حرصت الجمهورية الجزائرية الديمقراطية على مر 50 سنة من استرجاع السيادة الوطنية واستقلال البلاد الذي فتح عهدا جديدا حافلا بالانجازات في مجال إعادة التعمير والتنمية، على بناء قوة دفاعية تكون درعا واقيا من المخاطر والتهديدات الإقليمية، فعززت قواتها الأمنية والعسكرية، البرية، الجوية والبحرية، وجعلتها تحدو حذو الدول الكبرى بعد أن وضعتها في أولويات أجندتها من خلال بناء قدراتها وتأهيل مواردها البشرية وتشييد منشآتها الدفاعية والتكوينية. الدرك الوطني.. أول قيادة عسكرية رسمية سارت المؤسسات الأمنية والعسكرية بمختلف تشكيلاتها خلال 50 سنة من الاستقلال، وفاء للنهج المسطر منذ شرارة نوفمبر المتمثلة في الحفاظ على ثمرة الاستقلال والسيادة ومواجهة كل قوة تهدد الوحدة الوطنية والشعبية مهما كانت الظروف، فعمدت في بداية الأمر إلى إنشاء سلك الدرك الوطني هذه القوة الردعية التي تظل مقدسة لمهامها الدستورية، متمسكة على الدوام بواجبها في خدمة الوطن وتطبيق قوانين الجمهورية. وقد قال بشأنها الرائد «عبد الحميد كرود» ممثل قيادة الدرك الوطني في محاولة منه لرصد أهم مراحل تطور هذا السلك على مر خمسين سنة من إنشائه لمندوبة «الشعب» أنه وخلال حرب التحرير الوطني وفي الوقت الذي تقرر فيه مقاطعة الجهات القضائية الاستعمارية تم إنشاء لجان قضائية من طرف جبهة التحرير الوطني داخل كل ولاية لفض النزاعات وحفظ النظام بين صفوف السكان الجزائريين أطلق عليها اسم «الدرك الوطني» يظهرون بزي المجاهدين غير أنهم يضعون على أكتافهم شارة مكتوب عليها «الدرك الوطني» وقد كان ذلك عام 1959 وكانت هذه الهيئة تقوم، إضافة إلى المهام الموكلة إليها، بالسهر على تأمين الجبال وانتقال المجاهدين من منطقة إلى أخرى... وغيرها من الأعمال التي تصب في صالح استعادة الاستقلال والحرية للوطن. وإبان الاستقلال، وبالضبط في 23 أوت 1962 وبموجب الأمر رقم 62 - 19، ضيف «كرود»، تم إنشاء قيادة الدرك الوطني رسميا من طرف الحكومة المؤقتة،ئوهي جزء لا يتجزأ من الجيش الوطني الشعبي وعبارة عن هيئة عسكرية تم إنشاؤها بغية ضمان حفظ الأمن وتنفيذ قوانين الدولة الجزائرية حيث تعتبر الوقاية والمراقبة الردعية المتواصلة جوهر مهامها، وتمتد صلاحياتها إلى جميع نشاطات الشرطة العامة، الإدارية، القضائية والعسكرية على كامل التراب الوطني في الأرياف، المناطق شبه الحضرية والتجمعات السكنية الكبرى على وجه الخصوص. وشكلت قيادة الدرك الوطني التي عرفت تخرج أول دفعة سنة 1964 بمدينة سيدي بلعباس، اللبنة الأولى في البناء عقب الاستقلال، هدفت الدولة من خلالها إلى بسط سلطتها وتوفير الأمن والاستقرار وسط المجتمع الجزائري وتمكين العدالة من أداء مهامها وذلك بمدها بأعوان أكفاء يقومون بالسهر على تنفيذ القانون وردع المخالفات والتجاوزات حسب ما أفاد به عميد أول للدرك الوطني كرود. وقد عملت مؤسسة الدرك الوطني على مواكبة تطور المجتمع الجزائري في كل المجالات وهذا ما اقتضى الآخذ بعين الاعتبار التقسيم الإداري الجديد لإنشاء وحدات جديدة، الأمر الذي يضيف -كرود - أكسب القطاع مرونة وقدرة على التطور، استطاعت معه أن تفرض وجودها في كل الأحداث البارزة التي عايشتها البلاد. وشهدت مؤسسة الدرك الوطني وعلى مدار 50 سنة عدة تنظيمات جعلت منها قوة عسكرية منوطة بمهام الأمن العمومي، تحكمها القوانين والتنظيمات الجاري بها العمل في وزارة الدفاع الوطني، كما تدعمت بموارد بشرية هامة وعتاد حربي قوي مواكب للتطورات التكنولوجية الراهنة للقيام بمهامها وللتنسيق العملي ومتابعة العمليات عبر التراب الوطني. البحرية الجزائرية 50 سنة من التطوير الدائم
قامت الجزائر في مرحلة ثانية بتطوير القوات البحرية التي تركت بصماتها في مسرح التاريخ سعيا منها لحماية ساحلها الممتد على طول 1200كلم وإطلالها على واجهة بحرية تشكل اليوم أكثر من ذي قبل محط رهانات إستراتيجية كبرى بعد أن أدركت الجزائر أهمية هذه المساحات البحرية من اجل الدفاع عن أمن إقليمها وسيادتها. ومن ثم أولت القيادة العليا منذ تأسيسها مباشرة بعد استرجاع السيادة الوطنية وعلى مدار50 سنة أهمية كبيرة للتطوير الدائم لقدرات الدفاع البحري، حيث سهرت على تنمية كفاءات هذا السلك باستمرار حسب الإمكانيات المتوفرة، والعمل على تدعيم هيئات التكوين والخبرات المكتسبة بمرور الوقت من اجل التصدي لأي اختراق للإقليم البحري ومد يد المساعدة إذا تطلب الأمر لسفن بحرية في حالة خطر. ولأجل ذلك، تم نشر مراكز مراقبة على طول الساحل تسهر على ضمان المراقبة 24/ 24 ساعة للمناطق الواقعة تحت المسؤلية القانونية الجزائرية حيث تسهر من الغزوات إلى القالة على مراقبة الساحل الجزائري، وتلعب بذلك دورا حيويا سواء للبحار أو للإبحار، كما تضمن الاتصال المستمر مع اليابسة، مسؤولية تتزايد أهميتها كلما زاد النشاط البحري الواقع تحت المسؤولية القانونية الجزائرية. وهو ما وقفت عليه «الشعب» خلال الأبواب المفتوحة التي تم تنظيمها بالمدرسة البحرية بتمنفوست على هامش تخرج الدفعة الضباط والتي عرضت من خلالها أهم مراحل تطور السلك خاصة ما تعلق منها بالعتاد البحري الحربي، كما تخللها تقديم ندوة تطرق من خلالها المحاضر إلى أهم المراحل التي عرفتها البحرية إبان الثورة التحريرية . الجيش الوطني الشعبي... أداة دفاع واحترافية ضمن مسار تعزيز قدرات وكفاءة الجيش الوطني الشعبي الذي انصب الجهد منذ استقلال الجزائر على الوصول به إلى أعلى مستويات الاستعداد القتالي المنسجم أحسن انسجام والمتحكم في المهام العظيمة الموكلة إليه. وهو ما أكده رئيس الجمهورية، وزير الدفاع الوطني، القائد الأعلى للقوات المسلحة بمناسبة تخرج آخر دفعة من مدرسة أشبال الأمة بشرشال في كلمة له، إلى المجهودات التي قامت بها الدولة في إطار تطوير الأدوات الدفاعية، من خلال اعتماد الاحترافية وتكوين المنتسبين الجدد إلى الجيش الوطني الشعبي تكوينا يتساوق وما يتطلبه الدفاع العصري وطبيعة التحديات حيث تم العمل منذ الاستقلال على جعل من الجيش الوطني الشعبي أداة دفاع متكاملة تتمتع بدوام الجاهزية والمرونة والقدرة على التصدي والردع . وقامت القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي تطبيقا للمخطط التطوير الذي أعدته بإحاطة الطالب الضابط بأحسن الظروف الممكنة حيث تم الحرص على أن يكون قالب تكوينها موحدا ومتجانسا ويرتقي مستواها التحصيلي الذي يسبق مرحلة التكوين المتخصص والجامعي إلى ما يتوافق وأهداف المسار الإصلاحي الذي يأتي مكملا للجهد التطويري الذي حرصت الجزائر المستقلة على تطبيقه من خلال تسجيلها أشواطا معتبرة على أكثر من صعيد، سعيا منها إلى بلوغ الاحترافية ذات المواصفات المتماشية مع الخصوصيات العسكرية الجزائرية. وهو ما بات واضحا للعيان وما وقفنا عليه خلال إشرافنا على تغطية أهم نشاطات القطاع الخاصة بتخرج الدفعات الضباط والتي تخللتها أبواب مفتوحة عرضت من خلالها كل مؤسسة عسكرية أهم مراحل تطور القطاع مبرزة اهتمام الدولة به من خلال عرض عتادها الحربي المواكب لأهم التطورات التكنولوجية من دبابات ومدافع ...وغيرها من الأسلحة الحربية التي شكلت فارقا كبيرا بين الجزائر إبان الثورة والجزائر المستقلة. وبالموازاة، مع كثافة الجهد الإعدادي والتطويري، الذي يحتل فيه على الخصوص مجال التحضير القتالي المتوج بإجراء التمارين العسكرية الاختبارية حيزا فسيحا ونصيبا وافرا، تمكنت، تدعيما للخصوصيات الوطنية، من استحداث مدارس أشبال الأمة لتكون رافدا آخر من روافد غزيرة العطاء القادرة على تطعيم القوات المسلحة بجيل نخبوي متشبعا بالقيمة الوطنية والحضارية ومعتزا بأمجاد أسلافه الميامين وخدوما لبلادهم ومؤمنا بضخامة المسؤولية الموضوعة على عاتقهم. الحماية المدنية... تفان في الأداء ورثت الجزائر غداة الاستقلال حماية مدنية مكونة من خليط متنوع من مستخدمي رجال الإطفاء بمن فيهم المهنيين الدائمين والمتطوعين الذين كانوا يعملون في ظل قانون فرنسي تم إعداده سنة 1884، حيث قام المستعمر يقول العقيد «قراش دوداح»، ممثل الحماية المدنية في تصريح ل«الشعب» بتنظيم أسلاك مصالح الحرائق في الجزائر، هذه الأخيرة كانت متمركزة في مراكز التجمعات السكنية الكبرى وكانت مهمتها الدفاع وحماية المصالح الاقتصادية للمعمرين. وأفاد العقيد دوداح أن الحماية المدنية وبالنظر إلى المهام الموكلة لها في حماية ممتلكات الوطن والمواطنين شهدت على مدار تأسيسها ومسايرة للتطورات والتكنولوجية والنمو الديمغرافي في الوطن العديد من التغييرات. وحتى يتسنى لمختلف الفرق أداء مهامها على أحسن وجه يقول دوداح: كان من الضروري تدعيمها بالوسائل المادية والبشرية، وقد تم خلال سنة 1964 وضع تنظيم إداري للحماية المدنية على المستوى الهيكلي والوظيفي. وفي عام 1967 تم تنظيم السلك كجهاز دفاع مدني في حالة حرب وفي هذا الإطار تدعمت وحدات التدخل للحماية المدنية بوسائل متنوعة خاصة بمختلف أصناف الآليات ووسائل التدخل من شاحنات مختلفة الأنواع والأحجام وسيارات للإسعاف الصحية منها والطبية، وكذا بشاحنات متعددة الخدمات وآليات النقل. كما باتت يضيف -العقيد قراش-تتمتع بتنظيم إداري تقني وعملي لضمان التكفل الخاص بالمهمة الإنسانية المنوطة بها. وقد تم في سنة 1976 إعادة تنظيم وزارة الداخلية وإنشاء مديرية عامة للحماية المدنية مكلفة بحماية الأشخاص والممتلكات. ولتدعيم التغطية الشاملة وضمان الحماية والسلامة للمواطنين عبر كافة القطر الوطني وهذا بما يتماشى والأخطار المحصاة والنمو الديمغرافي الذي شهده الوطن خلال خمسين سنة، تم انجاز عدة وحدات للتدخل وهياكل إدارية ومرافق بيداغوجية للتكوين ومرافق رياضية، وتصنيف الوحدات ومكان تواجدها وتعداد الأفراد العاملين فيها في مختلف المصالح العملية الإدارية التقنية والمصالح الوقائية وقد هدف هذا التنظيم إلى تحسين وعصرنة تسيير الموارد البشرية والمالية وإدارة العمليات وفقا لأنماط وأساليب تقنية حديثة والتي تهدف في مجملها إلى عصرنة عمل مصالح الحماية. كما ضمنت الدولة للمواطنين من خلال هذه المؤسسة شبه العسكرية، الاطلاع على كل المعلومات المتعلقة بالأخطار الكبرى وأهم الترتيبات الوقائية الكفيلة بالتعامل مع هذه الكوارث. واستطاع القطاع منذ تاريخ إنشائه حسب تصريحات ذات العقيد من تكوين آلاف ضباط الصف والأعوان ورسكلة مئات الإطارات في مختلف التخصصات وإعداد مئات ضباط الصف منتمين لبعض البلدان الإفريقية والعربية الشقيقة.