الحملة الوطنية للتشجير التي باشرتها الجزائر مؤخرا وتتواصل، تحمل قيمة ومعنى، بالنظر إلى الظرف الذي تأتي فيه والغاية المنشودة ووتيرة التجاوب معها لرفع تحدي استكمال مسار إقامة الدولة الوطنية. وهو مسار لم يوقفه أصحاب نفوس مريضة ولوبيات تتمادى - خطأً - في مقاومة روح تغيير وإصلاحات تنتظرها ورشات كبرى بعد تعديل الدستور. هي محطة فاصلة للرد على مرتكبي جرائم في حق الغطاء النباتي، طبعتها الهبة الوطنية صارخة «كفى الحرق العمدي للغابات»، متخذة من المؤامرة قوة تلاحم وجبهة نضال وانطلاقة في إعادة الاعتبار للمحيط الأخضر وما يمثله من ثروة لا تقدر بثمن. من هنا تكمن المقاربة الاستشرافية في غرس أزيد من 31 مليون و500 ألف شجيرة كخطوة أولى تتبع بمبادرات لاحقة، تعيد للأذهان ما تحمله الغابة من أولوية وفوائد يتجاهلها من يتلذذ بإشعال النيران فيها بوحشية وجعل نفسه طرفا في مؤامرة وجريمة في حق الثروة الخضراء والوطن. لا يخفي على احد فوائد الغابة متعددة الأوجه وتعاظم دورها وتناميه في تلبية حاجيات الساكنة من غذاء، دواء ووقود، ووظيفتها في التوازن البيئي والتغيير المناخي.. لا يجهل ما توفره من خدمات اقتصادية - اجتماعية ومقصدها السياحي ووجهة زوار باحثين عن الترفيه والاستمتاع بمناظر الطبيعة، سحر تضاريسها وجمال معالمها التي تروي قصصا وحكايات وتاريخ أمة وعراقة حضارتها. نأمل أن تتسم حملة التشجير بالديمومة، وأن تكون محطة فاصلة لإيقاظ الضمائر لتفهم رسالتها والحاجة الملحة للانخراط فيها لحماية الغابة من جرائم مسكوت عنها أحيانا تستهدفها. هو اختبار لتجاوز حالة تسيب وغض الطرف عن جرائم واعتداءات تطال الغابة من غزو إسمنت، قطع أشجار واستغلالها في بناءات فوضوي، وتوظيفها بلا وجه حق في أنشطة صناعية وزراعية. حملة التشجير، نريدها أن تحدث تغييرا جذريا في العلاقة الديالكتيكية بين الإنسان والغابة، بحيث يكون لهذه المنظومة أولوية في الاعتبار، تحرر الضمائر والعقول من تسيب طال أمده، وتؤسس لمعادلة بديلة تجعل البساط الأخضر مصدر حياة وتوازن بيولوجي، وأحد مقومات التنمية المستديمة، حمايته فرض عين.