عاد إبراهيم أبو بكر كايتا الوزير الأول ورئيس البرلمان المالي الأسبق إلى جذور الأزمة التي يعيشها البلد منذ مدة أدت به إلى حد التهديد بالانقسام الترابي في ظل تصارع داخلي وخارجي محموم، وتضارب مصالح قوى فرضتها التغييرات الجيواستراتيجية وحسابات النفوذ. وقال كايتا «ضيف الشعب» أمس في لقاء صحفي قصير بمقر الجريدة أن هذه الوضعية التي يعيشها البلد عمق منطقة الساحل وقلبها النابض لم تكن مفاجئة في شيء، لكنها متوقعة بالنظر إلى تفاعلات الداخل، وتناقضات التر كيبة الاجتماعية، وتهرب الدولة المركزية في تأدية وظيفتها للتكفل بانشغالات السكان الغارقين في مشاكل متراكمة معقدة لم تجد الحل المناسب المقبول وكثيرا ما تقفز السلطة الحاكمة على هذا المعطى، وتساهم في تأججه بوعي أو لا وعي، بقصد أو غير قصد. وواصل الوزير الأول الأسبق في سرده قائع تطورات الأحداث وضرورتها أن كل شيء بني في مالي على خطأ.. والصورة المقترحة للآخر في الخارج، المنمقة، تناقض ما هو موجود وما هو مكرس.. والأزمة التي تفجرت، وشبح الانقسام الذي لاح في الأفق، والتهديدات الارهابية تقودها جماعات تختفي وراء الاسلام وهي غريبة عنه، هي القطرة التي أفاضت الكأس. وعاد الوزير الأول في اعطائه قراءة متأنية للمشهد السياسي المالي وتطوراته التي شدت الأنطار، ان الواقع يكشف صورة قاتمة جدا في هذا البلد الافريقي الذي انتزع استقلاله في موجة الستينيات كانت الثورة التحريرية بالجزائر اثرها الكبير على ذلك. وكانت الجزائر وراء المقترح التاريخي عدم المساس بالحدود الموروثة على الاستعمار واعتبارها مقدسة لا تقبل المساس تحت أي طاريء. وأعطى أمثلة عن الانتخابات الرئاسية التي جرت سنة 2002، وكان أحد مرشحيها الأوفر حظا في انتزاع الفوز والريادة حسب طرحه، وقال أنه احتل أول المرتبة في الاستحقاق الرئاسي، لكن آلة التزويد، وماكنة الغش حالت دون ايصاله لهذا المنصب، بحرمانه من 500 ألف صوت بطريقة تعيد إلى الأذهان الممارسات السلبية التي دأبت عليها أنظمة افريقية. والكثير منها لم يتحرر منها، ولم يحترم الصندوق واملاءاته وشفافيته الا النذر القليل! ومع ذلك لم يخرج الوزير الأول الأسبق إلى الملأ بملء الساخة السياسية انتقادا اعتقادا راسخا منه أن الوضع في مالي على درجة كبيرة من الهشاشة لا يحتمل المزيد من التعفن والتعقيد.. وحسب ابرهيم أبو بكر كايتا، فان وقع التزييف الانتخابي بقدر ما كان له الوقع الحساس على أفئدته، تحمله، ولم تصعد للمنابر لقيادة حملة مضادة توظف من جهات خارجية، وتلصق بتجارب افريقيا في البناء الديمقراطي، ورشادة الحكم.. وعلى نفس المنوال تحدث الوزير الأول الأسبق عن الانقلاب العسكري يوم 22 مارس الأخير، وكيف كسرت فيه الطغمة كل دواليب الحكم الديمقراطي، والدستوري، جعلت من سكان مالي يشدون الأنفاس، وينتظرون ما تأتي به الأيام الحالكات من أشياء غير سارة بالمرة. وقال أن الكل تساءل بمرارة وهو يتابع حادث الانقلاب المأساوي «ماذا بعد؟»، وكيف المخرج لبلد غارق في الافلاس والفساد، عاجز عن سد الفجوات الأمنية الاقتصادية السياسية التي تتسلل منها جماعات التهريب والجرائم المنظمة والهجرة غير الشرعية.. وقال الوزير الأول أيضا أن كل الماليين، حملوا الانشغال الذي تقاسمته معهم مختلف دول المعمورة، ولا سيما بالجوار، كيف السبيل لتسوية أزمة زادها الانقلاب تفاقما لبلد يعيش على المساعدات الخارجية وهو يملك مقومات الاقلاع والنهضة. وقدرت المساعدات الخارجية ب 01 مليار دولار دون أن يتدخل الرئيس المطاح به ومن حوله لايقاف الانزلاق والانهيار مبقيا على ديمقراطية الواجهة الشكلية والمراحل الانتقالية الدائمة. مع ذلك، كانت للوزير الأول كايتا مساع وساطة مع العسكريين وحوارات حول كيفية العودة إلى الحكم الدستوري في ظرف قصير، وهذا بتولية رئيس الجمعية الوطنية ادارة المرحلة الانتقالية مثلما يكرسه مضمون دستور مالي، وهو ما تحقق لاحقا، عبر مفاوضات قادتها مجموعة «الايكواس». لكن كيف يمكن لجماعات تحمل تسميات «اسلامية» أن تفرض قانونها على عامة الماليين، وتعمل ما في المقدرة من أجل اقرار الانقسام؟ بالنسبة للوزير الأول الأسبق، فإن هذا المعطى ولدته تناقضات الداخل أولا، لكن غالبية الماليين يعارضون هذا المنطق، ويرفضون جملة وتفصيلا أي مساس بالوحدة الترابية مهما كانت التحديات، وتزداد معارضتهم لهذه الجماعات حاملة طقوسا غريبة على مجتمع تربى على قيم الاسلام منذ العصور.. وشرب منها حتى الثمالة.. ولا يقبل بالمرة أن يشككه أي أحد في هذه المسألة طالما أنه مسلم ويبقى على تعاليم الدين الحنيف السمح سائر إلى أن يبعث الله الأرض ومن عليها! فنيدس بن بلة