يمثل الخبز عنصرا جوهريا في الدورة الاقتصادية والغذائية وهو اليوم محور جدل ساخن في ضوء الزيادة المثيرة لحجم الاستهلاك واتساع دائرة تبذيره مكلفا فاتورة لا يمكن تشخيصها إلا من خبراء مختصين يجيدون ضبط المعادلة بالأرقام. وتفتقر الساحة لإحصائيات دقيقة وجديرة بالتحليل من كافة الجوانب،غير أن هناك مؤشرات تساعد على تشخيص الظاهرة خارج طبيعتها الاجتماعية وتفكيك تداعياتها الاقتصادية. لكبح جماح الاستهلاك المتزايد هناك طروحات عديدة للتحكم في المسالة بين داع لزيادة سعر الخبز ، و تحسين جودة أو ضبط التحكم في المواد الغذائية الأخرى كاللحوم والأسماك لتوازن سلة الغذاء اليومي. وبالفعل تكاد تتشكل قناعة بان تحسين نوعية الخبز كفيل بالحد من الإلقاء به حيث لا يليق بنعمة تحتل مادتها الخام مكانة مركزية في الأسواق الغذاء العالمية وهي سند للأمن الغذائي. وبهدف التعرف على الجوانب الخفية للمسالة وتشخيصها اقتربت الشعب من الأمين العام لاتحاد التجار الجزائريين ومن الخبير المواكب للأوضاع الاقتصادية ببلادنا الدكتور مبتول اللذين يطرحان الرأي بأبعاد اقتصادية في وقت الجميع على درجة من الاقتناع بان مرحلة ما بعد البترول تبدأ باقتصاد وترشيد استهلاك الخبز ليس على مستوى الفرد فقط وإنما أيضا على مستوى كبار المستهلكين كالفنادق والمطاعم. لم ينكر الأمين العام للاتحاد العام للتجار الجزائريين السيد صويلح وجود ظاهرة تبذير مادة الخبز إلى درجة رميها في أماكن الفضلات. ويقول إن الأمر حقيقة محملا المسؤولية للمستهلك لعدم القدرة على التحكم في احتياجاته وغياب ثقافة تسيير ميزانية العائلة. والأمر برأيه سلوك استهلاكي سيئ وغير مقبول. بالاستناد للأرقام الرسمية على مستوى الاتحاد يوجد 14 ألف خباز عبر أرجاء البلاد منهم حوالي 300 خباز في منطقة العاصمة لوحدها. ويتم تموينهم يوميا بكميات منتظمة بمادة الفرينة تتراوح بين قنطارين و10 قناطير فيما تخصص للمخابز التي لها زبائن كبار مثل المؤسسات والفنادق كمية تتجاوز 10 قناطير. ومن حوالي 40 مليون رغيف ينتج يوميا يقول محدثنا تشير التقديرات النسبية إلى انه من 5 إلى 6 ملايين رغيف من الخبز تلقى في أماكن الفضلات، ويكفي أن يتم تقديرها ماليا للوقوف على حجم التكلفة وبالتالي الخسارة المباشرة في وقت يعز فيه اليورو و الدولار في الأسواق العالمية للحبوب.وبلا شك أن القيمة المالية لتلك الكميات الهائلة التي تستنزف موارد مالية وتخرج من دائرة التغذية كفيلة أن توجه لاحتياجات أخرى سواء للمواطن أو المنظومة الاقتصادية الكلية. ويكتسي مثل هذا الواقع مدلول اقتصادي ومالي ينبغي التوقف عنده لاستخلاص الفاتورة التي تترتب عن ظاهرة أصبحت تستوقف كل مدرك للمتغيرات الحاصلة في البورصات العالمية تحت وقع ضربات الأزمة المالية العالمية. ويدعو صويلح بلسان اتحاد التجار الجزائريين إلى الإسراع في ترتيب مسار عملي للتحسيس والتوعية من خلال جمع الشركاء حول طاولة للنقاش والحوار ويتعلق الأمر بكل من وزارة التجارة والاتحاد وجمعيات المستهلكين التي يجب أن تنتشر بشكل أفقي وجواري لمرافقة المستهلك في تأسيس ثقافة استهلاكية بأبعاد سوسيو- اقتصادية. والمطلوب من تحرك من هذا النوع التوصل إلى صياغة تصور لمواجهة الظاهرة من جذورها، بدءا من إقناع المستهلك بالانتباه للموضوع وتقدير الخسارة المباشرة له وللمجموعة الوطنية وكذا وضع نظام جديد لإنتاج وتسويق الخبز كمادة غذائية تقتضي التعامل معها بقيمتها المالية والاقتصادية بمنظور كلي يخص الاقتصاد الوطني وجزئي يخص اقتصاد الأسرة الجزائرية التي تواجه هجمة عنيفة لإفرازات اقتصاد السوق. وهن سؤال عما إذا كان اللجوء الكبير للطلب على الخبز سببه عدم قدرة المستهلك على شراء مواد أخرى أساسية مثل اللحوم والأسماك وبالتالي يعوض الفراغ الغذائي رد صويلح بان لو كان الهدف ملا فراغ غذائي لما ألقى المستهلك بالفائض من الخبز في الشارع. وأضاف أن الوسائل المادية الملائمة متوفرة اليوم لإرساء ثقافة اقتصاد وتوفير الخبز بالحفاظ عليه في الثلاجة مؤكدا برأيه أن النوعية اليوم موجودة وتساعد على مثل هذا البديل. وبخصوص ما إذا كان التبذير قائم على مستوى الفرد والأسرة فقط أم يشمل أيضا كبار المستهلكين أوضح أن حتى الفنادق والمطاعم تفتقر لمثل هذه الثقافة داعيا مصالحها إلى تنمية سلوك اقتصاد الخبز بما يقلل من نسبة التبذير وسوف ينعكس ذلك مباشرة على التوازن المالي للمؤسسة الفندقية أو المطعم مهما كانت طاقته. وفي خضم النقاش تبين أن الظاهرة على سلبيتها القائمة يمكن أن توفر مساحة لإحداث نشاطات بعنوان استرجاع هذه المادة من خلال تحفيز الشباب والبطالين على تأسيس تعاونيات جوارية لاسترجاع الخبز وإعادة ضخه في الدورة الاقتصادية خاصة الفلاحية كبديل ظرفي إلى حين نضج ثقافة استهلاكية اقتصادية ضمن ديناميكية التنمية البشرية المستدامة. كما أثيرت قضية تقصير الحصص الإعلامية المعتنية بالطبخ وفنون الطهي في ترويج سلوكات اقتصاد الخبز وترشيد استهلاكه ولو من باب التذكير في نهاية كل حصة بان للمواطن دور متقدم سواء بمراجعة فعل شراء الخبز أو الحفاظ عليه في وسائل التبريد.