جاء الإنقلاب العسكري الذي أعلنته مجموعة من العسكريين في عاصمة مالي باماكو والإطاحة بالرئيس "أمادو توماني توري" بمبرر ضعفه واخفاقه في إدارة شؤون البلاد وتسيير أزماتها الكبيرة، ليزيد وضع هذه الدولة الفقيرة التي تعيش على خط النار، خطورة وعدم إستقرار، خاصة وهي تواجه تمردا مسلحا للأزواد الذين يتطلعون إلى الاستقلال وتأسيس دولتهم لتمتد من تمبكتو إلى كيدال في الشمال والشمال الشرقي. لقد استيقظت دولة مالي فجر الخميس على وقع انقلاب عسكري زاد خلط الأوراق التي هي في الأصل مختلطة نتيجة ما تعيشه هذه الدولة من مصاعب اقتصادية واجتماعية رهنت نصف السكان البالغ عددهم نحو 15 مليون نسمة تحت خط الفقر، وجعلتهم يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، وأيضا نتيجة ما تواجهه من تحديات خطيرة في الشمال، سواء تعلق الأمر بتنظيم القاعدة الذي غرس قواعده بفعل فاعل، في الساحل الافريقي لضرب أمنه أو بحركات الأزواد التي حققت في الشهرين الماضيين ما لم تحققه منذ بدء تمردها عام 1963 من انتصارات فقد بسطت سيطرتها على عدة مدن "كتيسا ليت" و"أغيلهوك" و"ميناكا" التي تضم أكبر وأهم معسكرات الجيش المالي الذي كبّدته خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد ووضعته في موضع المهزوم، الأمر الذي دفع بالإنقلابيين حسب قولهم إلى شنّ حركتهم لاستعادة زمام المبادرة، بعد أن عجز توري عن إعادة الاستقرار إلى الشمال وإبعاد شبح التقسيم الذي أصبح يخيّم عليه. لقد أعلن الانقلابيون من مالي حلّ مؤسسات الجمهورية وأغلقوا الحدود وأدخلوا الدولة في حالة من التوتر والغموض، وهي التي قطعت أشواطا هامة في بنائها الديمقراطي الذي بدأته عام 1992، وكانت تستعد بعد أسابيع لموعد انتخابي يقر التعددية ويقوم عليها. ومع شحّ المعلومات الصادرة عن الانقلابيين، الذين اكتفوا ببيانهم المقتضب الفقير، الذي أشار إلى عجز الرئيس عن مواجهة الانفصاليين في الشمال، دون تحديد رزنامة لنقل السلطة إلى حكم مدني جديد، بدأت التحليلات تتهاطل من هنا وهناك في محاولات قراءة المشهد المالي، وما يمكن أن تؤول إليه التطورات، خاصة في الشمال وإذا كانت بعض القراءات تحمل بين طياتها الكثير من الأمل والتفاؤل وتعتقد بأن القيادة الجديدة التي ستتمخض عن الإنقلاب قد تسلك طريق الحوار مع الأزواد بدل السلاح، وتسعى إلى تسوية تزيل فتيل الاقتتال الذي إشتد ضراوة مع عودة المقاتلين المدججين بأفتك أنواع الأسلحة، من ليبيا بعد أن كانوا في صفوف قوات القذافي، فان المتشائمين يعتقدون باستحالة تحقيق أي حوار أو حل سياسي من منطلق مطالب الأزواد التعجيزية والتي لا تترك أي خيار آخر غير الانفصال، الذي يعتبر بمثابة السكين الحادة التي ستمزق وحدة وأرض دولة مالي. ولا يرى هؤلاء بأن الأزواد ومن موقع القوة التي يتمتعون بها هذه الأيام، سيوافقون على حلول تعيدهم إلى المربع الأول، بل على العكس تماما سيستغلون الفراغ المؤسساتي، الذي أنتجه الانقلاب ليواصلوا زحفهم لبسط سيطرتهم على المزيد من الأراضي، مستفيدين من قواعدهم الخلفية أي من قبائل الطوارق المنتشرة في مجموع دول الساحل والتي تشكل قوة دعم يُحسب لها ألف حساب. المتشائمون يذهبون إلى أبعد من ذلك ليجزموا بأن ما تعيشه مالي من توتر واقتتال في الشمال هو نتيجة لمؤامرات خارجية لا تستهدف مالي وحدها بل مجموعة دول المنطقة برمتها لهز وضعها الأمني من خلال نشر عناصر القاعدة وإشاعة العنف والروح الانفصالية لدى الطوارق، وتوفير المبررات التي قد تدفع بالغرب إلى فرض تدخل عسكري، ومن خلال ذلك إقامة قواعد ترهن استقلال وثروات المنطقة. وفي انتظار ما ستشهده دولة مالي من تطورات يبقى على الاتحاد الافريقي أن يعزز جهوده لإعادة الأمن والإستقرار والحكم المدني إلى السلطة في "باماكو"، والدفع بمحاولات إيجاد تسوية تنهي حالة الحرب التي تعصف بشمال هذه الدولة التي دخلت مثلث الموت وأصبحت محصورة بين الفقر والقاعدة والانفصاليين، وبإمكان الجزائر أن تلعب دورا فاعلا باعتبارأن أمن وإستقرار مالي يُكمل أمنها واستقرارها.