فرضت الدبلوماسية نفسها في المحيطين الإقليمي والدولي المتغيرين، معيدة للجزائر دورها الريادي في تسوية النزاعات والأزمات سلميا بعيدا عن لغة السلاح والتهديدات. تظهر هذه الديناميكية، التي أعادت البلاد إلى واجهة الأحداث بعد غياب طويل، من خلال مخطط عمل الحكومة المستند إلى البرنامج الرئاسي، المشدد على إعطاء السياسة الخارجية استباقية واستشرافا مرحبا به من مختلف الفاعلين في المشهد الدولي وبالخصوص الأطراف المتنازعة التي تدرك جيدا ثقل الجزائر ومصداقيتها في التعاطي مع القضايا الساخنة متخذة من مبادئ ثابتة، مرجعية لها بعيدا عن حسابات الربح والخسارة. اتضح هذا جيدا في التزامات الرئيس تبون، الذي رافع أكثر من مرة من أجل سياسة خارجية أكثر واقعية في تكيفها مع المتغيرات، تراجع الأهداف والمهام الكلاسيكية للدبلوماسية الجزائرية في علاقاتها الثنائية والمتعددة. هذا التوجه أعطى ثقة أكبر للجزائر التي يتوافد عليها قادة دول ورؤساء حكومات، في مسعى تعزيز علاقات التعاون الثنائي وتوسيع الشراكة معها إلى مجالات حيوية تتطلبها المصالح وتفرضها المتغيرات. ظهر هذا، أمس، خلال زيارة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للجزائر، حيث تأكد خلالها وجود التوافق التام بين البلدين حول قضايا خاصة بالعالم العربي وأخرى دولية. كما ظهر هذا الموقف خلال زيارات سابقة لقادة دول لهم قناعة كبيرة في الجزائر الجديدة التي نجحت في إدارة أزمتها بطريقتها وانطلقت بتحدّ نحو استعادة موقعها المتميز في الخارطة الجيو سياسية الإقليمية والدولية لتكون لها كلمة وصوت في علاج بؤر توتر بالتي هي أحسن دون تصعيد ومغامرة. توجه الدبلوماسية الجزائرية الجديد وسعيها للعب الأدوار الأولى، ينطلق من أرضية إصلاحات شرع فيها وطنيا، لاستكمال بناء الدولة الحديثة، كانت مراجعة الدستور في أول محطة من ورشاتها الكبرى، متبوعة بتعديل القانون الانتخابي الذي يشدد على معايير بديلة للمترشحين للمجالس المحلية والوطنية، يعول عليها في إبراز جيل جديد من الكفاءات الوطنية تُسند لهم مسؤولية إدارة شؤون الرعية بأمانة، وتسيير الجماعات المحلية بنزاهة يراهن عليها كثيرا في استعادة ثقة المواطن المهتزة وتصحيح معادلة البناء الوطني لن يكون فيه مكان للمال الفاسد. إنها إصلاحات تحظى بمتابعة دول كثيرة لها ثقلها في العلاقات الدولية، تتطلع إلى ترسيخ علاقات متينة مع الجزائر التي قررت إصلاحا شاملا للدولة بكل فروعها ومؤسساتها الجمهورية، معلنة القطيعة مع ممارسات سابقة طغت فيها الشخصنة على إدارة الحكم، وما أحدثته من انحراف وتجاوزات تم معالجتها بقرار سياسي وخيارات صبت في أخلقة السياسة والحكم الراشد والديمقراطية التي تجعل المواطن شريكا كاملا في ضبط البرامج والمشاريع دون إبقائه ورقة انتخابية عابرة.