وكأن الأزمة الصحيّة التي سبّبها وباء كورونا وآثارها المدمّرة لم تكن كافية لتخلط أوراق وحسابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل خمسة أشهر من الانتخابات الرئاسة، حتى جاءت جريمة مقتل جورج فلويد على يد الشرطة وما أنتجته من غضب شعبي لتزيد متاعبه وتحاصر حظوظه في انتزاع ولاية ثانية . في المنعرج الحاسم، ودون مقدّمات أوسابق إنذار اصطدم الرئيس ترامب بأزمتين مختلفتين، الواحدة أسوأ وأصعب من الأخرى، الأولى سبّبها فيروس مجهري هدّم النجاحات الاقتصادية التي حقّقها خلال سنوات حكمه الماضية والتي كان يراهن عليها لتمديد سلطته إلى غاية 2024، والثانية أنتجها فيروس العنصرية غير المستجدّ الذي ظلّ لقرون ينخر المجتمع الأمريكي ويزرع بين جنباته بذور الفرقة والانقسام،وقد كان بالإمكان أن لا تأخذ الأزمتين مثل هذا المنحنى التصعيدي لوأن ترامب أحسن التعامل معهما،ولوأن معارضي الرئيس ومنافسيه الى البيت الأبيض لم يستغلوهما لقلب كل شيء ضدّه، وهكذا هي السياسة وصراعاتها لا تترك شيئاً دون أن تستغله ولوببشاعة إن اقتضى الأمر. لقد تعرّض الرئيس ترامب لانتقادات كثيرة بسبب اخفاقه في معالجة الأزمة الصحية التي جعلت أمريكا البلد الأكثر تضررا من جائحة «كوفيد 19»، إن كان على صعيد الإصابات أوعلى صعيد الوفيات، وتضاعفت متاعبه بعد أن عجز عن امتصاص الغضب الشعبي الذي تفجّر احتجاجا على مقتل المواطن من أصول أفريقية جورج فلويد، لكن إذا كان العالم كلّه يجمع على أن إخفاقه في إدارة أزمة كورونا وعجزه عن تهدئة الحشود الغاضبة هوالذي يرفع منسوب التوتر في أمريكا، فالواقع يشير أيضا إلى أنّ ما يجري في أقوى دولة بالعالم، هوسباق رئاسي قبل الأوان وحرب انتخابية بكلّ المقاييس يستغلّ فيها الديمقراطيون الفرصة الذهبية المعروضة أمامهم لإسقاط ترامب شعبيا قبل حلول موعد الحسم في نوفمبر القادم. «التّسييس « دخل إذن على خطّ أزمة كورونا، وحادثة فلويد على مأساتها كانت الهدية غير المنتظرة التي سقطت من السماء على المرشّح جوبايدن الذي يبدوبأنّه سيستغلّها أحسن استغلال للاستئثار بأصوات الأمريكيين الساخطين على ترامب وسياسته. بالتأكيد مصائب ترامب اليوم هي فوائد كبيرة جدّا لما يطلق عليهم «الأوباماويون» داخل الحزب الديمقراطي والذين نراهم يركبون الشارع وينتقدون الإدارة الجمهورية الحالية وينعتونها بأسوأ النعوت، وفي السباق الرئاسي الأمريكي كلّ الوسائل والطرق مباحة للفوز بكرسي الحكم، لكن هل يمكننا اليوم الجزم بأنّ حظوظ ترامب في الفوز بولاية ثانية أصبحت معدومة، وبأن غريمه جوسيحقّق المفاجأة في نوفمبر القادم؟ لا أعتقد بأن النتيجة محسومة الآن، ففي ظرف خمسة أشهر قد تتغيّر الكثير من المعطيات، ومع ذلك فنحن نعتقد بأن وباء كورونا وأحداث العنف التي تشهدها أمريكا ستكون لها تأثيراتها على الناخب الأمريكي وتفتح الاقتراع الرئاسي القادم على كل الاحتمالات وتجعل الرهان على من سيفوز بها صعبا.