دسترة «هيئة ضبط » أهم مقترح لتسيير شؤون الإعلام يحتاج بناء الجمهورية الجديدة الى فضاء اعلامي نزيه متحرر من أي قيود اقتصادية وتجارية أو تعليمات سياسية، الإعلام كان وما زال المحرك لصناعة الديمقراطية حاملا على عاتقه مهمة الارتقاء بالمجتمعات. ومن أجل بلوغ الاحترافية والمهنية في العمل الصحفي ناقشت «الشعب» المختصين حول رأيهم في المادة 54 التي جاءت في مسودة تعديل الدستور، حيث تباينت آراؤهم حولها في حين كان الاتفاق على ضرورة ضبط اخلاقيات المهنة من اجل بلوغ مستوى أحسن يتلاءم ومشروع الجزائر الجديدة. هي آراء جمعتها «الشعب» من أجل توضيح التحفظات والمقترحات في سبيل أداء اعلامي يضمن حرية التعبير والرأي بعيدا عن املاءات سياسية و رقابة ذاتية خلقتها مشكلة المضايقات التجارية والاقتصادية. زغلامي: تكريس الاحترافية والمهنية
أكد الدكتور في الإعلام والاتصال، العيد زغلامي، في اتصال مع «الشعب» ان دسترة حرية الصحافة انجاز كبير قدمه مشروع مسودة الدستور على اعتبار أنها كانت محل مساومات ومضايقات في المرحلة السابقة، فدسترة حرية التعبير أمر مهم، خاصة وأن في الآونة الأخيرة تم التلاعب بهذه الحرية سواء كانت حرية التعبير أو الصحافة. أوضح زغلامي ان دسترتهما جاء لمنع أي تلاعب بهما سواء كان من مسؤول أو أي جهة معينة، حتى تصبح حرية التعبير حرية مُؤسسة وكل واحد يدلو بدلوه، ما يفتح المجال أمام تكريس الاحترافية والمهنية والاستقلالية الحقيقية، موضحا ان هذه المادة تمكن الصحفي، بحد ذاته، من التحرر من أي رقابة، وهذا هو الأساس في العمل الصحفي. ولاحظ زغلامي أنه رغم تعدد الوسائل والمشهد السمعي- البصري حيث نجد 160 جريدة إلكترونية، 160 جريدة ورقية و 45 قناة تلفزيونية، بالإضافة الى القنوات الإذاعية، لم يرق - الى حد الآن الآداء الإعلامي الى الاحترافية بسبب بقائه حبيس المراوغات والتلاعبات والتدخلات السياسية، بالإضافة الى المضايقات الاقتصادية التجارية. ومن هنا تبرز أهمية المادة 54 من مسودة الدستور، لأنها تحرر كل صحفي ،كل مبدع وكل مدون وكل واحد يشارك في إبداء الرأي من التبعية والخوف من المتابعة القضائية، ما سينعكس إيجابا على الممارسة الإعلامية بصفة عامة برفع ادائها الاحترافي والمهني. و كشف أ. الإعلام والاتصال، ان حرية التعبير وإبداء الرأي يمارسان في اطار القانون المعمول ، فعندما تنص هذه المادة من مسودة الدستور في النقطة الثانية على حرية التعبير وحرية الابداع يعني ذلك انها تخص ابداع الصحفي في انجاز الروبورتاجات، التحقيقات واللقاءات، ما يمنحه كذلك امكانية كشفه الحقائق بعيدا عن التضييق على عمله، يسمح له هذا بالتخلي عن المراقبة الذاتية، و كتحصيل حاصل سيتحرر وسيبدع أكثر، و حتى يفهم جيدا ما حدث يجب إدراك ان الاعلام ورث ممارسات الحزب الواحد التي بقيت في مخيلة الصحفي وفكره والتي اصطلح على تسميتها بالرقابة الذاتية، لذلك عندما يتم دسترة حرية الصحافة وحرية التعبير والإبداع الصحفي سيقلل منها بصفة آلية ما يجعله يمارس مهنته بعيدا عن أي قيود ضمن احترام المبادئ والثوابت التي بني عليها المجتمع الجزائري ومبادئ أول نوفمبر. دَمَقْرَطَة» الفضاء الإعلامي العمومي ورأى الأستاذ زغلامي، إن رفع القيود المعلنة وغير المعلنة والقيود الذاتية عن الصحفي يعطي حرية التعبير مفهوما شاسعا وموضوعيا، ويمكّن من خلق ديناميكية إبداعية من نتائجه الحتمية، بالإضافة الى منح الصحفي استقلالية أكبر مع إعطاء المواطن هامشا أوسع، ما سيضع أسسا للاحترافية والمهنية وبناء ما يعرف ب»دَمَقْرَطَة» الفضاء الإعلامي العمومي المرتقب بعيدا عن الخجل أو الخوف، يحذف فيه الصحفي أو المبدع أو المدوّن من ذهنه كل تلك المضايقات، ومن البديهي - بحسبه - فعند القيام بدسترة حرية الصحافة ستكون هناك قفزة نوعية بكل احترافية، موضوعية وشفافية، مستطردا الحديث عن الصحفيين، بالقول: «هنا يعني كذلك المتعاونين والمساهمين وكل الفئة الإبداعية سواء كان صحفيا أو مشاركا أو مراسلا، وكل هؤلاء يساهمون في اثراء المادة الإعلامية.» وحول ما جاء في مسودة الدستور النقطة 1 المادة 54 والتي تنص بأن حرية الصحافة ، على اختلاف أنواعها مضمونة بشكل متساو، شرح زغلامي معناها بأن لها نفس الحقوق و الواجبات ولا تخضع لمراقبة قبلية ولا مضايقات، كل ما في الأمر أن كل هذه الوسائل والأنماط والمنصّات، وهذه المنابر سواء كانت ورقية، إلكترونية أو سمعية بصرية أو شبكات اجتماعية تتمتع بنفس الحظوظ، تتعامل معها الدولة بالمساواة بعيدا عن التحيّز الى أي واحدة منها، وعليه بإمكان المواطن البسيط المبدع التعبير عن رأيه في جميعها بِكل حُرية ما سيجعل الساحة الإعلامية تزدهر، وهي مطالبة باحترام حرية التعبير. في ذات السياق، قال زغلامي، إنه استمع شخصيا الى الرئيس تبون الذي اكد احترامه لحرية التعبير واستقلالية الصحافة، وكذا احترامه للحياة الخاصة للمواطن، ما سيدخلنا هنا في منطق وقالب آخرين، وثقافة أخرى لن يكون فيها لا مزايدات ولا مضايقات و لا مقايضات مع الصحافة، يستطيع الصحفي الآن التحرر من المضايقات السياسية والسياسوية، والتدخلات من هنا وهناك، التعليمات والاملاءات، أكثر من ذلك سيتحرر أيضا من المضايقات المالية والتجارية خاصة المتعلقة بالاشهار. وبحسب أستاذ الاعلام و الاتصال، فإن هذا هو بالضبط ما سيشيد مناخا أو فضاء اعلاميا من الطراز العالي على غرار ماهو موجود في دول متقدمة كالولايات المتحدةالامريكية وبريطانيا ما يؤسس لتنافس نزيه على القيم الاحترافية والإبداعية، لن يكون فيه مجال للتلاعبات والإقصاءات، المقيم الوحيد فيه هو المتلقي سواء كان مشاهدا، مستمعا أو قارئا، هذا الفضاء الإعلامي المميز سيساهم في تشييد دولة الحق والقانون، والعدالة الاجتماعية، والتداول على السلطة.
عبد الرحمن: غياب الضوابط المهنية والأخلاقية كرّس الرداءة يرى الأستاذ بكلية علوم الإعلام والاتصال، عمّار عبد الرحمن، أن القطاع ليس بحاجة الى دسترة العمل الإعلامي، بل بالعكس يجب إحالة ذلك الى تعديل القانون العضوي للإعلام، بحيث يتلاءم مع التغيرات الجديدة التي تعرفها الجزائر وينسجم مع مشروع الجزائر الجديدة. وكشف في هذا الاطار، إن الخطأ الموجود حاليا هو في كون المادة 50 من دستور 2016 مناقضة تماما للمواد الأصلية الموجودة في القانون العضوي للإعلام لسنة 2012، حيث قال ان الحديث في 2012 تمحور حول تقييد الصحافة بشكل أو بآخر، أما في دستور 2016 فتم إعطاء الصحفي الحرية الكاملة تقريبا في المادة 50 ، وهنا تساءل عن سبب دسترة هذه المواد؟، وان كانت الحرية المقصودة مطلقة؟، معتبرا أنها ٌن كانت كذلك فهذا أمر خطير جدا لاستحالة إعطائها في أي مجال كان. وأكد عبد الرحمان على ضرورة الابتعاد عن المطلق و تركها كأداة فاعلة في قانون الاعلام مع تعديل بعض مواده لتقنين الصحافة دون الرجوع الى الدستور، وبالتالي يجب إعادة النظر في بعض المواد والاحتفاظ بروح القانون العضوي، فالجزائر اليوم تفتخر بامتلاكها قنوات تلفزيونية متعددة، لأن وجودها يثري الساحة الإعلامية، ولا يجب وضع ضوابط الممارسة الإعلامية وأخلاقيات المهنة لكي تتجاوب مع مضمون الدستور بشكل عام، اسقاط روح الدستور على الاعلام، فهذه الوثيقة السامية لا تشرح بل تحيل، فلا يجب الخوض في ثنايا الأمور ولا يجب شرحها شرحا مطنبا. في ذات السياق، أوضح عبد الرحمان دسترة كل شيء سيرفع عدد صفحات الدستور الى رقم خيالي، كما سيفتح بابا للغط كبير، بالإضافة الى ان الاعلام لديه قانون عضوي يسيره ما يحتاجه فقط هو إعادة النظر في بعض مواده بصفة أساسية تلك المتعلقة بالسمعي- البصري خاصة ما تعلق بالملكية الجماعية أو الفردية للقنوات، وطبيعة القنوات وبرامجها. الإعلام بحاجة إلى أخلاقيات وليس دسترة وبحسبه هذه «أساسيات الاعلام التي نريدها كأكاديميين أن تكون في القانون العضوي والقانون التكميلي، كما يجب ان تكون مصحوبة بدفتر الأعباء أو الشروط الذي نجده عند سلطة الضبط السمعي -البصري، كما يجب أيضا تفعيل سلطة ضبط الصحافة المكتوبة الآن، لأنها أقوى من صحافة السمعي- البصري، فعددها أكبر وهي قديمة وكلاسيكية ولديها باع طويل ووجود رغم محاولات القضاء عليها اليوم، الى جانب تفعيل مجلس أخلاقيات المهنة، كل هذه الأمور»، مضيفا أنه «لا يمكن دسترتها، لأنها موجودة في قانون العقوبات، أو قانون الإعلام و قوانين أخرى عضوية كفيلة بشرح هذه المواد حتى نتفادى الدخول في متاهات». وأكد المتحدث قائلا: «الاعلام ليس بحاجة الى دسترة»، بل الى اخلاقيات المهنة حتى يستطيع مباشرة عمله، مذكرا أننا لا نملك مجلسا لأخلاقيات المهنة، فهو لا يرى وجودا للوزارة التي لم تمنح كل الصلاحيات ولم تسحب منها كل الصلاحيات، منبها الى ان الوزير، هل هو مسؤول عن سلطة الضبط أم لا؟، هل هو مجرد فاعل من فوق؟، بما انهم لجأوا الى سلطة الضبط يجب تفعيل سلطة الضبط السمعي البصري ومجلس اخلاقيات المهنة للقطاعين. و بحسب عبد الرحمان،المشكلة التي لا يمكن فتحها اليوم حتى دستوريا هي أخلاقيات المهنة، في تحديد ما يمكن أن يكتب أو ينشر، اليوم سلطة ضبط السمعي البصري لا تؤدي وظيفتها كاملة واختزلتها في دور الشرطي أو الدركي، كما أن الاعلام اليوم أصبح مجرد عملية «نسخ – لصق» ، ما أعاده الى الممارسة السابقة أو ما يعرف بالإعلام السلطوي، رغم ان الصرامة من أساسيات العمل الإعلامي، لذلك كان علينا اطلاق يد الاعلام لكن ليس بصفة مطلقة. و ذكّر بضرورة الإسراع في إيجاد منفذ لما يحدث في الصحافة السمعية- البصرية، معتبرا القنوات مجرد مكاتب تشوبها خروقات كثيرة، و يجب على السلطات إيجاد حل لهذه القنوات، أما بتبنيها ووضع منافذ للبث لهم وهذا صعب في الفترة الحالية، لأن مركز البث ببوزريعة لا يملك أروقة (COULOIR) كثيرة. ويرى الأكاديمي أنه من الأحسن لو يجدون بعض الأروقة في انتظار القمر الصناعي الموجود قيد التجربة الصينية ما سيوفر حلولا للقنوات التلفزيونية ما يسمح للدولة الجزائرية التحكم بها قانونا، اليوم لا نستطيع ذلك لأن القنوات الموجودة هي بمثابة مكاتب اجنبية، والغريب أنها ليست حتى مكاتب لأنها ليست تابعة لقنوات أم تابعة لأقمار صناعية في لندن أو الأردنالبحرين أو لبنان ، ما جعل الاعلام يعرف تجاوزات كبيرة خاصة القنوات الخاصة بسبب غياب الضوابط المهنية والأخلاقية ما كرّس مبدأ الرداءة التي انعكست على المجتمع.
بوخدشة: دسترة هيئة ضبط الصحافة ضروري
كشف رئيس المجلس الوطني للصحفيين الجزائريين، رياض بوخدشة، أن القصد من منع الرقابة القبلية التي نصت عليها المادة 54 من مسودة الدستور في الشق المتعلق بالصحافة، هو رقابة الصحيفة عموما من طرف الجهاز التنفيذي، قائلا: «إن الصحافة اليوم وصلت الى درجة الخوف من العقاب المالي للدولة، ما جعلها تمارس رقابة ذاتية على نفسها، فالصحفي عند ممارسته لعمله يضع نصب عينيه ان كان المقال الذي يكتبه سيكون سببا في جلب دعم مالي للصحيفة التي يعمل بها أو عكس ذلك، أي عقوبات مالية على المؤسسة الإعلامية التي ينتمي إليها.» وفي هذا الصدد، رفع المجلس الوطني للصحفيين الجزائريين عدة مقترحات طالب فيها بأن يتمتع الصحفيون بالحصانة الإعلامية التامة أثناء قيامهم بعملهم، بحيث لا يجوز ان تكون جنحة الصحافة محل عقوبة سالبة للحرية، كما يجب ان تصون الدولة حرية الصحافة والرأي والنشر وتضمن شفافية انشاء وتمويل الصحف ومختلف أجهزة الاعلام، فإضافة هذه المادة في الدستور -بحسبه- سيمنع تعرض الصحفي للفصل أو العقوبة أو المتابعة القضائية بسبب كتابة مقال مهما كان توجهه. وأرجع بوخدشة الأزمة التي تعيشها الصحافة الى الإشهار، نافيا ان تكون مرتبطة بتوجه، أو فكر أو إيديولوجية فبإمكان أي صحفي انتقاد رئيس الحكومة مثلا لكنه عاجز عن انتقاد خدمات شركة تقدم إشهارا للمؤسسة الإعلامية التي يعمل بها، حتى وان اشتكى المواطن من نقصها أو انعدامها، وهذا بالضبط ما يضع الصحفي تحت الرقابة الذاتية وبالتالي تغييب الخدمة العمومية التي يقدمها الاعلام. وثمّن رئيس المجلس الوطني للصحفيين المقترحات التي جاءت بها مسودة الدستور، مؤكدا ان دسترة حرية الصحافة لا يعني تخلي الدولة عن ضمان دعم الصحافة وحرية النشر والطباعة، كما كشف ان دسترة هيئة ضبط الصحافة واستشارتها في كل القرارات المتعلقة بتنظيم قطاع الاعلام، كانت من بين المقترحات المقدمة حتى تصبح هيئة قائمة بدورها غير خاضعة لرقابة الجهاز التنفيذي الممثل في وزارة الاتصال، بمنحها الصلاحية الكاملة في تسيير شؤون الصحافة مع اشتراط ان تتكون هذه الهيئة من صحافيين منتخبين مع تحديد عدد العهدات بالنسبة لأعضائها باثنتين غير قابلة للتجديد. في نفس السياق، صرح بوخدشة ان المكاسب موجودة من قبل، لكن الاشكال المطروح هو في عدم تطبيقها، مثلا فيما يتعلق بجنحة الصحافة، فلو طبقت المادة 52 من الدستور الحالي التي تنص على أنه لا يجب ان تكون جنحة الصحافة موضوع عقوبة سالبة للحرية لما سجن الصحفيون، ومن غير المعقول ان يتابع الصحفي وفقا للقانون الجزائي عوضا عن متابعته وفقا لقانون الاعلام، لذلك كان لا بد من استدراكها في المسودة الحالية، وهو ما وصل إليه المجلس الوطني للصحفيين من خلال النقاش الذي فتحته حول مشروع تعديل الدستور بمشاركة موسّعة للصحفيين وأهل الاختصاص، حيث ألحّ المجلس على اعتماد المقترحات نظرا لأهميتها في تطوير الأداء الإعلامي.