أعلن بنك ''بنكيا'' رابع أكبر بنك تجاري اسباني الأحد الماضي عن حاجته الى 19 مليار يورو لانقاذه من الافلاس بعد أن بلغت خسائره حتى الساعة 3 مليار يورو. يأتي هذا أياما قليلة بعد أن خفضت وكالة ''ستاندرد أند بورز'' المتخصصة في التصنيف الائتماني 17 بنكا اسبانيا على خلفية خسائرها المتراكمة على العكس من البنوك الكويتية التي أكدت نفس الوكالة أمس الأول الاثنين تصنيفها المستقر عند الدرجة ''أأ'' وهو تصنيف قريب من الممتاز، تأكيد من أول وكالة عالمية للتصنيف الائتماني يسبق مؤتمر كبير للصيرفة والصناعة البنكية ستحتضنه جامعة صفاقص التونسية يومي 22 و23 جوان المقبل لبحث اشكالية أنظمة التمويل الدولية في ضوء تجارب المصارف بما فيها التجربة المبنية على التمويل الاسلامي. ويأتي إعلان البنك الاسباني ''بنكيا'' عن خسائره أسبوعا واحدا بعد اجتماع قمة الثماني في كامب ديفيد الذي دعا فيه قادة الدول الصناعية الكبرى الى إدارة ازمة الديون السيادية في منطقة اليورو قبل أن تمتد للرقع الاقتصادية الأخرى في العالم ومنها منطقة ''نافتا'' شمالي أمريكا، ومعلوم أن أول ضحايا أزمة الدين السيادي في بعض دول الاتحاد الأوربي كانت المصارف التي تتعامل بالفوائد الربوية والتي وجدت نفسها أمام مستوى عال للفائدة يتجاوز عنده العائد على السند ال5 . 6 بالمائة وربما سيلامس ال 7 بالمائة خلال الأيام المقبلة. وتتضمن دعوة مجموعة الثماني الاستمرار في رسملة البنوك التجارية الرأسمالية، وإلى الإبقاء على أسعار متدنية للفائدة في محاولة أخرى لتجنب إفلاس دول منطقة اليورو المتضررة من أزمة الديون السيادية أي اليونان والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا، ولتحقيق النمو المستهدف من السياسات المتفق عليها في المجموعة الأوربية أي مغادرة حالة الركود دون المساس بالتوازنات المالية. فماذا يعني أن تتجه البنوك الرأسمالية في أغلبها نحو الافلاس في حين مازالت البنوك التجارية في معظم الدول العربية والاسلامية تسجل نتائج متقدمة في الأداء ؟ وهل تكون الصناعة المالية المبنية على الفقه الاسلامي ملاذا آمنا ومستقرا لمؤسسات مصرفية تتهاوى ضمن أنظمة مالية وبنكية تشكو من ضعف الأداء ؟ التمويل الإسلامي هل ينقذ المصارف الغربية من الغرق ؟ من المنتظر أن يتناول مؤتمر صفاقص إشكاليات تتعلق بالضوابط الشرعية للتمويل الإسلامي، وصناعة الخدمات في المصارف الإسلامية، والأطر القانونية والإدارية لمؤسسات الصيرفة الإسلامية، ومعايير الرقابة على عمل تلك المؤسسات، ودورها في تمويل المؤسسات المنتجة، والمنتجات المالية الإسلامية وعلى رأسها الصكوك الإسلامية، ودور صناديق الاستثمار الإسلامي في تنمية أسواق المال، كما ينتظر أن تتضمن أعمال المؤتمر عروضا عن تجارب محددة للتمويل الإسلامي في بلدان محددة منها دول أوربية مثل فرنسا وبريطانيا ويتضح من العناوين المذكورة الصبغة التقنية لأعمال المؤتمر، والدرجة المتقدمة في بحث موضوعه، بغض النظر عن المحتوى الذي يتراوح بين الطرق الأكاديمي النظري والتناول التطبيقي والتحليلي، ولكن الاتجاه العام سيصب في أن موضوع التمويل الإسلامي تجاوز بأشواط مرحلة التنظير الفقهي الذي برز في خمسينيات القرن الماضي، وتقدم عما كتبه كل من محمد باقر الصدر في ''اقتصادنا'' ومحمود أبو السعود في ''الاقتصاد الإسلامي''، ومساهمات كل من عيسى عبده ورفيق يونس المصري ومحمد شابرا ونجاة اللّه صديقي وعبد الحميد الغزالي، وبذلك يكون هذا النوع من التمويل ساحة خصبة للتأمل من قبل أنصار المدرسة التقليدية في الغرب ومنهم مهندسي النظم المالية في منطقة اليورو التي تشهد حاليا حالات إفلاس مستمرة لمصارفها. ذلك أن التجارب التطبيقية للبنوك الإسلامية دفعت الى الاستفادة من تجربة البنوك التقليدية من جهة، ومن محتوى النظرية الاقتصادية في النقود والأسواق، وما زاد في عمق التجربة هو انخراط الباحثين الشباب ذوي التكوين الأكاديمي في المالية والاقتصاد والإدارة في تطوير أبحاث الصناعة المالية الإسلامية هذا المستوى الذي لامسه المجتهدون في حقل الصيرفة الاسلامية بعد زهاء نصف قرن من التجربة هو الذي دفع بمؤسسات ''المصرف الإسلامي'' الى تبني خطة الانتشار في عالم الأعمال الى حدود ادراج منتجات ''الصكوك الاسلامية'' في أسواق المال عبر العالم حتى جاوز حجمها ال 1400 مليار دولار دون أن يقلل ذلك من أربحيتها وأدائها بل العكس تماما حدث أي أنها داخل التوسع مازالت تحقق نتائج ربحية أفضل مثلما أكدت ذلك وكالة ''ستاندرد أند بورز'' في الحالة الكويتية أول أمس الاثنين. هل تحذو البنوك الأوربية حذو بورصة باريس ؟ طرحت الحوارات المتقدمة في حقل الصناعة المالية الاسلامية اشكاليات عدة منها إشكالية المواءمة بين أداء المؤسسات المالية الإسلامية المبني على الفقه الإسلامي وحدود الشرع، ومحتوى السياسات النقدية الرسمية في البلدان الإسلامية والمبنية على المذهبية الرأسمالية، مما أفرز وضعا صعبا للصناعة المالية الإسلامية في التكيف مع معايير الرقابة التي تفرضها البنوك المركزية بناء على محددات لجنة ''بازل''، ومع السياسة النقدية للدول والمبنية هي الأخرى على التدخل في السوق المفتوحة وعلى آلية ''سعر الفائدة''، ومع تدابير الحذر التي تفرضها الحكومات على مجتمع البنوك، هذه المفارقة هي التي جعلت المصارف الإسلامية ومؤسسات التمويل الإسلامي تعمل تحت قيود تقنية إضافية لا تعاني منها المؤسسات التقليدية. ومع أن القيد المذكور يشكل وضعا استثنائيا أمام البنوك الإسلامية لازالت هذه الأخيرة تتوسع في رقم أعمالها مثلما تتوسع داخل العمق الجغرافي للنظام الرأسمالي ذاته أي في أمريكا وأوربا وربما ستتطور الآلية التشريعية في بلدان مثل اسبانيا واليونان والبرتغال وايطاليا الى مستوى ما قامت به باريس العام 2009 عدلت من قانون مراقبة بورصة باريس لصالح تداول ''الصك الاسلامي''. تطور سيقلب الساحة المالية العالمية رأسا على عقب ولكنه سيتيح أمام الحكومات الغربية فرصا أخرى للخروج من أزمة الديون السيادية فيها بعد أن استنفذت جميع الفرص المبنية على السياسات الرأسمالية المعروفة.