علّمتنا التجارب السابقة، أن لا نتفاءل كثيرا بأيّ اتّفاق يوقّعه فرقاء ليبيا بهدف حلّ معضلتهم التي تعقّدت خيوطها وتشابكت بإيعاز من جهات خارجية كثيرة سمحت لنفسها باقتحام الأرض الليبية من وراء الستار، وحوّلتها إلى ساحة معركة حقيقية، وذلك بعد أن اصطفت كل جهة وراء فاعل من فواعل الأزمة من الداخل، وأخذت تسلّحه وتحرضّه على الفريق الآخر، إلى أن أشعلتها حربا مدمّرة أكلت وحدة البلاد ومضت تفتك بأرواح الليبيين وممتلكاتهم، خاصة ثروة النفط التي أصبحت رهينة بين أيدي لصوص مقدّرات الشعوب. منذ أن عصفت الأزمة بليبيا عام 2011، رحلت المسألة الليبية وارتحلت إلى دول ومناطق عديدة بحثا عن مخرج سياسي يوقّف التّصعيد وينهي سياسة جلد الذات التي غرق فيها أحفاد شيخ الشهداء عمر المختار، وللغرض عقدت لقاءات واجتماعات ومؤتمرات في دول الجوار وفي بلدان أوروبية، وقد برزت بعض الاتفاقيات الموقّعة عن غيرها، واستبشر بها العالم خيرا، مثل اتّفاق «الصخيرات» الذي رعته الأممالمتحدة عام 2015 والذي وضع أسس مرحلة انتقالية تنتهي بإعادة بناء مؤسّسات الدولة وإقرار حكومة انتقالية معترف بها يرأسها فائز السراج. لقد اعتقد العالم أجمع بأن هذا الاتفاق الذي زكّته المجموعة الدولية قاطبة ماض إلى طي ّ فصول الأزمة الليبية التي باتت تهدّد أمن المنطقة بأسرها، لكن للأسف الشديد، لقد تكسرت الآمال والأحلام برؤية ليبيا تلملم جراحها وتداويها على صخرة مرتزقة الحروب وتجار الموت، الذين دفعوا المشير المتقاعد خليفة حفتر لاقتحام العاصمة وكانت الشرارة التي أغرقت ليبيا من جديد في دماء أبنائها، وفي هذا الظرف العصيب عقد مؤتمر «برلين» الذي خرج هو الآخر باتفاق ألقى عليه الجميع الأمل بإنهاء الكابوس الذي يعيشه اللّيبيون منذ عقد من الزمن، لكن للأسف انتهى الاتفاق إلى مزبلة التاريخ، واستمر الوضع الأمني في الانزلاق. واليوم ها نحن أمام اتفاق جديد يقضي بوقف القتال يتبعه ملتقى للحوار السياسي الليبي مرتقب في تونس الأسبوع القادم، والذي يرمي إلى رسم خريطة طريق لإعادة ترتيب الحكم من خلال إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وتنظيم انتخابات واختيار سلطة تنفيذية فاعلة وإذا كنا ننظر إلى هذا الاتفاق بحذر بالنظر إلى التجارب السابقة الفاشلة، فإننا نعتقد بأنه يفتح بابا كبيرا للأمل، لكن نجاحه يحتاج إلى توافق الداخل واتّفاق الخارج على الالتزام به، لأننا ندرك تمام الإدراك بأن المأساة الليبية يصنعها الخارج وحتى يظهر هذا الأخير حسن نواياه، عليه أن يباشر بسحب المرتزقة والإرهابيين الذين أرسلهم لإشعال الحرب في ليبيا، وغير ذلك فستبقى ليبيا تدور في حلقة مفرغة.