بدأت الأزمة في إثيوبيا بعد أن تبنّت سلطات إقليم تيغراي إطلاق صواريخ استهدفت مطار عاصمة إيريتريا المجاورة، في هجوم عزّز المخاوف من اندلاع نزاع واسع النطاق في منطقة القرن الإفريقي. تحوّلت عاصمة الاتحاد الإفريقي من دولة راعية للسلام الى دولة حرب في ظل مؤشرات على استمرار النزاع الدائر، ومن غير المستبعد وصول تداعياته للعالم وليس إفريقيا فقط، بعد تحذيرات الأممالمتحدة المتزايدة، ودعوات المجتمع الدولي لوقف النزاع. تعود جذور الصدام في إثيوبيا بين الحكومة الفدرالية والحزب الحاكم في منطقة تيغراي الشمالية، حسب تقرير لمجلة «إفريقيا انتلجنس» الناطقة بالفرنسية، إلى احتجاجات الشارع التي أطاحت بالحكومة السابقة التي كانت تهيمن عليها «جبهة تحرير شعب تيغراي» في عام 2018. ورغم أنّ التيغراي يشكّلون 6 بالمائة فقط من سكان إثيوبيا، فقد هيمنوا على مقاليد السياسة الوطنية بالبلاد لما يقرب من ثلاثة عقود وحتى اندلاع الاحتجاجات. وكل ذلك تغير عندما أصبح أبيي أحمد رئيساً للوزراء في أفريل 2018، وهو أول رئيس حكومة من عرقية أورومو، الأكبر في البلاد. وفقد التيغراي مناصب وزارية وبعض المناصب العسكرية العليا. نوبل للسّلام وتصاعد الخلافات وشكت عرقيات الأورومو والأمهرة، ثاني أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، بالإضافة إلى مجموعات أخرى من التهميش. وخلال الأشهر الأخيرة، اندلعت أعمال عنف عرقية ودعوات لمزيد من الحكم الذاتي في عدة أجزاء من البلاد. وحاز أبيي جائزة نوبل للسلام في أكتوبر 2019 لدوره في إحلال السلام مع إريتريا، وإنهاء حالة الجمود المريرة التي تعود إلى حرب حدودية من 1998 إلى 2000. ولكن الأمور كانت أقل هدوءًا على الصعيد الداخلي. فبعد أسابيع من فوزه بجائزة نوبل، رفضت جبهة تحرير شعب تيغراي الانضمام إلى الحزب الحاكم الجديد لآبيي، متذمرة مما اعتبرته تهميشا واستهدافا غير عادل عبر تحقيقات في شأن الفساد. وعاد قادة جبهة تحرير شعب تيغراي إلى منطقتهم، ليتهمهم آبيي بمحاولة زعزعة استقرار البلاد. وقرّرت الحكومة المركزية تأجيل الانتخابات التي كان مقررا إجراؤها في أوت 2020 على خلفية فيروس كورونا رغم احتجاجات المعارضة، بدون تحديد موعد جديد. وقرّر إقليم تيغراي تحدي سلطات أبيي من خلال المضي في إجراء الانتخابات الخاصة به في 9 سبتمبر. وصنّفت أديس أبابا حكومة تيغراي بأنها غير قانونية، بينما لم يعد قادة تيغراي بدورهم يعترفون بإدارة أبيي. قرّرت الحكومة تقليص الأموال الفدرالية المخصّصة للمنطقة، وهو ما اعتبرته «جبهة تحرير شعب تيغراي» بمثابة «عمل حربي». وفي 4 نوفمبر، أمر أبيي برد عسكري على هجوم مميت على معسكرات الجيش الفدرالي في تيغراي. ونفت جبهة تحرير شعب تيغراي مسؤوليتها، وقالت إن الهجوم المزعوم ذريعة لشنّ «غزو». وبعد ذلك بيومين، ومع اشتداد القتال، أقال أبيي قائد الجيش الذي ينتمي كبار قادته الى العديد من قبائل التيغراي. وفي 9 نوفمبر، شنّت إثيوبيا غارات جوية على تيغراي وقال أبيي إن العملية ستنتهي «قريبًا» وإنّ خصومه سيخسرون «لا محالة». وأدى اشتداد القتال إلى فرار الآلاف إلى السودان المجاور، فيما طالبت الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي بإنهاء القتال. تزايد أعداد النّازحين في 12 نوفمبر الجاري، قالت منظمة العفو الدولية إن العديد من المدنيّين قُتلوا في مذبحة يقول شهود إن قوات داعمة لحكومة تيغراي نفذّتها. لكنّ جبهة تحرير شعب تيغراي نفت تورطها. وفي اليوم التالي، دعت الأممالمتحدة إلى فتح تحقيق في «جرائم الحرب» في المنطقة. وأطلقت جبهة تحرير شعب تيغراي «صواريخ» على مطارين قيل إن الجيش الإثيوبي يستخدمهما في ولاية أمهرة المجاورة. وهدّدت الجبهة بشن هجمات صاروخية على أسمرة عاصمة إريتريا المجاورة. وفي وقت لاحق تعرّضت المنطقة المحيطة بمطار أسمرة لعدة ضربات صاروخية، ما أثار مخاوف من اندلاع صراع إقليمي واسع. وأقر رئيس إقليم تيغراي دبرتسيون غبر ميكائيل باستهداف المطار، وقال إنّ «القوات الإثيوبية تستخدم كذلك مطار أسمرة» في عمليتها العسكرية ضد منطقته، ما يجعل المطار «هدفا مشروعا» وفق تعبيره. تداعيات النزاع على الدول العربية المجاورة تخشى دول القرن الإفريقي المجاورة لإثيوبيا ودول عربية، تربطها بالجارة الإفريقية مصالح واتفاقات، من استمرار الصراع لفترة أطول أو اتساع نطاقه لخارج حدود إثيوبيا وإقليم تيغراي. وهو ما يهدّد بعض البلدان على غرار مصر والسودان. الأزمة تهدّد السودان أعلنت منظمة العفو الدولية - حسب بيان نشر على موقعها الرسمي - مقتل عشرات المدنيين فيما وصفته ب «مذبحة»، نسبها شهود إلى قوات تدعم جبهة التحرير في إقليم تيغراي. كما حذّرت الأممالمتحدة من أن وكالات الإغاثة العاملة في الإقليم «غير قادرة على إعادة ملء مخازنها من المواد الغذائية والصحية وإمدادات الطوارئ الأخرى لعدم القدرة على الوصول إلى المنطقة». ودفع الوضع بأكثر من 20 ألف لاجئ إثيوبي حتى الآن لاجتياز الحدود نحو السودان، والتي أعلنت من جانبها عن فتح مخيم «أم راكوبة» بولاية القضارف السودانية لاستقبال الإثيوبيين الهاربين، وفقا لوكالة الأنباء السودانية الرسمية. ولفتت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أنها تتوقّع ارتفاع أعداد اللاجئين الى السودان، والتي تقدرهم حتى الآن ب 25 ألف إثيوبي، إلا أن البعد الإنساني للأزمة المتمثل في نزوح الآلاف إلى السودان وأعباء استقبالهم لن يكون الأثر الوحيد الذي ستعاني منه الدول العربية المجاورة لإثيوبيا في حالة استمرار النزاع لمدة أطول. وصرّح مسؤولون حكوميون في أوغندا، عشية لقاء جمع الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني ووزير الخارجية الإثيوبي، بأن الرئيس الأوغندي سيلتقي ممثلين عن كل من الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير إقليم تيغراي لبدء الوساطة بينهما. لكن إثيوبيا وتيغراي ينفيان المشاركة في أي حوار، ووصفت خلية الأزمة بالحكومة الإثيوبية المعلومات حول المشاركة في وساطة بأوغندا مع جبهة تحرير تيغراي بأنها «كاذبة». ويرى متابعون أن استمرار الصراع ليس في صالح مصر، التي تخوض مفاوضات شاقة مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، فضلا عما يشكله الصراع من «تهديد أمني على استثمارات الإمارات والسعودية والقطر» في إثيوبيا. وتشير التقارير الإعلامية المحلية إن «انشغال الحكومة الإثيوبية بالصراع في تيغراي يؤدى لتجميد مباحثات سد النهضة الحرجة بسبب عنصر الوقت قبل البدء بعملية الملء الثانية للسد في شهر جويلية القادم». مستقبل النزاع ومساعي الحل مع سعي المجتمع الدولي لتهدئة الوضع في إقليم تيغراي نفت إثيوبيا إجراء محادثات وشيكة حول الصراع المتنامي في إلاقليم الشمالي، بعد ساعات فقط من اختيار ثلاثة رؤساء أفارقة سابقين للمساعدة في التوسط في الأزمة المستمرة منذ أسبوعين. وذكر آبي أحمد أنه سيلتقي المبعوثين الثلاثة الذين عينهم الاتحاد الأفريقي، لكن مكتبه نفى أيّ خطوة من جانب الأخير للتوسط في صراع دائر بين الحكومة الاتحادية ومنطقة تيغراي شمال البلاد. رفض وساطة الاتحاد الافريقي عيّن الاتحاد الأفريقي ثلاث رؤساء دول سابقين كمبعوثين. غير أن مكتب رئيس الوزراء قال في21 نوفمبر الجاري إن الأنباء عن أن المبعوثين قادمين لبلاده للتوسط بين حكومته والمنطقة الشمالية «كاذبة». وقال رئيس جنوب أفريقيا ورئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي سيريل رامافوزا بعد اجتماع مع رئيسة إثيوبيا سهلي-ورك زودي «المهمة الرئيسية للمبعوثين هي إشراك كل أطراف الصراع في إنهاء الأعمال العدائية وخلق ظروف من أجل حوار وطني شامل لحل كل القضايا التي أدت إلى الصراع واستعادة السلام والاستقرار إلى إثيوبيا». من جهتها قالت الحكومة الإثيوبية إن قواتها سيطرت على بلدة أخرى هي أديجرات أثناء تقدمها نحو عاصمة إقليم تيغراي حيث تسعى للإطاحة بقوات المتمردين. وتقع أديجرات على بعد 116 كيلومترا شمالي ميكيلي عاصمة الإقليم. ولم يصدر حتى الآن رد من متمردي الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي،ويصعب التحقق من تأكيدات جميع الأطراف لتعطل خطوط الهاتف والإنترنت منذ بداية الصراع في الرابع من نوفمبر الجاري. تعقيدات المشهد تعقيدات المشهد في منطقة القرن الإفريقي ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة سوف تجعل وجود دولة فاشلة بحجم إثيوبيا أمرًا لا يمكن تحمل تبعاته إقليميًّا ودوليًّا، كما أن القبول بانفصال دولة أخرى يكاد يكون مستحيلًا في ظل منظومة العلاقات الإفريقية البينية السائدة. يبدو أنّ رئيس الوزراء «آبي أحمد» يحاول المغامرة بالقضاء على النزاع لصالحه، إذ يرى أن الفرصة سانحة في ظل انكفاء الولاياتالمتحدة على نفسها لتقرر من يخلف الرئيس ترامب، وهو ما يجعل القيادة الأمريكية في إفريقيا «أفريكوم» بدون توجيه واضح من واشنطن حول كيفية الرد على التوتر المتصاعد في القرن الإفريقي. إنّ تصعيد النزاع العسكري في تيغراي سيهدد في كل الأحوال جهود ترسيخ عملية السلام الإثيوبية الإريترية، ويزيد من معاناة النازحين واللاجئين الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية الدولية، وربما يدعو كذلك قوى خارجية أخرى إلى التدخل بما يعقد بصورة أكبر من ديناميات المشهد العام في إثيوبيا والقرن الإفريقي. أرقام وحقائق - 4 نوفمبر 2020 شن رئيس الوزراء الإثيوبي هجوماً عسكرياً في إقليم تيغراي الشمالي. - أكثر من 27 ألف إثيوبي فرّوا من تيغراي بعد العملية العسكرية التي أعلنها أبيي أحمد في الإقليم المنشق. - 16 نوفمبر 2020 حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد تعلن سيطرة قواتها على بلدة أخرى في إقليم تيغراي بشمال البلاد. - 17 نوفمبر 2020 أعلنت الأممالمتحدة أن النزاع «أزمة إنسانية واسعة النطاق». - سكان إثيوبيا يفوق عددهم 100 مليون نسمة، يمثلون عشرات الجماعات العرقية. - التيغراي يمثلون 6 بالمائة من ائتلاف «الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية» الحاكم الذي أمسك بزمام السلطة في 1991. - أفريل 2018 انتخب آبي أحمد رئيساً للوزراء وهوأول رئيس حكومة من عرقية أورومو، الأكبر في البلاد. - أكتوبر 2019 حاز آبيي جائزة نوبل للسلام. - 600 ألف شخص يعتمدون على المساعدات الغذائية قبل اشتعال الصراع.