'إذا أجبت عن سؤال أي مواطن أردني بأنك جزائري ستلقى معاملة كريمة تصل إلى حد شعورك بالإحراج، فتشعر وأنك تثقل على أهل الممكلة الهاشمية الأردنية لا لسبب سوى لمواقف الجزائر وشعبها تجاه الوطن العربي وقضاياه، كما أن الوقوف على معاناة اللاجئين الفلسطينيين ورغبتهم في العودة إلى أرض وطنهم والآلام التي يعانون منها جراء اغتصاب أرضهم وبلادهم، والتي يتفرجون عليها مثل السياح دون أن يستطيعوا دخولها...... تجعل الفرد يعتذر للوطن عن كل ما تسبب له من أضرار مادية ومعنوية، وتدفعك تلك المشاهد إلى مراجعة الكثير من الحسابات حول نظرتك لكل شيء في عالم طغت فيه الأنانية والخيانة وبيع كل شيء....». أقلعت طائرة الخطوط الجوية الجزائرية من مطار «هواري بومدين» باتجاه العاصمة الأردنية عمان، وحتى وإن كنت ذاهبا في إطار بحث علمي لاستكشاف التطور الذي عرفته الممكلة الهاشمية والاستفادة من المناهج الجديدة والمراجع القيمة التي شاعت شهرتها في مختلف ربوع الأرض، إلا أن الفضول الصحفي جعلنا نلاحظ الكثير من المشاهد ونشعر بالكثير من الأحاسيس التي رغبنا في أن ننقلها لقراء جريدة «الشعب». فزبائن تلك الرحلة كان معظمهم من الباحثين والدكاترة الجزائريين المتعودين على الذهاب إلى عمان أو المقبلين عليها لأول مرة، وكان الحديث في الطائرة شيقا عن أوضاع الجامعة في الجزائر والمشاكل التي تتخبط فيها وخيّم جوا من القلق عن مستقبل منابر العلم في الجزائر، وبين الجدية والانفعال وخدمات مضيفو ومضيفات الجوية الجزائرية جعلت الجميع لا يأبه بالاهتزازات التي كانت تتعرض لها طائرة البوينغ 737 / 800، حيث وصلت إلى ارتفاع 11 ألف متر وسرعة قاربت ألف كلم في الساعة. وراء الشكاوى حب دفين للجزائر
وسرعان ما غيرت الصحف والمجلات التي وزعت على المسافرين نقاشات الرأي العام بعد اطلاعهم على الانقلاب الذي عرفته مالي وبدأ الجميع يتدارس التبعات على الجزائر، وقال الباحث الجزائري كيحول بوزيد من جامعة غرداية. «إن ما يحدث في مالي يعني الجزائر التي حذرت من انعكاسات الأوضاع في ليبيا، وأضاف بأن المؤامرات من حبك الدول الغربية التي تسعى للتوغل في المنطقة ومنع المد الصيني»، وطمأن الأستاذ (ع/ع) تخصص شريعة إسلامية من جامعة الجزائر الجميع من خلال حديثه عن قدرة الجزائر وتجاربها في التعامل مع الأزمات وأضاف «إن زيارتي لعديد الدول جعلتني أتيقن من مكانة الجزائر، وتمكنها في العديد من المجالات وخاصة صيانة وحماية سيادتها»، ولمسنا بأن شكاوى الجزائريين اليومية من الضغوطات وتحميل الوطن كل شيء وراءه حب دفين كعلاقة الأم مع أبنائها. وتقاطع الجميع في احترافية الجيش الوطني الشعبي الذي يعتبر صمام الأمان وما صموده في سنوات الإرهاب وحفاظه على الجمهورية، إلا دليل على أنه أكثر المؤسسات انضباطا وواعيا بالرهانات والتحولات، وإلا لم يكن ليصبح مرجعا لأعتى القوى العسكرية في العالم التي تأتي للجزائر لتنهل من تجاربه في محاربة العنف الأعمى والإرهاب. وكانت جريدة ''الشعب'' حاضرة بقوة في الطائرة من خلال توزيع أعداد منها على المسافرين بحكم الاشتراك الذي يربط الجوية الجزائرية مع المؤسسة، وكشف الكثيرين عن مطالعتهم للجريدة عبر ''النات'' في ظل نقصها في الأكشاك وثمنوا كثيرا ندوات مركز «الشعب» للدراسات الإستراتيجية، التي تفتح الباب للمثقفين والباحثين لطرح أفكارهم ومناقشتها بكل حرية. وواصلت الطائرة طريقها نحو عمان في رحلة دامت 4 ساعات و45 دقيقة بالمرور على تونس ومالطا والسواحل الجنوبية لايطاليا، حيث تظهر لك الخريطة التي تبثها شاشة بالطائرة مدن كاتانيا ونابولي وباليرمو، لتمر بعدها إلى الجزر اليونانية، وتذكرت الحرب العالمية الثانية من خلال المرور على جزيرة «كريت» التي كانت آخر نقطة حررها الجيش السوفياتي من النازية والفاشية في 1945 . وواصل الطاقم الرحلة بقيادة السيد صابونجي بالمرور على قبرص ثم لبنان وسوريا لنحط الرحال بمطار الملكة علياء عند الساعة ليلا. عمان ....مدينة الأصالة والمعاصرة تتميّز عمان بجمال خاص يجعلها منفردة عن عديد العواصم العربية، حيث تقع على هضبة تتوسط الصحراء الدِنية ووادي الأردن الخصيب. وتمتاز بمناخ معتدل ويقطنها نصف سكان الأردن وتتوسط البلاد، حيث تعتبر أقرب نقطة لكل الجهات. وقد سافرت إلى عمان بنظرة مسبقة مشوقة ترسخت في ذهني بعد أن قرأت مقالا للمثقف أمين الزاوي، أين مدح عمان ونقل التحولات التي عرفتها منذ 20 سنة فقط من خلال حفاظها على أحيائها الشرقية القديمة والتكيف مع التحولات الهندسية في مجال البناء، حيث يلفت انتباهك الأبراج الزجاجية الشاهقة ومختلف الفنادق الفخمة التابعة لكبرى الشركات العالمية على غرار «المريوت» و«المريديان» و«الروايال». وتعجّ العاصمة بعدد كبير من السياح العرب والأجانب ودون الحديث عن سبب الإقبال الكبير، تأكدت من أن السلوك الحضاري للأردنيين وسهولة التأقلم والتكيّف معهم هو ما يجعل الأفراد يعشقون اّلأردن ويفكرون في العودة إليها مع أهاليهم. وما زاد في جمال «فيلاديلفيا» الاسم الذي كان يطلق على عمان في القديم هو تنوع الخدمات ووفرتها وتنافسية الأسعار فالحجز في فندق لا يتطلب أكثر من دقيقة، خاصة في وسط البلد «الأحياء القديمة» التي تعجّ بالتجارة والمطاعم والمكتبات وبائعي الذهب، خاصة على مستوى شارع الملك فيصل وشارع الحي الشرعي الذي ينتهي بمسجد الحسين. وتتراوح أسعار الفنادق المنتشرة بكثرة بين 8 دينارو50 دينارا أردنيا، أي ما يعادل 1500 دج و 7500 دج لليلة الواحدة، ولك أن تختار وفقا لقدراتك المالية. ولا تستغرب من كثرة منبهات المركبات، لأن أصحاب سيارات الأجرة يعرضون الخدمات على الراجلين، ولا يتطلب صعودك سيارة حديثا خاصا أو مفاوضات فالعداد هو الفاصل، وتنقسم سيارات الأجرة إلى مجموعات تابعة لشركات معينة «العبدلي/جبل عمان» وكل واحدة تنشط على خط معيّن وهو ما يعكس التنظيم وبعد نظر السلطات القائمة على النقل وتسيير العاصمة. بينما تعرض المطاعم الأكلات الشرقية التقليدية على غرار المتبل والفلافل والكفتة وغيرها من الأطباق التي لا تضاهي الذوق الجزائري حتى ولو كانت لذيذة. وتزدهر التجارة بالأردن من خلال انتشار محلات بيع المنتجات النسيجية والصناعات التقليدية والحلويات الشامية، وما يشد نظرك هو كثرة المكتبات التي تؤكد مكانة العلم والبحث العلمي في الأردن وتأثير العامل الثقافي على سلوك الفرد، وتصفحنا بعض العناوين. ولا تخلو المقاهي الأردنية التي ينشط بها فلسطينيين في الغالب من «الشيشة» أو «الأرقيلة» والشاي، وبالرغم من ديكورها العربي الشرقي، إلا أن انتشار شاشات التلفزيون العملاقة بات أمرا مشتركا، وكشف لنا «أبو مزمع» نادل بمقهى الحي الشرقي «بأن مباريات البارصا والريال تجلب زبائن كثيرين ويعتبرون مصدر دخل هام للمقهى». وهو ما يعكس التأثير الكبير لوسائل الإعلام على حياة الشباب العربي الذي بات مغتربا وتابعا لما تنشره مختلف وسائل الإعلام. وقال كمال وهو أحد التجار بالحي الشرقي،«إن العالم العربي اليوم منقسم بين الريال والبارصا في تشخيص مختصر، لكنه عميق لواقع العرب ويعكس مدى وعي الشباب بما يحيط بهم...». عندما يتفوق الدينار على الأورو والدولار
استفادت الأردن كثيرا من التحولات والأزمات التي عرفتها عديد الدول العربية، حيث كان للعدوان الأمريكي على العراق، تأثيرا بالغا على أثرياء العراق أين توجهوا للأردن بأموالهم واستثمروا هناك، وكانوا وراء التهاب أسعار العقارات وأغرقوا الأسواق بالدولار. ونفس الأمر مع الكثير من الفلسطينيين والسوريين الذين لم يجدوا إلا الأردن للاستثمار، كما أن تواجد كبرى الشركات العالمية ساهم في تطوير الاقتصاد الأردني الذي يرتكز على السياحة وبالنظر للتطور الذي يعرفه المجال الصحي في الأردن من خلال انتشار المستشفيات الخاصة على غرار مستشفى بغداد والأسراء وعمان، فقد استقطبت عشرات الآلآف من الليبيين المصابين جراء الأزمة الليبية، وهو ما ساهم في دعم الخزينة الأردنية بملايين الدولارات في صورة تؤكد سلامة الاقتصاد الأردني وسيره نحو إرساء تقاليد خدماتية من شأنها أن تنافس محروقات الخليج. وقد ساهم وفرة العملات الأجنبية في رفع قيمة الدينار الأردني الذي أصبح في قمة العملات ف 100 دولار تستبدل ب 70 دينارا أردنيا و100 أورو مقابل 93 دينارا أردنيا و100 دينار أردني ب 15 ألف دينار جزائري. ويعتبر الجزائريون زبائن بامتياز في الأردن من خلال صرفهم لأموال طائلة في السياحة والتجارة ومنهم من يجلب معه تأشيرة الدخول إلى الأراضي السعودية ويقوم بمناسك العمرة عن طريق الوكالات السياحية المنتشرة هناك والتي تعرض خدمات مغرية جدا، فمثلا رحلة نحو البتراء وخليج العقبة على مسافة 300 كلم ب 1500 دج جزائري وتشمل النقل في حافلات فخمة وبرنامج سياحي متنوع وعشاء، وقد ازدهرت السياحة المحلية هناك بفضل الإستراتيجية المسطرة من قبل السلطات الاردنية. وقد ساهم تدفق العملات الأجنبية بقوة في غلاء المعيشة على الطبقة الوسطى التي يتراوح معدل أجرها بين 250 و 300 دولار. وتنتشر بالأردن مكاتب تصريف العملات الأجنبية وهي معتمدة، وتنشط بشكل رسمي ومرتبطة مباشرة مع البورصات لتحديد سعر الصرف الذي يرتفع وينخفض في كل لحظة في صورة توحي بالتطور الكبير للأردن.