياء ماضي الأجداد لازدهار مستقبل الأبناء والأحفاد، فكما قال الجمل هو العنصر الأساسي للصحراويين والذي لا يملك جمل، أو ناقة ليس له أي شيء في الحياة. ويضيف باعتزاز، نحن أولاد لبيض سيدي الشيخ، نفتخر بمهنتنا وبالعادات التي ورثناها من الأجداد فخيمة أولاد سيدي الشيخ المعروفة بالسلم والأمان والضيافة والكرم، تظل منتصبة ومفتوحة لأي زائر يبحث عن النوم هادئ والمقام المريح هكذا علمنا أبائنا وهكذا سنعلم أولادنا. جهود ترقية الثورة الحيوانية غير كافية بقدر ما كانت التظاهرة فرجة وفسحة للزائرين، بقدر ما كانت موعدا هاما لمربي الإبل، لطرح انشغالاتهم ومشاكلهم على السلطات الوصية، لإيجاد مخرجا لها، خاصة وأن وزير الفلاحة والتنمية الريفية رشيد بن عيسى، حل في اليوم الثاني من المهرجان وهو مرفوقا بالرئيس المدير العام لمؤسسة سوناطراك، ومدير عام المحروقات بوزارة الطاقة والمناجم، ورئيس الغرفة الوطنية للفلاحة وإطارات من القطاع. وبوسط خيمة كبيرة نصبت بالقرب من وادي تينترابين، أقر جميع المشاركين في التظاهرة، بالمجهودات التي تقوم بها الدولة من أجل المحافظة على هذه الثروة الحيوانية وترقية نشاط تربيتها، لاسيما العمليات الموجهة لمرافقة ودعم المربين على غرار توزيع مادة الشعير مجانا، غير أنهم اعتبروها غير كافية لأن حفر الآبار الرعوية لإرواء المواشي المشروع الذي وعد المسؤولون بإنجازه السنة الماضية لم ير النور بعد، ما هو ما بات يهدد 110 ألف رأس إبل بالهلاك، خاصة مع استمرار موسم القحط والجفاف. وطالب أغلب المربين، بحفر أبار في أماكن توفر أكل الإبل حتى لا يضطرون إلى قطع مسافات بعيدة للبحث عن مشارب لماشيتهم وقت الجفاف، وبالتالي حمايتها من الهلاك. وأشار أحد الموالين، إلى أن السلطات العمومية وعدت بإنجاز 70 حاسي أو بئر السنة الماضية، غير أن هذا الوعد لم يتحقق وظل مجرد حبر على ورق إلى غاية اليوم، وتساءل كيف لمربي الإبل في مناطق صعبة أن يطور نشاطه، وهو يضطر إلى كراء صهاريج من خواص بولاية برج بوعريريج ونقلها إلى أقصى منطقة بالجنوب الكبير. وقال فلاح من منطقة أيدلس، إن وجود العديد من المشاكل بهذه المنطقة لا يعني أن الدولة لم تعطنا أو توفر لنا أي شيء، ولكن فيه بعض النقائص نتمنى أن تعالجها، لافتا النظر إلى أن الأراضي الزراعية بمنطقة الأهقار لاسيما الواقعة على ضفاف الوديان تتعرض إلى الانجراف وهي بحاجة إلى حماية أكثر، كما أن سير مياه الوديان بسرعة يتطلب وضع حواجز لتمكين الفلاحين من استغلالها. وتحدث البعض الآخر، عن صعوبات باتوا يتكبدونها خلال نقل الماء إلى المناطق البعيدة، وطالبوا بمساعداتهم بوسائل نقل، وتخفيف إجراءات منح المازوت لهم، فيما دعا آخرين إلى مساعدتهم على تطوير هذا النشاط بإدخال المكننة في عملية إنتاج الحليب، وتحويل الجلود والوبر. واشتكى أحد الفلاحين، من البيروقراطية وعدم إيصال المعلومات للفلاحين، حيث أكد أن الإدارة لا تهتم بإطلاعهم بالدعم المخصص لهم، ناهيك عن كثرة الأوراق المتعلقة بملف الاستفادة من قرض الرفيق. مؤسسة الهندسة الريفية تؤجل فرحة المربين حمل مربو الإبل، المشاركين في اللقاء، المؤسسة الوطنية للهندسة الريفية مسؤولية تعطيل إنجاز المشاريع التي وعدت بها الدولة، لا سيما تلك المتعلقة بإنجاز آبار لسقي الماشية، سواء التقليدية، أو بآلات التنقيب. وأشار أحد المربين، إلى أن الدولة خصصت 227 مليار دينار جزائري لانجاز مشاريع خاصة بالقطاع الفلاحي بالمنطقة، غير أن انطلاق هذه المشاريع تأخر كثيرا وشركة الهندسة الريفية من يتحمل هذا التأخير. وطالب من وزير الفلاحة بصفته المسؤول الأول عن القطاع، بالضغط على هذه المؤسسة لمواصلة أشغال إنجاز الآبار، أو تسليم المشروع لجهة أخرى حتى لا يبقى المربي من يدفع ثمن تأخير إنجاز المشاريع. وأوضح مقاول، كلف بإنجاز 6 أحواض بالمنطقة، أن أوامر أتته من المؤسسة تطالبه بتوقيف إنجاز الثلاثة آبار المتبقية، لأن الميزانية لا تكفي لإكمال المشروع، علما أن الحوض الواحد يكلف 70 مليون سنيتم، وهو ما جعله يتساءل إذا كان بإمكانه اليوم أن يواصل انجاز المشروع أو يتوقف. وبغرض تدارك التأخر الفادح في إنجاز الآبار الرعوية، قررت وزارة الطاقة والمناجم استنادا إلى الرئيس المدير العام لمجمع سوناطراك عبد الحميد زرقين التدخل، لمساعدة مربي الإبل بالمناطق التي تشهد جفافا، وذلك عن طريق إمدادهم بثلاث شاحنات مزودة بصهاريج كبيرة لملئ خزانات المياه إلى غاية شهر أكتوبر المقبل، كما تعهد بالمشاركة في حفر الآبار، وإمدادهم بالخيم وتسريع عملية ربط المناطق الريفية بالكهرباء. وقام بمناسبة تنظيم التظاهرة بتوزيع 16 فرن للطبخ تشتغل بالطاقة الشمسية لفائدة عائلات البدو الرحل المشاركة في هذه التظاهرة. أكد وزير الفلاحة والتنمية الريفية رشيد بن عيسى، بعد استماعه لانشغالات المربين أن مصالح دائرته الوزارية، والحكومة مقتنعتان بمرافقة الفلاحين في الجنوب، لتطوير وتحسين وضعية المراعي لضمان المحافظة على ثروة الإبل بالمناطق الصحراوية. ووعد بن عيسى بحل جميع تلك المشاكل والانشغالات المطروحة عن طريق الحوار، ما بين الإداريين والتقنيين، وجميع الفاعلين في الميدان. وشدّد وهو يخاطب الفلاحين ومربي الإبل، على أن الحل في اتحادهم، وفي التفافهم حول برنامج الوزارة الذي يهدف إلى تنظيم الأماكن الرعوية. وأعطى توجيهات، للإدارة بالتنسيق والتشاور مع أهل المنطقة لتحديد الأماكن التي ينبغي حفر الآبار فيها، وأعرب عن أمله في انجاز آبار كبيرة حتى تكون أداة استقرار وأمن في هذه المناطق. وبخصوص الانشغالات المتعلقة بتوفير الحبوب والأسمدة، أعلن وزير الفلاحة عن فتح فرعين لتعاونية الحبوب والبقول الجافة في كل من تمنراست وعين صالح وذلك بغرض تقريب مصادر التموين بالبذور وأغذية الأنعام من المربين سيما منها مادة الشعير، فيما وعد بحل مشكل الدواء في أقرب الآجال. وتم بالمناسبة، توزيع 1500 ألف قنطار من الشعير بقيمة مالية تقدر ب250 مليون دينار على المربين المشاركين في التظاهرة حسب عمر ولد غزالي مرشد فلاحي، علما أن وزارة الفلاحة كانت قد وزعت خلال موسم 2011 2012 85 ألف قنطار من الشعير على أكثر من 3 آلاف مربي تضرر من الجفاف الذي ضرب المنطقة.