عاصمة الأوراس من بين أكثر الولايات ثراءً بالكنوز التاريخية، الأثرية والطبيعية المفتوحة على الهواء
dفي هذا الصدد، تؤكد الدكتورة فاتن صبري سيد الليثي، من كلية الحقوق بجامعة باتنة 01 الحاج لخضر، في تصريح ل «الشعب»، أن الأوراس يكتنز ثروات أثرية وسياحية كبيرة تحتاج التثمين لتطوير وترقية قطاعي الثقافة والسياحة. باتنة متحف طبيعي يؤهلها لكي تكون قطبا سياحيا بامتياز، في إطار السياحة الثقافية التي تواجه مشكلا كبيرا يتمثل في عدم الاهتمام بهذه الآثار وحمايتها والحفاظ عليها سواء من التخريب أو النهب، خاصة في السنوات الأخيرة التي شهدت «تقصيرا» من المصالح المعنية وفي مقدمتها مديرية الثقافة والفنون، التي بقيت تتفرج على تحويل مناطق أثرية وسياحية الى مزابل. جرائم ثقافية وتاريخية في حق الذّاكرة العديد من هذه المواقع والمعالم التاريخية والأثرية بعاصمة الأوراس باتنة، على غرار تيمقاد، غوفي، ايمدغاسن، مدينة طوبنا الأثرية، تعاني الإهمال والنسيان والتهميش شبه المبرمج من طرف الجهات الوصية محليا رغم تعليمات الوزارة الوصية في هذا الشأن، والقاضية بضرورة إيلاء كل الأهمية للحفاظ على هذا التراث المادي واللامادي. ونفس الشيء بالنسبة للمعالم السياحية - تضيف الدكتورة سيد الليثي - مؤكّدة أن باتنة تعتبر الأولى وطنيا من حيث التنوع والثراء الغابي، والذي يمتد على مساحة تقدر ب 324.914,67 هكتار ما يمثل نسبة 27 % من مساحتها الإجمالية، ومعروف أنّ غابات الولاية تتربّع على مساحة تناهز 250.000 هكتار، جلها بجبال بلزمة، بوعريف، بني فضالة،، وبني املول جنوبا، تعرف بدورها ضياعا بسبب حرائق الغابات التي في غالبيتها متعمّدة وبسبب العامل البشري، وإهمالا يرافقه إتلاف لهذا الغطاء، أثناء الخرجات السياحية لعائلات أوراسية وغيرها، تترك مخلّفاتها من أطعمة وقارورات غازية وأفرشة وعلب كرتون وغيرها من النفايات المضرة بالبيئة، خاصة ما تعلق بصب الزيوت ومخلفات المصانع والمواد الطبية بهذه الفضاءات الطبيعة الخلابة، وهو ما يستدعي - حسب محدّثتنا - دق ناقوس الخطر ولفت أنظار الجهات المعنية. وأشارت المتحدثة إلى أنّ الظاهرة ليست جديدة غير أن الأنظار لم تكن موجهة لها فقط، واصفة إياها بالظاهرة المؤسفة التي تدمي القلوب، في ولاية يفترض ان تكون متحفا وطنيا طبيعيا، لو لقيت اهتماما من طرف القائمين على هذه القطاعات. وأشارت الدكتورة والمحامية المعتمدة بالمحكمة العليا ومجلس الدولة، إلى أن قوانين هذه المعالم الأثرية والسياحية موجودة والتعليمات المركزية خاصة الصارمة في هذا الشأن من خلال تأكيد المشرع الجزائري على إيلاء أهمية قصوى لها، من خلال القانون 98/04 المتعلق بحماية التراث الثقافي، والذي يحتاج مراجعة شاملة وإعادة نظر وتعديل لمواكبة التطورات التكنولوجية الحاصلة في مجال نهب وسرقة وإتلاف وتهريب هذه الآثار. وعن العقوبات المخصّصة للمتسبّبين في إتلاف هذه المعالم أو تشويهها، تشير المحامية إلى أن القانون واضح في هذا الشأن من خلال معاقبة كل من يتلف أو يشوّه عمدا أحد الممتلكات الثقافية المنقولة أوالعقارية المقترحة للتصنيف أو المصنفة أو المسجلة في قائمة الجرد الإضافي، دون المساس بأي تعويض عن الضرر، بالحبس مدة سنتين إلى خمس سنوات، وبغرامة مالية من 20 ألف دج إلى 200 ألف دج وتطبّق العقوبة نفسها على كل من يتلف أو يدمّر أو يشوّه عمدا أشياء مكتشفة. ضرورة مراجعة قانون حماية التراث الثقافي أكّد رئيس جمعية بانوراما للسينما والثقافة عمار محمدي والمهتم بالمعالم الأثرية من خلال إنتاجه وإخراجه لفيلم «بائع الذاكرة»، في تصريح ل «الشعب»، أن هذا الموروث يشكّل جزءا مهما من الذاكرة التاريخية الجماعية للجزائريين، ويشكل أيضا جزءا من تاريخها وعراقة ماضيها، ويحث ذلك -يضيف محمدي - رغم ترسانة القوانين والأغلفة المالية الضخمة المرصودة لحماية هذه الكنوز والحفاظ عليها، وكذا الارتقاء بها لتحقيق إقلاع اقتصادي ثقافي وسياحي بديل عن البترول. وتابع محمدي القول بأنه رغم المجهودات المتفرقة للمصالح المعنية في القيام بعمليات ترميم وإعادة اعتبار وتسييج وحماية لهذه المعالم من تخريبها من طرف القاطنين بمحاذاتها أو الزائرين لها، إلا أن الأمر يوحي بعدم جدية هذه المصالح في ذلك من خلال الاكتفاء مثلا بتسييجها دون تخصيص حارس لها لضمان حمايتها بشكل كامل على غرار ضريح «ايمدغاسن»، الذي يطاله التخريب في كل مرة يشهد فيها توافدا للزوار بغرض السياحة أو البحث، حيث تتحول هذه المعالم إلى أوكار لممارسة الرذيلة أو مرتع للمنحرفين والمدمنين في غياب كلي للجهات المعنية في مقدمتها مديرية الثقافة. وأشار محمدي إلى أنّ الحل في نظره يكمن في التأسيس لمفهوم السياحة الثقافية ببلادنا من خلال توفير وتهيئة هذه المواقع الأثرية، وإعادة الاعتبار لها والقيام بحملات تنظيف لها بعد أن تحولت بفعل الزائرين والقاطنين بمحاذاتها وعابري الطريق إلى مزابل، مع ايلاء عمليات الترميم الاهمية التي تستحق وإعادة النظر في تسييرها والحفاظ عليها بتشديد المراقبة عليها، وعدم الاقتصار في النهوض بالثقافة السياحية ببناء الفنادق، بل بالاهتمام بوضعية هذه المعالم في حد ذاتها، وتهيئة أرضياتها اللازمة وصيانتها، يضيف محمدي. من جهته تأسّف ممثل جمعية بصمات الشباب الثقافية عرعار عثمان، في تصريح ل «الشعب ويكاند»، للوضعية التي آلت إليها المعالم التاريخية والأثرية والسياحية بولاية باتنة، والتي بسبب الإهمال، أصبحت عرضة للسرقة والنهب الذي طال مكنوناتها التي ترجع لقرون خلت من الزمن. وتسجّل مصالح الأمن والدرك المختصة وتعالج باستمرار قضايا إجرامية تهدد الإرث الوطني للجزائريين من خلال عمليات توقيف وحجز لمهربين ولصوص الآثار، الذي يجب تشديد العقوبة في حقهم والحفاظ على هذه الكنوز من الاندثار والضياع بفعل النسيان، وعدم توفير مرشدين سياحيين وحراس لهذه المعالم، وعدم السماح لكل من هب ودب بالدخول إليها وفي كل الأوقات. وقد دعا محدثنا أيضا الجهات المعنية إلى المسارعة في تعديل مختلف القوانين الناظمة لقطاعي السياحة والثقافة عبر قانون الإجراءات الجزائية الخاص بتهريب الآثار بوضع قوانين واضحة تخص تهريب الآثار والاهم تشديد العقوبة، إضافة إلى ضرورة تكليف خبراء ومختصين في دراسة الآثار الموجودة بباتنة بطرق علمية ومحترفة على غرار مدينة طبنة الأثرية جنوب الولاية تراعى فيها خصوصية كل منطقة للحفاظ عليها من الاندثار. وتعتبر مدينة طبنة من بين المعالم الأثرية التي ستشهد مشروع إجراء حفريات يقوم به المركز الوطني للأبحاث الأثرية للبحث عن مكنونات مدينة طبنة الأثرية، وإبراز ما يكتنزه الموقع العتيق من آثار شاهدة على مراحل تاريخية بالمنطقة، وتحديد معالمه المبرزة لعراقة الحضارات التي تعاقبت على طبنة بهدف الحفاظ عليها، وحمايتها من مختلف عمليات السرقة والنهب والحفر ووقف الاعتداءات العشوائية، التي طالت المدينة برمتها. وأشارت مصادر متابعة للملف، أن أبرز مشكلة تعانيها طبنة الأثرية هو زحف العمران إليها بطريقة فوضوية وغير قانونية، حيث يتسارع العمران نحو المدينة وعلى حساب كنوزها الأثرية، قبل أن تسارع الجمعيات المهتمة والمواطنين إلى إخطار السلطات المعنية بضرورة حماية الموقع من خلال تحديد المساحة المحمية التي كانت محل خلاف بين الجمعيات الثقافية والسلطات العمومية، قبل أن تتم الموافقة بعد استشارة المختصين في الآثار على مشروع علمي وبحثي يبرز الموقع الذي يحتوي حسب أخصائيين على آثار للحقبة الرومانية، وأخرى للحضارة الإسلامية في عهد الزيريين والحماديين. معالم أثرية تئن تحت وطأة الإهمال ومديرية الثقافة ترفض الرد نفس الشيء بالنسبة لواقع ضريح «إيمدغاسن» الأثري الذي يعتبر دليلا آخر على غياب إستراتيجية سياحية واضحة، إذا لم تسارع الجهات المعنية إلى حمايته والحفاظ عليه، حيث أكد عرعار أن الجزائر قد تفقد هذا المعلم بعد أكثر من 23 قرنا من الوجود. ويعاني الضريح الموجود على بعد 37 كلم شرق مدينة باتنة بدوار أولاد زايد ببومية بولاية باتنة، منذ مدة طويلة من الإهمال، بفعل العوامل الطبيعية ممثلة في الرياح والحرارة من جهة، وأحيانا العامل البشري من جهة أخرى، وهو ما سيؤدي بهذه التحفة الأثرية التي تمثل ذاكرة تاريخية للجزائر مع مرور الوقت إلى الانهيار. وحسب مصادر مهتمة بالشأن الثقافي، فإن هذا الضريح الرمز مهدد بالزوال من الوجود اليوم أكثر من أي وقت مضى، رغم بعض عمليات الترميم التي طالت في السنوات الأخيرة كونه من أقدم وأهم الآثار التاريخية بالجزائر وإفريقيا. والجدير بالذكر أن الضريح الأثري النادر بإفريقيا والمتواجد في عاصمة الاوراس باتنة، يشهد إقبالا منقطع النظير حتى مع إجراءات الحجر الصحي من طرف السياح والزائرين الذين يحولون جوانبه ومحيطه إلى مزبلة بسبب مخلفاتهم، وقد بناه أحد ملوك الأمازيغ في حوالي القرن الثالث قبل الميلاد كشكل من القبور المتطورة خلال حكم الملوك البرابرة في تلك الفترة لمّا كان حكمهم ممتدا من مراكش غربا إلى السودان شرقا، وقد بني على شكل مخروطي يرتكز على قاعدة اسطوانية، ويزيّنه 60 عمودا بعلو 19 مترا، وقد صنف المعلم الأثري ضمن قائمة الأضرحة الملكية على المستوى الوطني منذ سنة 2002. أما شرفات غوفي بغسيرة المعروفة عالميا والمهمشة محليا، فتواجه نفس المصير في صمت رغم عراقة تاريخها، حيث تقع جنوب الأوراس على حدود مدينة بسكرة، وتمتد منطقة التوسع السياحي الخاصة بشرفات غوفي على مساحة فاقت 338 هكتار، منها 10 قابلة للاستغلال السياحي، وخصصت السلطات المحلية سابقا ما يقارب 8 ملايين دينار من أجل تهيئة الموقع، ولكن لا يجد الزائر اليوم سوى تلك الدعائم التي تعززت بها الأدراج كونها الممر الوحيد المؤدي إلى عمق صخري يقدر بنحو مائتي متر. تقع شرفات غوفي وسط ديكور طبيعي خلاب، حيث يشبّهها العارفون في أمور السياحة بمنطقة الكولورادو الأمريكية، لكن ديكور شرفات غوفي أكثر تنوعا وجمالا، حيث تمتد سلاسل صخرية في تموجات بديعة ترتفع من أسفل الوادي بعلو60 مترا، وقد حفرت العوامل الطبيعية أخاديد وبيوتا حجرية بديعة في الصخر المتناظر على ضفتي الوادي. ونشير في الأخير إلى أنّنا حاولنا مرات نقل رد مدير الثقافة والفنون بولاية باتنة عمر كبور، بهذا الخصوص، إلا أنه رفض الرد على اتصالاتنا الهاتفية وحتى بالرسائل النصية، بعد اطلاعنا إياه على فحوى اللقاء ومضمونه، ونفس الشيء بالنسبة لمسؤول مصلحة التراث بذات المديرية، الذي اشترط علينا منحه ترخيصا مكتوبا من مدير القطاع للحديث مع «الشعب ويكاند».