متاعب ترامب مع رجاله لا تنتهي في كل مرة يعزل من لايرى فيهم قدرة على مسايرة وتيرة ادارة قضايا البيت الابيض وفق الرؤية المفروضة، إذ أن كبار الموظفين طردهم الرئيس الأمريكي بشكل مهين بواسطة تغريدة، يلاحقهم بوابل من الاوصاف غير اللائقة كاشفا عن تفاصيل دقيقة عن الشخص المعني ضاربا عرض الحائط بما يعرف بواجب التحفظ. هذه المرة، عاد سجال حاد بين ترامب و بولتون بعد ان قرر مستشاره للأمن القومي نشر كتاب حول أسرار ما يحدث في البيت الأبيض و خارجه، خاصة زلات لسانه أمام قادة العالم خلال لقائه معهم على اكثر من صعيد، عدّدها صاحب الكتاب واحدة تلو الأخرى.. دون لمز أو غمز و إنما ذكر كل الشخصيات بأسمائها التي كانت محل تلك الوقائع المذكورة. وما تزال طريقة إبعاد بولتون من طاقم الإدارة الأمريكية تحز في نفسه، كونه لم يحتمل صدمتها عندما أبلغه ذلك ترامب عن طريق تغريدة اطلقها ليلا يشعره فيها أنه انهى مهامه وأحاله على الحياة العامة ردا على ما ورد على لسان مستشار الامن القومي بأنه طلب اعفاءه من ذلك المنصب، منذ تلك الفترة اختفى بولتون عن الساحة الاعلامية واعتكف على تدوين مخطوط يستعرض فيه ما وقف عليه شخصيا خلال تواجده بالقرب من صانعي القرار بالبيت الابيض و بالتحديد مع الضيوف الأجانب. لم يجد بولتون من وسيلة فعالة للرد على ترامب سوى بالتأريخ له. صناعة الاحداث من زواية فعلا مدعاة الانتقاص من قيمة الشخص .. وتضيفه في خانة من لا يفقه في أبجديات الجغرافية السياسية. ووزن كل دولة ... زيادة على اسناد له أقوال لم يسمعها إلا بولتون خاصة تلك المتعلقة بحديثه مع تيريزا مي.. والرئيس الصيني. هذه المعلومات اعتبرها البعض سرية، وطالبوا مقابل ذلك منع توزيع الكتاب وهكذا اندلع نقاش آخر.. بين دعاة حرية النشر وبين المناوئىن لها وهذه الفئة الثانية تدور في سرايا السلطة بضغط من ترامب غير ان هؤلاء نسيوا ان هناك جهة اسمها العدالة التي تقف على مسافة واحدة من الجميع دفاعا عن قيم الحلم الأمريكي. هذا النفور الجماعي من حول ترامب أظهر بأن القرار الأحادي المتخذ حيال الملفات الأمنية العسكرية و السياسية لا يلقى الاجماع بداخل مربع الرئيس لذلك يحدث تصدعا في الفريق المسير الذي يطالبه بعدم التسرع في أي قرار، ودراسته من كل الجوانب حتى لا يثير ردود فعل قوّية أو رفض داخلي أو خارجي غير ان جاذبية التغريدة أقوى من توجيهات مستشاريه مما يفسد كل ما خطط له هؤلاء وكم من مرة طلب من ترامب الابتعاد عن استعمال التغريدات، إلا انه رفض ذلك لا شيء سوى لأنه يرفض التخلي عن متابعيه الذين بلغوا رقما قياسيا للاطلاع على ما ينشره، و نعتقد بأنه جاء من محاور منشورة من كتاب بولتون تبرز من أول وهلة قضايا عادية جدا أو قل متفرقات لا تتعلق أبدا بالأمن القومي الامريكي، كما أراد أنصاره الترويج له، حتى لا يصدر الكتاب في ظرف كهذا من التحضير للانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر القادم. إنها حركة أمريكية دعائية بحتة لا تذهب الى أعماق المسائل المطروحة توّد أن تروّج لنموذج سياسي قضى عليه ترامب، منذ اعتلائه سدة الحكم.