المقاطعة كما المشاركة في الانتخابات، حق تكفله الممارسة السياسية، يُحترم وغير قابل للنقاش، بالرغم من أنه قد يكون منبوذا لأنه الوجه الآخر للإقصاء. يحكم كل من قرّر مقاطعة انتخابات مهما كانت، رئاسية أو تشريعية أو محلية، على نفسه بالإقصاء، والغياب طيلة عهدة كاملة، يضطر للوقوف على الهامش ويكتفي بدور المتفرج مع سبق الإصرار. عدم المشاركة في الانتخابات عموما، والتي يختار فيها الشعب ممثليه بالمجلس الشعبي الوطني أو المجالس الشعبية المنتخبة الولائية والبلدية على وجه التحديد، بمثابة سلاح ذي حدين، يقطع حدّ منه علاقة الناخبين بالأحزاب، ويقطع الثاني تمثيل الأحزاب في الساحة السياسية. ولعل الغريب في المقاطعة كخيار تلجأ إليه بعض أحزاب الطبقة السياسية، أنه يعاقب مناضليها بدرجة أولى، بحرمانهم من تمثيلهم ونقل انشغالاتهم، دافعة بذلك إلى العزوف بطريقة ما، وتعاقب بنفس الدرجة، ذلك أن السياسة تماما كالطبيعة لا تقبل الفراغ. وإذا كانت غاية أحزاب من عدم خوض أيّ معترك انتخابي «معاقبة السلطة»، فإنها تجلد نفسها بالسوط نفسه، ذلك أن المواطن يصرف النظر عنها، ويبحث عن بديل لإيصال انشغالاته، التي لا يمكن أن تبقى معلقة لمدة خمس سنوات كاملة، ويكون ردّه على أنانية قيادات قدّمت مصلحة الحزب على مصلحة المواطن. ولمّا كانت مصائب قوم عند قوم فوائد، فإن أكبر المستفيدين من المقاطعة، قادة أحزاب قرّروا المشاركة، حظوظهم تتعزّز في استقطاب حصة أكبر من الهيئة الناخبة، ومن شأن ذلك أن يوسّع وعاءهم الانتخابي، بما يعزّز موقعهم في الساحة السياسية.